بيروت
في 2 أيار/مايو 2024، سافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى بيروت برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس، وأبرما صفقة بقيمة 1.07 مليار دولار مع حكومة تصريف الأعمال اللبنانية لدعم “الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي” للبلاد، ومنع الهجرة غير الشرعية للاجئين السوريين إلى قبرص.
أتى ذلك بعدما أدى ارتفاع أعداد قوارب المهاجرين السوريين المتجهة نحو قبرص إلى تعليق البت في طلبات اللجوء للمواطنين السوريين مؤقتًا في منتصف نيسان/أبريل الماضي، وفقاً لتحقيق ألّفه داريو صباغي ونشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية. وتُظهر بيانات الأمم المتحدة أن 3,481 سوريًا وصلوا إلى قبرص بين كانون الثاني/يناير ومايو 2024، معظمهم آتون من تركيا ولبنان وسوريا.
ليست طوعية
وبحسب تحقيق “فورين بوليسي”، تأتي أزمة اللاجئين هذه في الوقت الذي يواجه فيه السوريون في لبنان ارتفاعاً في منسوب العداء. ويُقدر أن بين 1.5 إلى 2 مليون لاجئ سوري يعيشون في لبنان، منهم 800 ألف مسجلون رسميًا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وبينما يعمل بعضهم في الزراعة والبناء، فإن 9 من كل 10 لاجئين بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
يقول صباغي: “في ظل تفاقم الأزمة في لبنان، أصبح اللاجئون السوريون كبش فداء، فيواجهون العنف والكراهية والاعتقال وإخلاء منازلهم والتعذيب والترحيل”. فقد سعى لبنان إلى إعادة طوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، متحججاً بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وبأن ثمة مناطق آمنة يمكنهم العودة إليها. وترغب بعض الدول الأوروبية في اعتبار أجزاء من سوريا “آمنة”، لكن مجموعات حقوق الإنسان تقول إن هذا ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية.
تقول مجموعات حقوقية إن هذه العمليات ليست طوعية فعلاً، وتشمل عمليات الترحيل الإبعاد القسري، حيث يمكن السلطات اللبنانية ترحيل السوريين الذين دخلوا البلاد بعد نيسان/أبريل 2019. وفي عام 2023، تصاعدت عمليات الإبعاد مترافقة مع سوء المعاملة.
إلى المسلخ البشري!
في أوائل عام 2024، رحل لبنان أكثر من 1,300 سوري، إثر تأجج الشعور المعادي للسوريين بسبب تورط أحدهم في جريمة قتل. وحثت السفارة الأميركية على “عدم استخدام هذه الحادثة سلاحاً ضد مجتمع اللاجئين”.
يقول صباغي: “يستخدم السياسيون اللاجئين السوريين كبش فداء لتحقيق أجنداتهم الخاصة، ما يُغذي خطاب الكراهية”. وقد دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، والعديد من الوزراء، إلى الترحيل الجماعي للسوريين، والضغط على من يبقى منهم لمغادرة البلاد بحراً، على الرغم من المخاوف التي تبديها منظمات حقوق الإنسان.
ووفقاً لتحقيق “فورين بوليسي”، سعى رفعت فالح (33 عاماً)، وهو منشق عن القوات الحكومية السورية، للحصول على ملاذ له في لبنان في عام 2022، لكنه اعتُقل في يناير الماضي، واختفى. ويفيد أقاربه في سوريا بأنه محتجز الآن في سجن صيدنايا العسكري، المشهور باسم “المسلخ البشري”، حيث يعاني سوء الصحة بسبب سوء التغذية والتعذيب المنهجي.
ويؤكد “مركز سيدار للدراسات القانونية” في لبنان أن الجيش اللبناني يعيد الكثير من اللاجئين مباشرة إلى السلطات السورية، وهذا ينتهك القانون اللبناني الذي يتطلب إحالة إلى النيابة العامة. وخلال الفترة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2023 ومايو 2024، تعامل المركز مع 200 حالة لأفراد كانوا يواجهون خطر الترحيل إلى سوريا، تم ترحيل 28 منهم في النهاية، وتم اعتقال 10 منهم في سوريا.
ضربوا رأسه بأحذيتهم
إلى ذلك، يسلط تحقيق “فورين بوليسي” الضوء أيضًا على حالة عبد، وهو رجل سوري يبلغ من العمر 38 عامًا تم اعتقاله في لبنان في عام 2015 وتعرض للتعذيب من استخبارات الجيش اللبناني لانتزاع اعتراف منه. ووثقت منظمة العفو الدولية حالات مماثلة لاحتجاز اللاجئين السوريين في لبنان وتعرضهم للتعذيب.
يقول عبد عبر الهاتف إن السلطات اللبنانية اعتقلته في عام 2015، واتهمته بالقتل والانتماء إلى منظمة إرهابية، وهو ما نفاه. ثم قال إنهم عذّبوه للحصول على اعتراف منه. يروي: “ضربني عناصر جهاز المخابرات اللبناني بخرطوم المياه في كل أنحاء جسدي. صوبوا إلي سلاحاً في مكتب التحقيق وهددوني بالقتل، وضربوا رأسي بأحذيتم. وعندما رأوا دمي، توقفوا عن الضرب. ثم استأنفوا ضربي بالخرطوم مرات عدة، وهددوني بالصدمات الكهربائية وتسليمي إلى الحكومة السورية”.
خضع عبد لجراحتين، ولا يزال يعاني آلاماً شديدة. يضيف صباغي في تحقيقه: “وهو ليس وحيدًا؛ في عام 2021، وثقت منظمة العفو الدولية حالات مماثلة لـ 24 لاجئًا سوريًا تم احتجازهم في لبنان بتهم تتعلق بالإرهاب، قبل أن يتعرضوا للتعذيب. وما دامت الحكومة اللبنانية تواصل احتجاز السوريين وتهديدهم بالترحيل، فمرجح أن يستمر هذا الانتهاك”.
مصير أسود
وبالنسبة إلى أولئك الذين يُعادون إلى سوريا، ينتظرهم مصير أسوأ. يقول قريب لأحد المرحّلين لمجلة “فورين بوليسي”: “يمكنهم قتله بالتعذيب ودفنه في مقبرة جماعية، كما حدث مع آلاف المعتقلين؛ يمكنهم إعدامه بالرصاص، أو يموت نتيجة الأمراض وسوء التغذية”.
ويختم صباغي مؤكداً أن خطاب الحكومة اللبنانية المعادي للسوريين يصرف الانتباه عن مشاكل أكبر، مثل الفساد السياسي، ويدعو إلى حلول تعطي الأولوية لتوزيع المساعدات بشفافية والمساءلة بدلاً من اتخاذ اللاجئين كبش فداء.