السويداء
شهدت محافظة السويداء السورية الواقعة جنوب البلاد، اليوم الجمعة، توافد وفود تمثل مناطق ونواحي المحافظة التي تقطنها أغلبية من الطائفة الدرزية، للمشاركة في آخر احتجاج قبيل إتمام الحراك الشعبي فيها عامه الأول.
وزيّن المشاركون ساحة السير، التي حولوا اسمها منذ عام إلى ساحة الكرامة، بصور من الاحتجاجات السابقة، ودونوا أبرز الأحداث التي شهدتها السويداء خلال 12 شهراً.
وفي 17 آب/ أغسطس من العام الماضي 2023، اندلعت مظاهرات شعبية في المدينة بمشاركة مئات السكان احتجاجاً على التدهور الاقتصادي، ما لبثت أن تحولت لمطالب سياسية بمكافحة الفساد الحكومي والدعوة للانتقال السلمي للسلطة بحسب القرار الأممي 2254.
وتحولت التظاهرات لموعد أسبوعي يوم الجمعة لتجديد مطالب الإفراج عن المعتقلين وكشف مصير المخفيين قسراً والدعوة لدولة عادلة، والتأكيد على استمرار معارضة سياسات الحكومة الحالية.
وتفاوت زخم المشاركة في احتجاجات الجمعة بين شهر وآخر بحسب الأحداث التي شهدها الجنوب السوري، وبحسب التشديدات الأمنية الحكومية في المدينة.
ويرى ناشطون محليون جنوب سوريا أن “حراك السويداء” نجح في صياغة مطالب شعبية بعيدة عن التبعية لدول إقليمية وأجندات طائفية، على عكس تيارات المعارضة المسلحة التي ظهرت بعد أقل من عام من احتجاجات العام 2011 في سوريا.
“كلمة حق”
ويقول مؤيد فياض، عضو الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني في السويداء، لموقع “+963″، إن معارضة السويداء لسياسات الحكومة السورية لم تبدأ فقط قبل عام، لأن “كلمة الحق كانت مرفوعة في السويداء منذ احتجاجات العام 2011”.
لكن الذي تغير منذ العام الفائت هو تحول “ساحة الكرامة لبيت ثان للمشاركين”، وذلك من خلال الاستمرار في التظاهرات رغم التحديات الكبيرة والمخاطر على ناشطين ما يزالون يعملون داخل البلاد وفي منطقة خاضعة للحكومة وأجهزتها العسكرية والأمنية.
ويعتقد الناشطون أنهم نجحوا في إسقاط التهم التقليدية التي كان “النظام” يوجهها لمعارضيه كوصفهم بمجموعات إرهابية أو عملاء لجهات أجنبية، وذلك من خلال المحافظة على سلمية الاحتجاجات والتركيز على المطالب الشعبية الأساسية.
كما أن تظاهرات السويداء تضامنت، من خلال اللافتات والشعارات، مع السوريين في مختلف مناطق النفوذ في أحداث مختلفة خلال العام، وهو ما ينفي عنها صبغة الطائفية، بحسب الناشطين.
وكانت مشاركة النساء في تظاهرات “الكرامة” طابعاً آخر مختلفاً عما هو سائد في منطقة نفوذ الجيش الوطني المعارض شمال غربي سوريا، وبدت مشاركة نساء بالزي الشعبي بارزة حتى تظاهرة اليوم الجمعة.
ويؤكد فياض أن الحراك السلمي في الساحة سيستمر، “ولن نخرج منها حتى الانتقال السياسي السلمي للسلطة في سوريا وبناء وطن عادل”.
وكانت السويداء تشهد احتجاجات أخرى عدا المقررة أيام الجمعة، بحسب الأحداث التي تشهداها البلاد عموماً، والجنوب السوري خصوصاً.
وفي تظاهرة أمام مركز للتسويات الأمنية الحكومية في 28 شباط/ فبراير الماضي، قتل جواد توفيق الباروكي بطلقة نارية في الصدر على يد عناصر الأمن التابعين للحكومة السورية أمام صالة “7 نيسان” في مدينة السويداء.
