بيروت
لأول مرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تتطرق إسرائيل إلى الدور السوري في التطورات العسكرية الجارية في المنطقة، خصوصاً أن الميدان السوري مشرّع في الأصل أمام طرفي النزاع الإسرائيلي – الإيراني، إن بالغارات التي تشنها المقاتلات الإسرائيلية على مواقع إيرانية داخل الأراضي السورية، أو باستخدام “حزب الله” اللبناني والفصائل الأخرى الموالية لطهران الأراضي السورية منطلقاً للهجمات على إسرائيل.
أكسجين المحور
يصف أميت ياغور، ونائب سابق لرئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي ومسؤول سابق في الاستخبارات البحرية الإسرائيلية، لصحيفة “معاريف” العبرية، سوريا بأنها “أنبوب الأكسجين لـ’حزب الله‘ في لبنان، ومن بدون نظام متعاطف مع إيران في دمشق، لن يتمكن الحزب من الحفاظ على قوته فترة طويلة، وضرب المحور السوري في المعادلة لا يقل أهمية عن ضرب محور فيلادلفيا في غزة، ويجب تعريفه واحداً من الأهداف الأساسية للحرب على الجبهة الشمالية، عسكرياً وديبلوماسياً”.
في عام 2022، قال رام بن باراك، رئيس لجنة الأمن في الكنيست الإسرائيلي، إن سوريا جزء من المعركة المفتوحة مع “حزب الله” اللبناني، “وهذا يعني أن إسرائيل مستعدة لحرب في سوريا وغيرها من الساحات:، بحسب ما قالت سارة الشريف، الصحفية المختصة بالشؤون الإسرائيلية، لـ”963+” في حديث سابق.
الصمت وتبريره
لكن هذا التحليل الاستخباري الإسرائيلي الأخير يأتي في ظل أمرين: الأول، الصمت السوري المطبق حيال كل ما يجري منذ بداية هذه الجولة من العنف في المنطقة، وسوريا جزء منها جيوسياسياً؛ والثاني، التبرير الإيراني على سلان “حزب الله” لهذا الصمت السوري، بعدما قالها علناً أمين عام الحزب حسن نصرالله في خطاب تأبين كبير قيادييه العسكريين فؤاد شكر، إن سوريا هي منصة إسناد في هذه الحرب.
وإذ يحاول “حزب الله” فصل سوريا عسكرياً عن النشاط الحربي لما يسمى “محور المقاومة” لأسباب عدة يردها المراقبون إلى ضغط روسي تمثل في طرح هذا الموضوع على مائدة البحث حين كان الرئيس السوري في ضيافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيراً، وفي زيارة سيرغي شويغو الأخيرة إلى سوريا… فإن ياغور لا يفصلها، ويقول إن أي اتفاق مع لبنان سيحول دون تدخل سوريا في الحرب، كما يوسّع دائرة النشاط العسكري الإسرائيلي فلا يتركز على لبنان حصراً، “والصمت السوري طوال الحرب يشير أكثر من أي شيء آخر إلى أن هذا هو بالضبط ما يخشاه السوريون”، أي التوصل إلى اتفاق ما مع الجانب اللبناني، بمسعى من الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي تمكن يوماً من عقد اتفاق بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية بينهما.
دور سوريا في حرب إسرائيل – حزب الله: مطلوب إيرانياً محدود ميدانياً
معادلة صعبة
ووفقاً لتقرير “معاريف”، يعادل مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي مساعي الرئيس السوري بشار الأسد للانفتاح على دول عربية معتدلة، بحجة مساهمتها في إعادة إعمار ما هدمته الحرب، مع التزامه القرار الإيراني وقرار “حزب الله”. ويقولون إن العلاقة السورية – الإيرانية قائمة اليوم على الاستمرار في دعم الأسد رئيساً لسوريا مقابل السماح لإيران وفصائلها بالعمل في أجزاء كبيرة من سوريا، مرة ضد إسرائيل، ومرة ضد أميركا، ومرة ضد داعش.
يسلط هذا التقرير الضوء على إشكالية صارت واضحة في سوريا، وهي ميل الأسد وحكومته إلى النأي بالنفس عن الحرب، كي لا يتضرر الانفتاح على الدول العربية، الذي يتحدث عنه ياغور، خصوصاً أن ثمة خطوات متلاحقة في هذا الإطار، مثل زيارة وفد كويتي إلى دمشق للإطلاع على أحوال سفارة دولة الكويت استعداداً لإعادة فتحها، والاجتماع الأخير الذي حصل في طهران بين وفدين حكوميين سوري وقطري، تمهيداً لإعادة وصل ما انقطع بين دمشق والدوحة منذ نحو 14 عاماً، علماً أن قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي رفضت عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وعارضت التطبيع العربي مع الحكومة السورية.
لكن، هل يستطيع الرئيس السوري المعادلة بين الدول العربية وإيران، كما يقول تقرير “معاريف”؟ على الرغم من التبرير الذي ساقه نصر الله لسوريا، يلاحظ المراقبون تعثراً في العلاقة بين الأسد والقيادة الإيرانية، تبلور في غياب الرئيس السوري عن مناسبتين مهمتين: تشييع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، والمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، خصوصاً بعد الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية بدمشق، ومقتل ضباط كبار فيها.
التغلغل الإيراني في سوريا: من التغيير المذهبي إلى البناء المسلح
وجود أميركا
ينصح ياغور الجيش الإسرائيلي بالاستمرار في تحدي الحكومة السورية، لكن بطرق مبتكرة، والسعي إلى إخراج الفصائل الموالية لإيران، “وهذا إنجاز طموح، لكنه ممكن إن تمت الاستعانة بالقوات الروسية المنتشرة في سوريا”، خصوصاً أن الروس لم يمنعوا إسرائيل من الاستمرار في طلعاتها الجوية في الأجواء السورية، ومن استهداف المواقع الإيرانية والتابعة للفصائل السورية والعراقية الموالية لإيران، في أي بقعة على الخريطة السورية.
كذلك، يوصي ياغور بإنشاء منطقة عازلة مغلقة على طول الحدود السورية – اللبنانية – الإسرائيلية، “فهذا من شأنه أن يفصل لبنان عن سوريا، ويقطع الاتصال المباشر بين إيران و’حزب الله‘”، معولًا على الوجود الأميركي لهذا الأمر وللقضاء على القوة العسكرية للفصائل الموالية لإيران، “فواشنطن قادرة على استخدام قواعدها وقواتها في سوريا من دون العودة إلى الكونغرس، خصوصاً اليوم، إذ تلوح فرصة استراتيجية للتحرك بينما يركز الروس على أوكرانيا”.