باريس
بعد أسبوع ونيف من الحديث عن قدرة اليمين المتطرف على التفرّد بالسلطة في فرنسا، إثر النتائج الصادمة التي حققها في الانتخابات الأوروبية أولاً وفي الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية ثانياً، أتت رياح الجولة الثانية من انتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية في 7 تموز/يوليو بما لا تشتهي سفن هذا اليمين، إذ دفعته “الجبهة الشعبية الجديدة” إلى المرتبة الثالثة، بعدما فاز هذا التحالف اليساري بنحو 182 مقعداً في الجمعية الوطنية، من دون أن يحقق الأغلبية المطلقة ليحكم. وحصل المعسكر الرئاسي على 168 مقعداً، ونال اليمين المتطرف 143 مقعداً.
قادرون ومستعدون
إلا أن ذلك لم يمنع أقطاب اليسار الفرنسي من تأكيد قدرتهم على الحكم، حتى أن الأحزاب التي تؤلف هذا التحالف اليساري، وهي “حزب فرنسا الأبية” والحزب الشيوعي الفرنسي والحزب الاشتراكي الفرنسي وأنصار البيئة، بدأت مناقشات داخلية لتعيين رئيس للوزراء، وفقاً لـ “فرانس 24”.
ونسبت “وكالة الصحافة الفرنسية” (فرانس برس) إلى أوليفييه فور، رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي، قوله: “ينبغي أن نتمكن خلال الأسبوع الراهن من تقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء”، فيما تقول مارين توندولييه، زعيمة أنصار البيئة، إن على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يدعو اليسار لاقتراح اسم شخصية تتولى رئاسة الحكومة، لأنه يملك العدد الأكبر من المقاعد في الجمعية الوطنية، وذلك بعدما طلب ماكرون من رئيس الوزراء غابريال أتال الإثنين البقاء في منصبه لضمان استقرار البلاد، خصوصاً أن باريس تستضيف دورة الألعاب الأولمبية بعد أيام. وكان أتال قد وضع استقالته بتصرف الرئيس الفرنسي.
أي برنامج؟
لكن، إن تم التوافق على تسمية رئيس حكومة يساري… فما هو برنامجه المحتمل؟ تقول “فرانس برس” إن برنامج الحكومة المقبلة سيستند إلى مشروع الجبهة الشعبية الجديدة، الذي ينص على إلغاء إصلاح النظام التقاعدي وقانون الهجرة، وإصلاح مخصصات البطالة، وتعزيز القدرة الشرائية بتحديد الحد الأدنى للأجور الصافي بنحو 1600 يورو.
وهذا ما يطرحه الاشتراكيون، وهذا ما وعد به جان لوك ميلانشون، زعيم حزب “فرنسا الأبية”، مؤكداً إصدار زيادة الحد الأدنى للأجور بمرسوم من دون أي تسوية.
وبحسب “فرانس 24″، تسري شائعات حول احتمال تشكيل ائتلاف بين المعسكر الرئاسي والقسم الأكثر اعتدالاً من جبهة اليسار. وتعليقاً على هذه الأنباء، أبدى مسؤول في “فرنسا الأبية” استياءه، وقال: “يحاول أنصار ماكرون سلبنا فوزنا، وتشكيل ائتلاف، على رئيس الجمهورية أن يكلمنا في هذا الموضوع”، مؤكداً أن على المجموعة التي نالت أكبر عدد من النواب أن تقترح اسماً.
ويميل آخرون ضمن التحالف اليساري إلى أن يكون القرار مشتركاً، “خصوصاً أن ميلانشون شخصية تثير الانقسام حتى داخل جزء من اليسار”، وفقاً لـ “فرانس 24”.
توافق مرحلي
وفي أخذ ورد، يرى مانويل بومبار، المنسق الوطني لحزب “فرنسا الأبية”، أن الخيار يمكن أن يحصل “بالتوافق وبشكل مرحلي”، مقترحاً نقاشاً أولياً بين تشكيلات الائتلاف اليساري، يؤدي في نهاية المطاف إلى اختيار الشخص الأمثل.
لكن، حتى لو تمكنت أجنحة اليسار الفرنسي من التوافق على اسم مرشح لرئاسة الحكومة، يشكك مارسيل فوكو، الباحث في مركز البحوث السياسية بكلية سيانس بو، في قدرة اليسار على الحكم. ويقول لـ “فرانس برس”: “يجب ألا ننسى أن التحالف اليساري الجديد يبقى مجموعة سياسية أقلية، أي ائتلافاً من أحزاب عدة، حل أولاً في الانتخابات بأقل من 200 مقعد”.
يضيف: “الحديث عن إصلاح فرنسا لا يستند إلى أسس صلبة، خصوصاً عندما يقولون إن هذا هو البرنامج دون غيره. نحتاج إلى بعض الوقت لتتضح الرؤية بشأن الحكومة الائتلافية التي ستتشكل”.