خاص – حلب
“الصَّيف كَيف؟ كلا. أبداً. إنه محرقة الشعب السوري في غياب الكهرباء… أدنى مقومات الحياة”. لا يجد محمد الشبلي وسيلة لتخفيف نقمته على واقعه وواقع حي نهر عيشة بجنوب العاصمة دمشق حيث يعيش، كما لا يجد وسيلة للتخفيف من قيظ هذا الصيف إلا “ترطيب الشراشف بالماء كل ساعتين”، خوفاً على أطفاله الثلاثة من الحر، “خصوصاً أن التيار الكهربائي يغيب 10 ساعات يومياً”.
واقع يرهق السوري الذي أتعبته الحرب وتبعاتها. فغياب الكهرباء وقلة المياه زادا من معاناته اليومية “شتاءً من غياب وسائل التدفئة، وصيفاً من غياب وسائل التبريد والتكييف”، كما يضيف الشبلي، لافتاً إلى أن صرف المياه كل ساعتين على تبريد الجدران والأرض انعكس سلبًا على منسوب المياه.
تموز.. وماء الكوز
الحال ليست أفضل في محافظة حلب شمال سوريا: حرارة مرتفعة ولا كهرباء، فبادر الناس إلى رفع اشتراكات الكهرباء التجارية، ولو أرهقهم هذا الأمر اقتصادياً. يقول عبد الرحمن زكور، الموظف في مؤسسة السكك الحديد بحلب، لـ”963+”: “وصل سعر الأمبير الواحد 75 ألف ليرة سورية كل أسبوع (ما يعادل 5 دولارات) في حين يصل متوسط راتب الموظف الحكومي 400 ألف ليرة سورية (ما يعادل 26 دولاراً)، وهذا يشكل عبئاً إضافياً على المواطن.
يضيف زكور: “لا مبالغة إن قلنا إننا في تموز شهدنا بأم العين كيف يغلي الماء في الكوز”، مضيفاً أن ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه زادا من مشاكل حلب، “فقد وصلنا إلى مرحلة نعمل فيها كل الأسبوع لندفع ثمن ’الأمبير‘ فقط لا غير، ولا حلّ أمامنا إلا أن ننام نحن الرجال في العراء، وأن ترش النساء ملابسهن بالماء بين الحين والآخر”.
نهاراً، يلجأ الناس إلى الحديقة العامة في حلب، وهي مشهورة بأشجارها المورقة التي تحجب أشعة الشمس.
في محافظة طرطوس، عروس الساحل المعروفة برطوبتها العالية، صيفاً وشتاءً، يحاول المواطنون التأقلم مع الحال المزرية، فيهربون من منازلهم نهاراً ليتنزهوا قرب البحر والأنهار والينابيع، “فيغرق الأطفال، ونمرض بضربات الشمس الحارقة” كما تقول بشرى ميهوب لـ”963+”، مضيفةً أن الكهرباء شبه موجودة، حيث يصل التقنيين إلى قطع يدوم أكثر من 5 ساعات، في مقابل تغذية بالتيار لنصف ساعة فقط.
مشكلة إنتاج وتوزيع
كذلك، تشهد مناطق سيطرة الحكومة السورية منذ سنوات ساعات تقنين طويلة وشحًّا في الوقود والغاز اللّازمين لتشغيل محطات التوليد.
وفي عام 2021، قالت السلطات السورية إنّ خسائر قطاعَي الطاقة والمحروقات تجاوزت 100 مليار دولار، جرّاء المعارك وفقدان الحكومة السورية السيطرة على حقول كبرى، فضلًا عن العقوبات الاقتصادية المشدّدة عليها، بحسب “وكالة الصحافة الفرنسية” (فرانس برس).
تنتج سوريا اليوم 2000 ميغاواط من الكهرباء، في حين تحتاج إلى 5000 ميغاواط على الأقل، بحسب وزارة الكهرباء في الحكومة السورية. وفي سوريا محطات قادرة على إنتاج 5500 ميغاواط، “لكن المشكلة تكمن في عدم توافر الغاز والفيول الكافيين، فكل ما لدينا حالياً هو 6 ملايين متر مكعب من الغاز، و5 آلاف طن من الفيول يومياً، فيما وصل الدعم المالي لأسعار الكهرباء في سوريا إلى 18277 مليار ليرة سورية قبل اعتماد الأسعار الجديدة، “وهي أسعار موجعة جداً على كل الناس في سوريا”.
هذه الأزمة الطاقوية ليست جديدة في سوريا، إنما هي دائمة منذ سنوات طويلة. ففي ظل حرب منذ ما يزيد على 12 عامًا، أصيبت البنى التحتية الخاصة بالطاقة بتدمير كامل في بعض المناطق، فيما طالها التخريب بهدف السرقة في مناطق أخرى، علماً أن سوريا مقسّمة إداريًا إلى 3 مناطق، تخضع لسلطات مختلفة، وتعاني درجات متفاوتة من انقطاع الكهرباء.
وكانت معظم محطات توليد الكهرباء في سوريا قد تعرضت لأضرار في بُنيتها التحتية، وكذلك شبكات نقل الكهرباء التي واجهت سرقة أبراج الجهد العالي والمتوسط، لبيعها بصفتها مصدرًا للنحاس في السوق السوداء، بحسب “منصة الطاقة المتخصصة”.
