خاص – حسن العلي/دير الزور
“إننا نعيش ليالٍ عصيبة. نتذكر أياماً سوداء، حين كانوا يسيطرون على أنحاء واسعة في سوريا، واليوم عادت خلاياهم النائمة إلى الاستيقاظ”. تعبير صريح من علي ناصر، الساكن في بلدة السخنة شرقي حمص، خائفاً من لفظ اسم “داعش” المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية وآسيوية أخرى… يقول لـ”963+”: “نعم أخاف، فإن ذكرتهم يأتونك مسرعين، ملثمين، قتلة مجرمين”.
يضيف ناصر: “إننا نراهم في هذه الأيام بأم العين، يتنقلون على متن دراجات نارية بين منازل البلدة، يحملون رشاشات روسية وقاذفات آر بي جي”، مؤكداً أن أغلبيتهم من خارج البلدة، يدخلونها تحت جنح الظلام لاستهداف مقرات عسكرية حكومية، “أو لغايات أخرى لا يعرفها أحد”، كما يقول.
ذكريات مخيفة
إنها ذكريات مخيفة، فلا عجب أن يشعر ناصر أو غيره بالهلع. فمن رأى ما فعله “داعش” بالناس في سوريا يشعر بالهول إن فكر لحظة أنها أيام ستعود ثانية.
لا يسعى ناصر، ولا غيره من أبناء المناطق المتاخمة للبادية السورية، الإبلاغ عما يشاهدونه ليلاً، “فلا ننجو عندها من غضب التنظيم… كذلك نخاف جميعاً من أن يستخدم الدواعش منازلنا منطلقاً لعملياتهم العسكرية، فحينها لا ننجو من غضب أجهزة الأمن الحكومية”… يتبرّم قليلاً، وينظر حوله قائلاً: “يعني، لا مع ستي بخير… ولا مع سيدي بخير… وفي كل الأحوال، نحن من نتلقى الضربات”.
وعلى الرغم من الحملات الأمنية المتواصلة التي تنفذها القوات الحكومية السورية، ومعها الفصائل المسلحة الموالية لإيران، لتمشيط البادية السورية وتطهيرها من جيوب “داعش”، فإن هذه الخلايا تبقى نشطة جداً، تخيف المدنيين القريبين من البادية السورية، خصوصاً في ريف حمص الشرقي وريف دير الزور الجنوبي.
الحرب مستمرة
في 10 حزيران/يونيو الجاري، شن عناصر “داعش” هجوماً كبيراً استهدف بالأسلحة الرشاشة 6 صهاريج محملة بالنفط في ريف دير الزور الغربي. وقالت التقارير إن الصهاريج تابعة لشركة “القاطرجي”، التي تعمل تحت إمرتها مجموعات “القاطرجي”. وهذا هو الهجوم الثاني على صهاريج “القاطرجي” في المنطقة نفسها، خلال 10 أيام.
وكانت خلايا “داعش” قد نفذت خلال العامين الماضيين هجمات على مواقع القوات الحكومية والفصائل الإيرانية في البادية السورية، ومواقع القوات الحكومية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا. كما نفذت عمليات في مناطق سيطرة فصائل “الجيش الوطني”.
أتت هذه الهجمات، وغيرها الكثير، بعد حملة عسكرية بدأت في 25 أيار/مايو المنصرم، شنتها القوات الحكومية السورية، ووصفتها المصادر السورية بـ”الضخمة”، على خلايا “داعش” في البادية السورية، بغطاء جوي روسي، بعدما صارت هجمات هذه الخلايا تمثل تهديداً أمنياً كبيراً، تؤثر في خطوط الإمداد وطرق نقل النفط بين مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية ومناطق شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة “قسد”.
