“مهد الثورة السورية”، هذا هو لقب درعا بجنوب سوريا في أدبيات المعارضة السورية بعد عام 2011. وهي “منطلق الحرب الكونية على سوريا”، وهذا هو لقب درعا نفسها في أدبيات الحكومة السورية والفصائل المسلحة التي تدور في فلكها والفصائل المدعومة من إيران، في مقدمها “حزب الله” اللبناني.
شهدت هذه المحافظة معارك طاحنة بين فصائل المعارضة على اختلاف مشاربها من جهة، والقوات الحكومية السورية والفصائل المؤيدة لها من جهة ثانية، ثم شهدت تسويات سياسية وأمنية برعاية روسية في عام 2018. ظن الجميع أن الحالة الطبيعية ستعود إلى المحافظة، إلا أن التفلت الأمني وعمليات القتل والاغتيال والخطف مقابل الفدية لم تتوقف يوماً هنا.
ماذا يحصل؟
ترزح درعا في الآونة الأخيرة لموجة محمومة من الاشتباكات بين مجموعات محلية مسلحة. يقول أحد عناصر “مجموعة الحلقي” المسلحة في مدينة جاسم لـ”963+” إن الاشتباكات الأخيرة اندلعت بين مجموعة القيادي السابق في المعارضة السورية عبد الله إسماعيل الحلقي، ومجموعة وائل الجلم المعروف بـ “الغبيني”.
يتابع العنصر الذي يرفض البوح باسمه: “سبب هذه الاشتباكات سلب ’مجموعة الغبيني‘ سيارة بائع محروقات من مدينة نوى بريف درعا الغربي، في أثناء وجوده في جاسم. استجار صاحب السيارة بـ ’مجموعة الحلقي‘، فطلبت من ’مجموعة الغبيني‘ إعادة السيارة لصاحبها. لكنها رفضت، ما أدى إلى حصول اشتباك بين الطرفين قتل في إثره أحد عناصر ’مجموعة الغبيني‘ بالخطأ برصاص زملائه؟”.
ويقول قيادي في اللواء الثامن لـ”963+” إن الحكومة السورية “غير مرغوب بها” في درعا، ولا أحد يرضى بتدخلها لفض الاشتباكات بين المجموعات المحلية في أي بلدة كانت، “فالجميع يعرف أن القوات الحكومية تحاول التسلل إلى المدن والبلدات تحت مسمى فض الاشتباك”، مؤكداً أن الحكومة السورية تعمل على إشعال التوتر من خلال مجموعات تابعة لها، التي تفتعل الاشتباكات، ليكون ذلك مبرراً لدخولهم وجمع السلاح.
واللواء الثامن يعمل تحت مظلة الفيلق الخامس التابع للقيادة الروسية، تشكل بعد اتفاق التسوية في الجنوب السوري في 6 تموز/يوليو 2018، “وصار قبلة المسلحين المعارضين للحكومة السورية في ريف درعا الشرقي، إذ شكل لهم ضمانًا كي لا تلاحقهم أجهزة الأمن الحكومية من جهة، وبديلًا عن الانضمام إلى القوات الحكومية من جهة أخرى”، بحسب القيادي نفسه.
تدخل الوجهاء.. ولكن!
تدخل الوجهاء وعقدوا الصلح بين الطرفين، ودُفعت دية القتيل، وتعهد كل طرف بعدم التعرض لعناصر الطرف الآخر، “إلا أن ’مجموعة الغبيني‘ اغتالت عبد الله إسماعيل الحلقي، قائد ’مجموعة الحلقي‘، في الساحة العامة وسط مدينة درعا في وضح النهار، فتجددت الاشتباكات”، بحسب عنصر “مجموعة الحلقي”.
ويضيف: “لا يخفى على أحد أن ’مجموعة الغبيني‘ تتبع للعميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري التابع للحكومة السورية في درعا، وهو من يسعى إلى تأجيج الصراع في المنطقة، بل في المحافظة كلها”،
ويلفت العنصر نفسه إلى أن ’مجموعة الغبيني‘ هي من احتضن عناصر “داعش” قبل أن يقتلوا جميعاً، “وبينهم أمير التنظيم المدعو أبو عبد الرحمن العراقي”، متابعاً: “استضافت هذه المجموعة عناصر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، فأصبحت جاسم مقراً رئيسياً لهذه الهيئة في ريف درعا الشمالي، وهذا الأمر الذي يرفضه كل أبناء المدينة، لذا اسفرت الاشتباكات عن طرد عناصر هيئة تحرير الشام، وهرب الغبيني إلى جهة مجهولة”.