أوقات قطع التيار من المحطات الحكومية غير منتظمة، وربما تصل إلى 20 ساعة يوميًا، وبينما لا تخضع بعض المنشآت والخدمات لتخفيف الأحمال مثل المستشفيات ومحطات المياه، لم يشهد وضع التغذية للمنازل والمنشآت تحسنًا خلال العامين الماضيين.
أمبيرات شمال شرقي سوريا
زاد ارتفاع درجات الحرارة المترافق مع انقطاع طويل للتيار الكهربائي الطلب على المراوح التي تعمل بالبطاريات، إذ يمكن استخدامها خلال ساعات قطع التيار بعد شحنها في ساعات التغذية.
في مناطق شمال وشرق سوريا، البدائل الكهربائية كثيرة، لذا يمكن أن نقول إن في هذا الحر الخانق، سكانها يعانون “أقل” من سكان المناطق الأخرى، بفضل “الأمبيرات”.
فثمة خيارات كثيرة، يمكن المواطن أن يختار منها ما يناسب قدراته المالية: بدولار واحد لا أكثر مقابل الأمبير الواحد، يمكن التنعم بنعمة التيار الكهربائي 8 ساعات يومياً. وتقول مصادر خاصة لـ”963+” إن السعر منخفض لأن “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا تزود المولدات بالمازوت بالسعر المخفض، “باعتبار هذه الباقة خدمية ولضبط السعر بما يناسب إمكانيات المواطن”.
وهناك خيار الحصول على تغذية بالكهرباء 16 ساعة في اليوم مقابل 5 دولارات للأمبير الواحد، و24 ساعة في اليوم مقابل 7 دولارات للأمبير الواحد… شهرياً طبعاً.
يضيف المصدر: “بعض السكان فضلوا إلى تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، كي ينعموا بالتيار على مدار الساعة، من دون أن يدفعوا 7 دولارات للأمبير”. وهكذا، يبقى البيت مبرداً أطول مدة ممكنة.
شمس دمشق
في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، تفاعل الناس سلباً مع فرض ضربية “الضميمة” على ألواح الطاقة الشمسية المستوردة، بقيمة 25 دولاراً على كل لوح، خصوصاً بعد الإقبال الكبير على هذا الخيار للإنارة أولا، وللابتراد من قيظ الصيف ثانياً.
بررت الحكومة فرض هذه الضريبة بالاسطوانة نفسها: “حماية الصناعة الوطنية، وتوطين بدائل للمستوردات، وتخفيف الضغط عن القطع الأجنبي، وتشجيع رأس المال للاستثمار في مجال إنتاج الألواح الشمسية”، لعل هذا يساعد في إحداث فرص عمل جديدة.
أضافت وزارة الكهرباء أن اعتماد مبدأ “الضميمة” أتى من أنها ضريبة مرنة قابلة للتعديل، في ضوء تطور هذه الصناعة وجودتها وتغيّر أسعارها.
يقدّر أسيد الخطيب، وهو متعهّد لتركيب أجهزة للطاقة الشمسية في منطقة المزة بدمشق، تكاليف تركيب نظام ألواح الطاقة الشمسية في سوريا بنحو 30 مليون ليرة (2000 دولار تقريباً) في المتوسط، “فسعر اللوح الواحد مع بدل التركيب يتراوح بين مليونين و3 ملايين ليرة (بين 150 دولاراً و200 دولار)، من دون حساب القواعد الحديدية، والقواعد البلاستيكية، وخطوط الإمداد، ولوحات التحكم”، كما يقول لـ”963+”.
يكذبون.. ولكن!
وتعلّق السيدة ليلى حمزة على ذلك قائلةً لـ”963+”: “لا يمكن الركون أبداً لتقديراتهم، فالمشروع يبدأ برقم مغر، ثم يبدأ المتعهد في إضافة تكاليف لم تكن مطروحة”، معترفة بأن تشغيل الأجهزة الكهربائية في المنزل يستلزم تركيب نظام متكامل… “لكن المتعهد لا يعطيك تفصيلاً بكل التكاليف”.
فبعد تسعيرة أولية مغرية بنحو 27 مليون ليرة (1600 دولار تقريباً)، كلفها تركيب نظام من 6 ألواح شمسية 20 مليون ليرة (1350 دولاراً تقريباً)، وشراء بطاريتين حجم كل منهما 200 أمبير بنحو 8 ملايين ليرة (540 دولاراً)، وإنفيرتير بمليوني ليرة (135 دولاراً)، إضافة إلى مليونين آخرين للقواعد الحديدية… “فانتهت حفلة الاستدامة والطاقة البديلة بـ32.4 مليون ليرة (2160 دولاراً)، ليزيد أخيراً 2.250.000 ليرة (150 دولاراً) إيجار تركيب النظام كاملاً”، كما تقول، “فكان المجموع 2310 دولارات”.
يبرّر الخطيب ما حصل مع حمزة بأنه يستخدم “كل ما هو مستورد، أو مهرّب من لبنان، فأنا لا أستخدم ’الوطني‘، وسوف تشكرني ’الست ليلى‘ لاحقاً”.
اليوم، تجلس حمزة اليوم أمام نافذتها المطلة على أوتوستراد المزة وهي تنعم ببرود المكيف… ما دامت الشمس مشرقة طبعاً. وتختم: “فعلياً، كنت أعيش في جهنم”.