“حين دخل الروس إلى درعا البلد وريف درعا الغربي في صيف 2018، وفرضت الحكومة السورية نفسها وشروطها عسكرياً، تأسست اللجنة المركزية بتكليف بعض القادة الذين برزوا في المعارضة السورية منذ عام 2011، من ذوي الخبرة والكفاءة، تولي المسؤولية لأمرين: تحويل اتفاق التسوية الذي رعته روسيا إلى وثيقة معترف بها بعدما كانت تعدّ تعبيراً عن هزيمة جنوبي سوريا، والاستجابة لحاجة المجتمع وتأمين الحماية للمواطنين وتحقيق الاستقرار وتعزيز الصمود”. هكذا يختزل “أبو معاذ”، أحد أعضاء اللجنة المركزية في درعا البلد، سيرة هذه اللجنة لـ”963+”.
إلا أن أحمد الزعبي، أحد سكان مدينة جاسم بريف درعا، يعارض “أبو معاذ” لافتاً إلى العديد من الانتقادات الموجهة إلى عمل هذه اللجان المركزية خلال السنوات الماضية، ويقول لـ”963+”: “تطورت هذه الانتقادات إلى اتهامات بالعمالة للحكومة السورية وأجهزتها الأمنية على حساب الأهالي والسكان، وهذا ظهر في الكثير من التوافقات بين الجانبين على ملفات وقضايا عدة، بينها تسليم المطلوبين للحكومة، فيما أظهرت اللجان عجزاً عن تنفيذ بنود اتفاقية التسوية”.
انطلقت التظاهرات الشعبية التي سميت حينها “الثورة السورية” من درعا البلد في 18 آذار/مارس 2011، ثمّ توسع نطاقها إلى مختلف مناطق المحافظة، ومنها إلى باقي المحافظات السورية، بعد حادثة “الكتابة على الجدران” واعتقال الأطفال.
بعد تحول الاحتجاجات إلى حرب أهلية، استمرت المعارك في المحافظة بين ما سمي حينها “الجيش الحر” والقوات الحكومية حتى عام 2018، حين شنت هذه القوات حملة عسكرية كبيرة، انتهت باتفاقٍ للتسوية في الجنوب السوري في 6 تموز/يوليو 2018 برعاية روسية، وكان مشابهًا لباقي التسويات في ريف حمص الشمالي وجنوب دمشق.
مخترقون؟
أصبحت اللجنة المركزية أشبه بهيئة حكم محلي في مناطق التسوية في درعا، وامتدّ نفوذها إلى مناطق أخرى شهدت مصالحات محلية سابقة على اتفاق التسوية، ومناطق سقطت عسكريًّا في بداية الحملة الحكومية، إضافة إلى تكتلات عشائرية ومحلية في كل منطقة، ضمنت التعامل مع الحكومة السورية بوصفها كتلًا اجتماعية وليس أفرادًا.
بشار علي الحاج علي، وهو ديبلوماسي سابق وعضو في اللجنة الدستورية، من أهل درعا، وأدرى بشعابها. وهو يرى أن هذه اللجان المركزية “تؤدي دورًا معقدًا ومزدوجًا في الواقع المحلي بدرعا”، مضيفاً لـ”963+”: “لا شكّ في أن أعضاء هذه اللجان تحلّ بعض النزاعات، مستفيدة من خلفيتها ’الثورية‘ ومعرفتها العميقة بتفاصيل الوضع المحلي في محافظة درعا، وفي جنوب سوريا”… إلا أنه يشكك في أن بعض هؤلاء “ربما يكون مخترقًا من أجهزة أمنية محلية وغير محلية”، كما يقول.