ونقلت صحيفة “الوطن” المقربة من للحكومة السورية عن مصادر ميدانية قولها إن وحدات الجيش السوري المشاركة في الحملة مشطت بادية السخنة وتدمر والرصافة، بحثاً عن خلايا “داعش”، وقضت على العشرات منها، ودمرت مخابئ كان عناصر “التنظيم” يتوارون فيها، ودراجات نارية كانوا يستخدمونها في الاعتداء على نقاط عسكرية بالبادية، بإسنادٍ مشترك من سلاحي الجو السوري والروسي اللذين شنا غارات مكثفة على مواقع في بادية حمص الشرقية، ودير الزور الغربية، والرقة الجنوبية الغربية.
جيوب وكهوف
من جانب آخر، لم يعرف حقيقة ما آلت إليه الحملة، إذ أكدت مواقع سورية معارضة أن الوحدات المشاركة في الحملة تعرضت لكمين أدى إلى مقتل وإصابة نحو 100 جندي سوري، بينهم ضباط، عرف منهم اللواء عبدالرحمن حورية في بادية حمص، وقد رقّي إلى رتبة لواء في آذار / مارس الماضي، وهو من مرتبات الفرقة الثالثة، وينحدر من بلدة فليطة بريف دمشق. كذلك، أكدت التقارير مقتل العميد ماجد يوسف موسى، الملقب بـ “سهم 4″، وفقدان الاتصال بمجموعات من “لواء القدس”، الداعم للقوات الحكومية، ما اضطر هذه القوات إلى سحب وحدات من محاور التماس شمال غربي سوريا ونقلها إلى البادية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
“المجزرة ممكنة”، كما يقول ناصر. فعناصر “داعش” يختفون في جيوب وكهوف منتشرة في البادية السورية، يتنقلون على الدراجات النارية وسيارات رباعية الدفع وآليات عسكرية غنموها من القوات الحكومية.
يقول علي الحسن وهو ضابط في القوات الحكومية برتبة “عقيد”ل”963+”، إن القوات الحكومية والفصائل الموالية لإيران نفذت أكثر من 13 حملة أمنية مشتركة في البادية السورية، أغلبيتها في بادية حمص، “وقد عثرنا على أنفاق وكهوف كان يختبئ عناصر من داعش في داخلها، وتمكنا من تحييد العشرات من العناصر الإرهابية منذ بداية العام الحالي، إضافة إلى إلقاء القبض على عدد من المتعاونين معهم، ومصادرة أسلحة ومعدات وذخائر”. لكنه يعترف بأن هذه المحاولات “لم تكف للقضاء على التنظيم بشكل كلي في البادية السورية
تضاريس وجواسيس
يرد العقيد الحسن فشل الحملات الأمنية إلى اتساع البادية السورية وتنوع تضاريسها، “والقوات الحكومية لا تستطيع تغطية البادية بشكل كامل، فيتم تمشيط البادية منطقة تلو أخرى، فيلتف الإرهابيون على المناطق الممشطة، مستفيدين من عجزنا عن تثبيت نقاط ثابتة في المناطق الممشطة، خوفاً من تعرضها للهجمات الوحشية ليلاً”.
ثمة سبب آخر. يقول الحسن: “يتم تسريب المعلومات والخطط الأمنية إلى التنظيم”. وهذا ما يؤكده ناصر، قائلاً: “يسعى التنظيم إلى تجنيد رعاة الأغنام المنتشرين في البادية وبعض المصادر في البلدات المتاخمة لتزويدهم بتحركات القوات الحكومية والدوريات ومدهم بالمعلومات الاستخبارية”. وكذلك، يقول قاسم الهادي، أحد سكان بلدة كباجب بريف دير الزور الجنوبي، لـ”963+” إن عناصر “التنظيم” يجبرون الناس على الإدلاء بمعلومات عن تحركات القوات الحكومية والجنود الروس، “فالبلدة تخضع شكلياً لسيطرة القوات الحكومية، بينما تخضع فعلياً لتنظيم ’داعش‘”.
لكن، من أين لعناصر “التنظيم” المال والدعم ليستمروا في البادية؟ يقول الهادي إنهم يعتمدون في تمويل أنفسهم على أموال تأتيهم من قيادات ما زالت موجودة في الأراضي العراقية، كما يفرضون على السكان دفع الأموال لدعم التنظيم.