القاهرة
في الأشهر الأخيرة، شهدت العلاقات بين مصر وتركيا تحولًا كبيرًا بعد سنوات من التوترات الدبلوماسية. فبعد تعيين سفراء متبادلين عام 2023، بدأت العلاقة تتحسن بشكل ملحوظ، ما انعكس على المشهد الإقليمي، خصوصًا في الملف السوري، حيث يشترك البلدان في اهتمامات ومصالح تؤثر على مسار النزاع.
وهذا الشهر وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العاصمة التركية أنقرة، في زيارة هي الأولى منذ 12 عامًا.
جاءت الزيارة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة في شباط/ فبراير الماضي، والتي أسفرت عن توقيع اتفاقيات استراتيجية في مجالات عديدة، مثل الدفاع والطاقة والصحة والتعليم، بهدف زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 15 مليار دولار.
في هذه اللقاءات، ناقش السيسي وأردوغان عدة ملفات إقليمية، كان على رأسها الأوضاع السورية.
وقد كان لمصر وتركيا مواقف متباينة فيما يتعلق بالنزاع في سوريا، إذ دعمت تركيا بعض فصائل المعارضة السورية، بينما اتخذت مصر موقفًا أكثر تحفظًا، داعية إلى حل سياسي شامل يحافظ على وحدة الأراضي السورية.
ومع تحسن العلاقات، يبدو أن البلدين قد يتجهان إلى تنسيق مشترك لدعم مسار الحل السياسي في سوريا، ما قد ينعكس على موقف الفصائل المدعومة من تركيا وإعادة صياغة دور أنقرة في الملف السوري.
وأكد الجانبان على أهمية الحل السياسي في سوريا، حيث شدد السيسي على ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، بينما دعا أردوغان إلى تعزيز علاقات تركيا مع دمشق لتحقيق الاستقرار.
واتفق الطرفان على أهمية الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وشددا على أهمية المساعدات الإنسانية ومشاريع التنمية المبكرة للشعب السوري ودعوة المجتمع الدولي لمواصلة هذه الجهود.
ورحب السيسي بمساعي التقارب بين أنقرة ودمشق، مشيراً إلى أهمية التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يرفع المعاناة عن الشعب السوري ويحافظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية.
وأكد السيسي على ضرورة القضاء على الإرهاب بجميع أشكاله في سوريا، مشيراً إلى الجماعات المتطرفة المدعومة من تركيا في الشمال السوري.
زيارة المقداد إلى القاهرة
في إطار التحولات التي شهدتها العلاقات بين مصر وتركيا وتأثيراتها على الملف السوري، جاءت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى القاهرة في نيسان/ أبريل 2023، وهي الأولى منذ 12 عامًا.
هذه الزيارة كانت خطوة بارزة في إعادة تعزيز العلاقات بين دمشق والقاهرة، في ظل تنامي التقارب بين مصر وتركيا.
خلال الزيارة، ناقش المقداد مع نظيره المصري سامح شكري سبل تعزيز التعاون بين البلدين، كما تم التطرق إلى الأوضاع الإقليمية، بما في ذلك الحرب السورية.
ومثلت الزيارة محطة هامة على طريق استعادة سوريا لموقعها في المنطقة العربية، خاصة بعد عزلة طويلة بسبب الحرب.
زيارة المقداد جاءت بعد زيارة مماثلة من وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق في فبراير 2023، بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا.
وعكست هذه الزيارات المتبادلة، بحسب تقارير صحفية، تحولًا ملحوظًا في نهج القاهرة تجاه سوريا، ما يعزز من فرص التعاون الإقليمي في حل الحرب السورية.
التعاون الإقليمي وتأثيره على الوضع السوري
تحسن العلاقات بين مصر وتركيا، مدعومًا بالتنسيق مع دمشق، يفتح الباب أمام تعاون إقليمي قد يسهم في حلحلة الأزمات الإقليمية، بما في ذلك الوضع السوري.