يرفض “أبو أحمد”، القيادي في اللجنة المركزية بريف درعا الغربي، اتهام الزعبي للجان بـ”العمالة” للحكومة السورية، كما يرفض تشكيك الحاج علي بإمكانية اختراقها، كما ينفي ما يقال إن عناصر اللجنة المركزية يحملون بطاقات أمنية صادرة من الحكومة السورية. كذلك، ينفي وجود أي تدخلات أجنبية في محافظة درعا، ويقول جازماً: “لا تواصل بين اللجنة المركزية والأردن، بحسب ما يشاع، وكل ما في الأمر أن ثمة تنسقاً بسيطًا بين اللواء الثامن والسلطات الأردنية لحراسة الحدود من تجار المخدرات ومهربي السلاح، خصوصاً بعدما نشط هذا الأمر في الآونة الأخيرة”.
إرهاب وفصائل
بحسب “أبو معاذ”، تمنع اللجنة المركزية في درعا البلد دخول الفصائل الممولة من إيران ومسلحي ’حزب الله‘ اللبناني، “صوناً لأمن الناس هنا”، كما تسعى إلى إخراج المعتقلين والمعتقلات في سجون الحكومة السورية، كما فعلت خلال فترة التسويات، وإلى انتزاع تأجيل إداري للمنشقين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية في القوات الحكومية.
إلا أن عدنان محمود، أحد سكان مدينة درعا، يذكّر “أبو معاذ” بأن اللجان المركزية في المحافظة “عقد توافقات مع الحكومة لمنع حصول صدام مع مسلحي الفصائل الإيرانية، وعجزت عن تحقيق أي بند من بنود التسوية مع الحكومة، بدءاً من إخراج المعتقلين أو منع القوات الحكومية من اقتحام المدن والبلدات عسكرياً، وبالغت في اعتمادها على الروس”.
وفيما يؤكد “أبو أحمد” أن اللجنة تسعى إلى ومنع دخول القوات الحكومية والفصائل الرديفة، باستثناء الأمن العسكري الذي يدخل بلدات المحافظة تحت إشراف اللجنة والوجهاء لإدارة شؤون المواطنين”، يضيف الزعبي: “الخلافات حادة بين اللجان ووجهاء وعشائر المنطقة، والتضارب واضح في المصالح بين اللجان نفسها، وهذا خلق حالاً من عدم الاستقرار في مناطق عدة بمحافظة درعا، حيث نشهد عمليات اغتيال وتفجيرات ما زالت مستمرة”.
خدمياً، أعلنت اللجنة أنها تعاونت مع المجتمع المحلي لبناء 3 مدارس، وتجهيز 8 مدارس أخرى بكافة مستلزماتها وتوفير الكوادر التعليمية لها ودفع المكافآت لمعلميها، وإنشاء مركز طبي، وتأسيس مخبزين، ومد خط لماء الري من خربة غزالة إلى الخزان الرئيسي في درعا البلد، وإصلاح مجاري الصرف الصحي.
يقول “أبو معاذ”: “إن درعا بحاجة ماسة إلى مركز لعلاج الإدمان على المخدرات”، إذ أصبحت أزمة المخدرات بعد التسوية العنوان الأبرز للجنوب السوري على المستوى الإقليمي، “ونحن نتحرك في هذا الإطار ضمن الهامش الذي تسمح به إمكانياتنا الضئيلة”.
ويعقّب الحاج علي بالقول إن هذا الهامش “هو الذي تركته الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية لهذه اللجان، وغالبًا ما يكون محدودًا ومشروطًا، لذا تجد نفسها مضطرة للتعامل مع تحديات كبيرة وقيود تفرضها الحكومة، سياسياً واجتماعياً وصحياً، وهذا يضعها في موقف حرج بين تحقيق أهدافها والمحافظة على الاستقرار النسبي الذي يفرضه الواقع القائم”.
وصنّفت الولايات المتحدة قادة عدة في المليشيات المحلية الرديفة للأجهزة الأمنية الحكومية في محافظة درعا على قوائم العقوبات لعلاقتهم بتجارة المخدرات. كما تشن القوات الأردنية في الفينة والأخرى حملات عسكرية، استعملت في إحداها سلاح الجو، لمكافحة مهربي المخدرات، وأغلبهم ينتمون إلى “حزب الله”، بحسب التقارير الأمنية والإعلامية اليومية.
درعا ـ سوريا ـ الحكومة السورية ـ روسيا ـ القوات الروسية