بيروت
عندما سمع إبراهيم إبراهيم صفارات الإنذار منبّهة لإطلاق صواريخ على بلدته مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، فكّر فوراً بابنه غيفارا، الذي كان مع أصدقائه في ملعب كرة القدم، حيث سقط صاروخ.
وقال إبراهيم لـ “وكالة الصحافة الفرنسية” (فرانس برس)، بعد أيام قليلة من مأساة 27 تموز/يوليو المنصرم: “سمعت صفارات الإنذار، وشعرت بأن شيئاً قد حدث لغيفارا”، وهرع سريعاً إلى الملعب. وأضاف بصوت مرتجف والدموع في عينيه: “عندما رأيت الضحايا الكثيرين، خشيت أن يكون بينهم”. وكان خوفه في مكانه.
أصيب فتية كانوا يلهون في الملعب بالضربة الصاروخية في أثناء فرارهم للاحتماء في ملجأ قريب. في البداية، أعلنت السلطات الإسرائيلية وفاة 11 فتى وفتاة، تراوح أعمارهم بين 10 و16 عاماً. ولم يعلن أن غيفارا بين الضحايا، ولم يتمكّن الوالد من معرفة أي خبر عنه.
وتقع بلدة مجدل شمس في هضبة الجولان، عند سفح جبل الشيخ، على بعد 7 كيلومترات فقط من الحدود مع لبنان. ومنذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر في قطاع غزة، بين حركة “حماس” وإسرائيل، يتبادل “حزب الله” اللبناني وإسرائيل إطلاق النار بشكل يومي عبر الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، بعدما فتح “حزب الله” الجبهة بزعم دعم وإسناد “حماس” في غزة.
من مستشفى إلى آخر
وقالت إسرائيل إن “حزب الله” مسؤول عن هذا الصاروخ، وقالت واشنطن إنه قد يكون سقط في مجدل شمس من طريق الخطأ، إلا أن الحزب اللبناني يصف هذه التهمة بأنها “كذب”، وإن الحادث ناتج عن انفجار صاروخ اعتراضي إسرائيلي انطلق في مواجهة صواريخ أطلقها مسلحوه.
بحسب “فرانس برس”، بحث إبراهيم وزوجته داليا بيأس عن ابنهما، وتوجها إلى عيادة مجدل شمس بعدما أُبلِغا أنه هناك، لكن من دون جدوى. ثم قصدا مستشفى صفد في منطقة الجليل المجاورة، ولم يجداه. قيل لهما إن غيفارا في غرفة العمليات في مستشفى بمدينة حيفا الساحلية، على بعد أكثر من ساعة. لكن، عندما وصلا إلى ذلك المستشفى، أخبرهما رجل هناك أن الفتى الموجود في وحدة العناية المركزة هو ابنه، وليس ابنهما.
وقال إبراهيم: “اتضح لنا أن غيفارا غير موجود. كانت كلها أكاذيب، لكننا ظللنا نأمل”، مؤكداً أن 27 ساعة مرّت قبل أن يعرف وزوجته أن ابنهما البالغ 11 عاما قضى، ليكون الفتى الثاني عشر الذي قتل جراء الضربة الصاروخية. وأضاف الأب: “كان الأمر صعباً، خصوصاً لعدم معرفة ذلك لأكثر من يوم كامل”.
كان قريباً جداً
وروى إبراهيم أن كاميرات المراقبة أظهرت غيفارا يلعب مع صديقه، ويمسك كرة، ثم يتجه نحو فتية آخرين عندما دوّت صفارات الإنذار في الساعة 6,18 مساء. وأضاف: “وصل مع صديقه إلى البوّابة عندما سقط الصاروخ”. بعد رؤيته صور كاميرا المراقبة، أدرك إبراهيم أن ابنه كان قريباً جداً من مكان الانفجار، إلى درجة أنه لم يبق منه ما يتيح التعرّف عليه.
في اليوم التالي للمأساة، حاول المئات من سكان البلدة الدروز البحث عن غيفارا. لكن، في الساعة التاسعة مساء، اتصلت الشرطة وأكدت مقتله، استناداً إلى فحوص الحمض النووي. وقال الوالد: “هكذا انتهى الأمر”.
سُمّي الفتى غيفارا تيمّنا بالثوري الماركسي الشهير تشي غيفارا، الذي أُعدم في عام 1967. وفي غرفة نوم غيفارا وشقيقه الأصغر رام، هناك صورة معلّقة لـ “تشي”.
كان غيفارا يهوى لعب كرة القدم، ويشجّع منتخب البرازيل، ويرغب في أن يصبح لاعب كرة قدم محترفًا. على سريره، يمكن رؤية قميص منتخب البرازيل ووسادة عليها علم البرازيل، كما جاء في تقرير “فرانس برس”.
رد قاسٍ
وأثارت الضربة الصاروخية صدمة كبيرة في مجدل شمس. وتوجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى البلدة غداة وقوع المأساة وتوعّد بأن “ردّنا سيأتي وسيكون قاسياً”. ثم قتل الجيش الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت القيادي في “حزب الله” فؤاد شكر، مسؤول العمليات العسكرية في جنوب لبنان في الحزب، مشيراً إلى أنه مسؤول عن قتل الأطفال في مجدل شمس.
وما زال الدروز في الجولان المحتل يتمسكون بالجنسية السورية، وحصلت قلة منهم على الجنسية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من مقتل ابنه، لا يسعى إبراهيم إلى الانتقام. وقال لـ “فرانس برس”: “لا أحد يحبّ الحرب. أطفالنا وأطفال الجميع يعانون. هذه الحادثة لم تغيّر رأيي، ما زلت أؤيد السلام”.