تركيا، التي دعمت المعارضة السورية في السنوات الماضية، قد تضطر لإعادة النظر في موقفها تجاه هذه الفصائل بالتزامن مع التنسيق الجديد مع مصر وسوريا، بحسب ما أفادت تقارير صحفية.
هذا التعاون قد يؤدي إلى صياغة دور جديد لتركيا في سوريا، مما يؤثر على توازن القوى على الأرض، ويخفف من حدة التوترات.
كما أن التواجد العسكري التركي في شمالي سوريا، الذي كان محل انتقاد من مصر لسنوات، قد يشهد تغييرات. فالتقارب بين البلدين قد يسهم في تقليل الانتقادات المصرية لهذا الوجود، وربما يساهم في تهدئة الأوضاع على الأرض أو على الأقل تقليص التوترات بين القوى الإقليمية.
وأكد الرئيس التركي في تصريحاته الأخيرة، قبل أيام، خلال زيارة السيسي، على أهمية تعزيز العلاقات مع دمشق، مشيرًا إلى أن بلاده تعمل على صياغة خارطة طريق لحل الحرب السورية بالتعاون مع الحلفاء الإقليميين.
وأوضح أن السلام العادل في سوريا يصب في مصلحة تركيا، داعيًا إلى اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق هذا الهدف.
وعلى الرغم من هذه التصريحات الإيجابية، تظل القضية الكردية عقبة أساسية في التنسيق بين تركيا وسوريا، حيث تعتبر أنقرة الوجود الكردي في شمال شرقي سوريا، تهديدًا لأمنها القومي، ما قد يستمر في تعقيد الجهود الديبلوماسية.
مواقف مصر من الحرب السورية
موقف مصر تجاه الحرب السورية كان ثابتًا في دعمه للحل السياسي الذي يضمن وحدة وسلامة الأراضي السورية.
القاهرة لم تكن داعمة للفصائل المسلحة، وبدلاً من ذلك ركزت على دعم الجيش السوري في مواجهة التنظيمات المتطرفة.
فالتقارب المصري-التركي، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع دمشق بعد زيارة المقداد، قد يدعم هذه الرؤية المشتركة حول الحاجة إلى إنهاء الصراع عبر الحلول السياسية بدلاً من التدخلات العسكرية، وفق تقارير صحفية.
كما أن تحسن العلاقات بين تركيا ومصر قد يكون له أيضًا تأثير إيجابي على ملف اللاجئين السوريين.
فتركيا تستضيف حاليًا عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين، وتحسين علاقاتها مع مصر قد يسهم في إيجاد حلول مشتركة للتخفيف من الضغوط التي تواجهها الدولتان في التعامل مع هذه القضية الإنسانية.
ويمكن لهذا التعاون أن يؤدي إلى تطوير مبادرات جديدة لتحسين أوضاع اللاجئين وتخفيف العبء عن الحكومتين.
تاريخ العلاقات المصرية-التركية وتأثيرها على سوريا
العلاقات المصرية-التركية مرت بفترات توتر طويلة، بدأت منذ 2013 عندما قطعت مصر العلاقات الديبلوماسية مع تركيا بعد الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين.
وخلال تلك الفترة، دعمت تركيا المعارضة السورية بشكل مباشر، بينما دعمت مصر الحكومة السورية بشكل غير مباشر.
ومع وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، تغيرت سياسة مصر تجاه سوريا، وبدأت القاهرة في لعب دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة في سوريا، خصوصًا بعد تدخلها كوسيط في عدة مناطق مثل الغوطة الشرقية.
هذا الدور المصري عزز من مكانة مصر الإقليمية، وأعاد دمشق إلى محيطها العربي بعد سنوات من العزلة.
في المجمل، التقارب المصري-التركي يعيد تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط، ويبدو أن الحرب السورية ستكون من أبرز الملفات التي ستتأثر بهذه العلاقات الجديدة.
ومن المتوقع أن يسهم التعاون بين القاهرة وأنقرة، مدعومًا بتعزيز العلاقات مع دمشق، في تعزيز الحلول الدبلوماسية، ما قد يؤدي إلى تهدئة الأوضاع في سوريا وفتح الباب أمام جهود إعادة الإعمار.