بيروت
تستمر القوات الأوكرانية في بسط سيطرتها على أكثر من 1100 كيلومتر مربع من منطقة كورسك الروسية، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، منذ الاختراق المباغت والسريع لقواتها في 6 آب/ أغسطس المنصرم.
ويجمع الكثير من الخبراء العسكريين، وحتى المصادر الأوكرانية، على أن أحد أهداف هذا الهجوم كان إجبار موسكو على إعادة نشر موارد عسكرية كبيرة من دونباس للدفاع عن سلامة أراضيها، وفقاً لموقع “فرانس24”. وبحسب أركان الجيش الأوكراني، الأراضي التي يسيطر عليها الأوكرانيون في كورسك “ستمثل رصيداً في مفاوضات السلام المستقبلية”.
وكان فولوديمير شوماكوف، الديبلوماسي الأوكراني السابق، قد قال للموقع نفسه إن احتلال مناطق روسية على غرار ما يحدث في كورسك، “قد يجبر بوتين على إجراء تبادل، أي مبادلة أراض أوكرانية بأخرى روسية”.
وفي هذا السياق، يظهر تناقض في تقييم عملية كورسك العسكرية.
مفهوم الردع الذاتي
يقول المحلل السياسي الكندي أندريس كاسيكامب إن أوكرانيا كانت في حاجة إلى أخذ زمام المبادرة وتغيير سير الأحداث، “إذ كان السائد حرب استنزاف من دون أي أمل بتغيير ميداني فعلي، حيث كان الجانب الروسي يزيد الضغط على أوكرانيا للتخلي عن الأرض مقابل السلام، ما يعني مكافأة روسيا على عدوانها”.
يضيف كاسيكامب، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية: “أحد أهم أهداف عملية كورسك هو حث واشنطن على التخلي عن مفهوم الردع الذاتي في إدارة الحرب الأوكرانية، فهذا المفهوم هو ما سبب إطالة الحرب، وسمح لروسيا بالتقدم في الداخل الأوكراني”، غامزاً بذلك من قناة دول أوروبية عدة فرضت قيوداً على استخدام الأسلحة التي زوّدت أوكرانيا بها، ومن قناة الولايات المتحدة التي ترددت طويلاً قبل تزويد كييف بمقاتلات متطورة من طراز “أف –16” مزودة بأحدث تقنيات الحرب الإلكترونية، وقبل القبول بضرب مواقع عسكرية في العمق الروسي.
ولمن يشكك في جدوى العملية، يقول كاسيكامب في مقالته: “تاريخياً، انهارت الأنظمة الروسية بشكل مفاجئ بسبب هزيمة عسكرية”. ويسوق أمثلة على ما يقول: أدت حرب القرم إلى تحرير العبيد، وأدت الحرب الروسية – اليابانية إلى اندلاع ثورة عام 1905، وأطاحت الهزيمة في الحرب العالمية الأولى بالقيصر، وأدت نكسات أفغانستان إلى تفكيك اتحاد الجمهوريات السوفياتية.
…أو خطوة حمقاء!
في المقابل، يصف السياسي الأميركي جون ميرشماير عملية كورسك بأنها “خطوة حمقاء”. ويضيف في لقاء سياسي عقده موقع “الحوكمة المسؤولة” الأميركي أن العامل الرئيسي الذي يحدّد النصر في أي حرب استنزاف هو نسبة الضحايا في طرفي النزاع، وليس الاستيلاء على الأراضي.
وبحسب ميرشماير، لا خسائر روسية كبيرة في هجوم كورسك لأن الجيش الأوكراني اجتاح أراضي غير محمية، بينما تكبّد الأوكرانيون خسائر فادحة. يقول: “حين تنبّهت موسكو للهجوم في غرب البلاد، تولت المقاتلات الروسية شن غارات جوية هائلة على قوات أوكرانية تتقد في أرض مفتوحة، ولم تتمكن القوات الجوية الأوكرنية من تأمين غطاء جوي لهاا”.
ويوضح قائلاً إن ما يجعل من هذا الهجوم خطوة حمقاء فعلاً هو “سحب كييف وحدات النخبة من الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا، حيث تحتاج إليها فعلياً، لاستخدامها في غزو كورسك غير المحمية أصلاً، وبذلك تميل نسبة الضحايا على جبهة شرق أوكرانيا لصالح روسيا أيضاً”.
ويختم ميشماير مداخلته تلك بالقول: “إنها خطوة حمقاء جداً، إلى درجة أنها فاجأت الروس أنفسهم، الذين ما توقعوا أن يرتكب الأوكرانيون هذا الخطأ”.
وقال قائد الجيش الأوكراني أوليكساندر سيرسكي اليوم الخميس إن التوغل في كورسك ناجح، وروسيا لم تحقق أي تقدم في قطاع رئيسي من الجبهة الشرقية منذ ستة أيام.
وأضاف سيرسكي في مقابلة مع شبكة (سي.إن.إن): “خلال الأيام الستة الماضية لم يتقدم العدو مترا واحدا باتجاه بوكروفسك. وبعبارة أخرى، نقول إن استراتيجيتنا ناجحة”.
ومضى قائلا إن الجيش لاحظ أيضا تراجعا في القصف وفي شدة الهجوم الروسي في قطاعات أخرى.