مدينة مشلولة
يقول خالد العلي، أحد وجهاء مدينة جاسم، لـ”963+” إن الاشتباكات الأخيرة شلت جميع مناحي الحياة في المدينة، وعطّلت الحركة التجارية بشكل شبه كامل، مضيفاً: “تأثر السكان بشكل كبير بالرصاص الطائش الذي حاصرهم من كل جانب، وأغلقت المحلات التجارية أبوابها، فتوقفت عجلة الحياة، إضافة إلى تضرر خزانات المياه والسخانات الشمسية وألواح الطاقة الشمسية، وشبكة توزيع الكهرباء إلى المنازل”.
ويؤكد العلي أن وجهاء المدينة بذلوا جهوداً كبيرة لوقف الاشتباكات في المدينة، ودعوا وجهاء محافظة درعا للتدخل بين الطرفين، “لكن هذه الجهود باءت بالفشل، فهناك تحديات كبيرة تواجه هؤلاء الوجهاء والأعيان في سعيهم إلى وقف الاشتباكات، فهم لا حول لهم ولا قوة، ولا يستطيعون فرض وقف إطلاق النار بالقوة على طرفي النزاع، إضافة إلى أن مجموعة الغبيني لا يعيرونهم اهتماماً ولا احتراماً خلال محاولتهم فك النزاع”.
ويختم العلي بالقول إن أهالي جاسم وعشائرها اتفقوا على تشكيل حلف عشائري، له قوة عسكرية تحت مسمى “حلف الفضول”، مهمته ضبط الأمن في المدينة ومنع تكرار الاشتباكات التي تكررت أخيراً.
من يحكم؟
يأخذ تفلت السلاح في محافظة درعا شكلاً جديداً، إذ تحولت إلى ساحة مفتوحة للمواجهات بين مجموعات مسلحة، في ظل تغيّرٍ في خريطة نفوذ المسلحين وانتشارهم.
هذه الخريطة معقدة قليلاً كما يقول القيادي في اللواء الثامن، “فاللواء الثامن واللجنة المركزية يتحكمان بدرعا البلد والأحياء المحيطة بها، فيما تدير اللجنة المركزية ريف درعا الغربي، بنسبة 70 في المئة”، علماً أن هذه اللجنة المركزية مؤلفة من ثلاثة مكونات: لجنة درعا البلد ولجنة الريف الغربي واللواء الثامن.
ويضيف هذا القيادي رافضاً الكشف عن إسمه: “تسيطر الأفرع الأمنية التابعة للحكومة السورية، أبرزها الاستخبارات الجوية والاستخبارات العسكرية، على بلدات أم ولد والغارية الشرقية والغربية والشيخ مسكين، فيما تنتشر القوات الحكومية في درعا المحطة وأزرع والصنمين”، وهذه الأخيرة بقيت تحت السيطرة الحكومية منذ عام 2011.
ولا يستبعد القيادي وجود خلايا لتنظيم “داعش”، المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول العربية والآسيوية، في محافظة درعا، “وتحديداً في ريف درعا الغربي، لكنها خلايا كامنة، لا سيطرة فعلية لها على الأرض”.
كان الريف الشرقي لدرعا تحت سيطرة الاستخبارات الجوية التابعة للحكومة السورية، “أما اليوم فقد طرد الكثير من عناصرها، وأزيلت حواجزها التي كانت منصوبة على اوتوستراد درعا – بصرى الشام”، كما يلاحظ القيادي، لافتاً إلى أن الروس توقفوا عن التدخل في أحداث محافظة درعا، “ويقتصر عملهم على دوريات شكلية فحسب”.
جوية وفصائل
ويلفت القيادي في اللواء الثامن إلى وجود فصائل معارضة للحكومة السورية موجودة في محافظة درعا حتى الساعة، “أغلبها ينشط سراً إلا في حال تقدم القوات الحكومية من أي نقطة تماس، فتتدخل هذه الفصائل بقوة، تحت غطاء اللواء الثامن واللجان المركزية”.
في المقابل، يعترف بأن الفصائل المدعومة من إيران تحاول التوغل في درعا، وتحديداً على الحدود مع الأردن، “لتأمين طريق تهريب السلاح والمخدرات من الحدود اللبنانية وحتى الحدود الأردنية وصولاً إلى دول الخليج لخدمة مشروع التمدد الإيراني،كما تسيطر المجموعات الإيرانية على التلال الاستراتيجية مثل تلول فاطمة وتل المحص وتل الجموع”، كما يقول القيادي في اللواء الثامن نفسه.
كما يتهم هذا القيادي الفصائل المدعومة من إيران بأنها “أغرقت المحافظة بالمخدرات، عدا عن تحويل درعا إلى منطلق للصواريخ الإيرانية باتجاه إسرائيل، ما يؤدي إلى رد هذه الأخيرة بقصف الأراضي السورية”.