بروكسل
تقترب ألمانيا من انتخابات إقليمية يعدها كثيرون مصيرية للائتلاف الحاكم، برئاسة المستشار أولاف شولتز، فيما تتركز الأنظار على مقاطعتي ساكسونيا وتورينغن في شرق البلاد، التي تعدّ تقليدياً معقلاً للأحزاب اليمينية المتطرفة. وبحسب صحيفة “شبيغل” الألمانية، وتؤكد استطلاعات أخيرة للرأي أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” يحلّ في المرتبة الأولى في هاتين المقاطعتين، ويحلّ الاتحاد الديموقراطي المسيحي في المركز الثاني.
المهاجرون محور الخلاف
في الاستطلاع نفسه، تأتي مسألة الهجرة واللاجئين في صدارة القضايا الحاسمة التي تؤثر في خيارات الناخبين الألمان، “ويُحسن اليمين الألماني المتطرّف استغلال هذه المسألة وتداعياتها أسوأ استغلال، خصوصاً في ألمانيا الشرقية، حيث يتميز المشهد السياسي بتحوّل ملحوظ نحو حزب ’البديل من أجل ألمانيا‘ الذي استغل المخاوف العامة من اللاجئين”، كما تقول صحيفة “الغارديان” البريطانية، مضيفةً: “تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن هذا الحزب يتجه نحو الحصول على حصة كبيرة من الأصوات في الانتخابات المقبلة”، بعد الهجوم بسكين في مدينة زولينغن بغرب ألمانيا، والذي نفذه مهاجر سوري ينتمي إلى تنظيم “داعش”، المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية وآسيوية أخرى.
ولا شك في أن أزمة اللاجئين قضية انتخابية محورية في الشرق الألماني. في عام 2015، شهدت ألمانيا تدفق أكثر من مليون لاجئ، معظمهم من سوريا وأفغانستان والعراق. وفي حين تبنى العديد من سكان ما كان يعرف بـ”ألمانيا الغربية” قبل توحيد البلاد بعد انهيار جدار برلين في عام 1990 الاستجابة الإنسانية الفورية، أبدت الولايات الشرقية، أو ما كان يعرف بـ”ألمانيا الشرقية”، المزيد من التشكيك.
ويقول تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية إن المواطنين الألمان عبروا دائماً عن مخاوفهم بشأن اندماج اللاجئين، خوفًا من الضغوط الاقتصادية، “فاستغل حزب ’البديل من أجل ألمانيا‘ هذه المشاعر المناهضة للسياسة التي بدأتها المستشارة السباق أنجيلا ميركل واستمر فيها المستشار الحالي، فصاغ برنامجاً سياسياً قائماً على الشعبوية المتلطية وراء مسألة الهوية الوطنية والأمن”.
السردية البديلة
إلى ذلك، وجد استطلاع أخير أجرته “يورونيوز” أن نسبة كبيرة من المشاركين فيه في ساكسونيا “يربطون بين ارتفاع معدلات الجريمة وتدفق اللاجئين، وهذا تصور روج له هذا الحزب من دون توقف”، بحسب صحيفة “شبيغل”، مضيفةً: “حلّ اليمين المتطرّف ثانياً في انتخابات 9 حزيران/يونيو 2024 الأوروبية، ولم يتأثر حزب ’البديل‘ كثيراً بفضيحة مشاركة أعضائه في اجتماع ضم أحزاباً تعتنق النازية الجديدة في النمسا، وتوقيعهم على وثيقة تتعهّد ترحيلاً جماعياً للاجئين إن وصل الحزب إلى السلطة”.
في مقابل اليمين المتطرف، تكافح أحزاب ألمانية رئيسية مثل الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر لمواجهة سردية حزب “البديل من أجل ألمانيا” في مسألة اللاجئين. وحاول الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يقود الائتلاف الحاكم مع حزب الخضر والديمقراطيين الأحرار، الترويج دائماً للفوائد الاقتصادية للهجرة. إلا أن “واشنطن بوست” الأميركية تلفت إلى أن هذا الترويج “لا يلاقي صدى في الشرق الألماني، حيث يشعر العديد من الناخبين بالانفصال عن النخبة السياسية، وحيث يعبّر الناس علانية عن سخطهم من الحكومة التي تعاملهم معاملة المواطنين من الدرجة الثانية”.
ويضيف التقرير المنشور في “الغارديان” البريطانية: “إن الولايات الشرقية تواجه تحديات اقتصادية تؤدي إلى تفاقم المخاوف من الهجرة. وتساهم معدلات البطالة المرتفعة ونقص الاستثمار في البنية الأساسية في الشعور بعدم الأمان الاجتماعي. ونتيجة لذلك، ينظر العديد من الناخبين إلى اللاجئين من خلال عدسة المنافسة على الموارد والوظائف، ناهيك بخيبة الأمل الشعبية من الأحزاب السياسية التقليدية، حيث يشعر العديد من الناخبين أن أصواتهم لا تُسمع في برلين”، وهذه هي الثغرة التي ينفذ منها اليمين المتطرف.
وجه أوروبا
ومع اقتراب موعد الانتخابات، بدأ حزب الخضر في التركيز على المبادرات المحلية الرامية إلى تحسين التكامل ودعم المجتمعات المتضررة من الهجرة. ومع ذلك، يواجه صعوبات جمة في إقناع الناخبين بأن نهجهم يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية، بحسب “دي دبليو”، خصوصاً بعد تكرار الحوادث الأمنية التي ينفذها لاجئون.
في الختام، تلفت “لوموند” الفرنسية إلى أن ما سيحدث في ألمانيا في الانتخابات الإقليمية المقبلة لن يكتفي بالتأثير في المناخ السياسي في ألمانيا وحدها، “إنما سيحدد نبرة الخطاب السياسي الأوسع نطاقاً فيما يتعلق بالهجرة في السنوات المقبلة”.
وتضيف الصحيفة الفرنسية: “قوى اليمين الصاعدة في ألمانيا هي امتداد ليمين متطرّف في فرنسا نجح أخيراً في إثبات موقعه السياسي على حساب قوى الوسط، وليمين متطرّف في بريطانيا يحمل خطاباً معادياً للمهاجرين يتزعمه نايجل فاراج، فاز بنحو 14% من الأصوات في انتخابات مجلس العموم في تموز/يوليو الماضي، وليمين متطرّف يحكم إيطاليا، ويمين متطرف تصدّر انتخابات هولندا، ويمين متطرف حقّق أرقاماً مقلقة في النمسا. وهذا كله يهدد بتغيير وجه أوروبا، والحجة جاهزة: أزمة المهاجرين”.