تظاهرات في السويداء بعد يومين من مقتل الباروكي برصاص القوات الأمنية
مطالب واقعية
ورغم أن تظاهرات السويداء أضافت سريعاً شعار “إسقاط النظام” الذي كان عنواناً لاحتجاجات العام 2011، لكن ملامح مشروع وطني بدأت تتشكل من خلال إبراز مطالب مستقاة من الأحداث والظروف التي عايشها السكان خلال العام.
ومنذ التظاهرات الأولى رفع المحتجون شعارات ضد الفساد الحكومي، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الناجين وكشف مصير المغيبين، لتضاف لها المطالبة بالعدالة لضحايا انتهاكات الأجهزة الأمنية الحكومية، ثم إنصاف الموظفين المفصولين تعسفاً، ومكافحة عبور المخدرات من الجنوب السوري، وغيرها.
وكانت الأردن قد قامت، خلال العامين الفائت والحالي، بعدة عمليات ضد عبور المخدرات من سوريا إلى أراضيها، وشنت ضربات على الجنوب السوري، تسبب إحداها بمقتل 8 مدنيين بينهم نساء وأطفال في بلدة عرمان التابعة للسويداء.
ويؤمن الناشط في حراك السويداء، أنور نصر، أن العناوين المرفوعة مثل المطالبة بمكافحة الفساد ومحاسبة من يسرقون مقدرات البلاد، وإيقاف تجارة المخدرات، إلى جانب المطالبة باستعادة كرامة المواطن السوري، “هي مطالب محقة بكل المقاييس وتمثل جميع السوريين الأحرار”.
ويشير نصر إلى دور الزعامات الدينية المحلية للموحدين الدروز في السويداء التي باركت المطالب التي رفعها أهل السويداء، وأبرزهم سماحة الشيخ أبو سلمان حكمت الهجري والشيخ أبو وائل حمود الحناوي.
وتبدو رسالة ” نحن باقون وصامدون في ساحة الكرامة حتى تحقيق مطالبنا” مشتركة بين المشاركين الذين يستعدون للاحتفال يوم غد بالذكرى الأولى لبدء حراكهم السلمي.
عقبات وتحديات
ويقول يامن معروف، وهو أحد أعضاء اللجنة السياسية لحراك السويداء، إن حناجر السويداء صدحت بالحقوق المشروعة للسوريين “بشكل سلمي وحضاري”، لكن لم يكن من السهل حماية الحراك واستمراره.
وواجه الناشطون طوال عام تحديات كثيرة أولها تحريض الأجهزة الأمنية والسلطات الحكومية لبعض شرائح المجتمع المحلي للوقوف بوجه الحراك ومنع امتداده إلى ساحة المحافظة، بحسب ما يعرض معروف.
وفي أيار/مايو الماضي، عين الرئيس السوري اللواء المتقاعد أكرم علي محمد محافظًا للسويداء، بينما حذر ناشطون من معروف بقمعه الوحشي لاحتجاجات سابقة في حلب.
وزادت الأفرع الأمنية الحكومية خلال الأشهر السابقة من الحواجز الأمنية ضمن السويداء بهدف زيادة التحكم في الحركة ضمن المدينة.
ناشط سياسي: حواجز القوات الحكومية هدفها السيطرة على حراك السويداء
كما أن تنظيمات حزب البعث والأحزاب المتحالفة معه هددت الموظفين بالفصل إذا لم يمنعوا أقاربهم من المشاركة في المظاهرات، ونفذت تهديداتها في بعض الأحيان.
وصدرت عدة قرارات بفصل موظفين في المؤسسات العامة بعد مشاركتهم في مظاهرات السويداء، من بينهم مدرس اللغة العربية صدام النجم الذي تم فصله بقرار من محافظ السويداء في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وأعاقت الصعوبات المادية لمرات عديدة تواجد الكثيرين في المظاهرات الأسبوعية، بالإضافة لعراقيل أخرى “لم تستطع منع الحراك من تتويج عامه الأول بتشكيل هيئة عامة للحراك ولجنة سياسية منتخبة”.
ويرى عضو اللجنة السياسية للحراك أن تشكيل هيئة تؤمن بالانتخابات، “هي تجربة شكلت ملامح العمل في المرحلة المقبلة لتكريس العمل السياسي المؤسساتي للحراك”.