خاص – رامي شفيق/القاهرة
يمثل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نيته دعوة نظيره السوري بشار الأسد للقاء برعاية روسية بعد تصريحات متتالية بشأن تطبيع العلاقات مع سوريا، الحلقة الأخيرة من الاستدارة التركية التي بدأت في عام 2019، حين غيّر أردوغان مسار سياساته الخارجية في المنطقة كلها، مستعيداً علاقاته مع دول الخليج، وكذلك مع مصر، بعد خلافاتٍ استمرت لأكثر من عقدٍ من الزمن.
وفي مقابلة خاصة مع موقع “963+” قال ديبلوماسي مصري سابق إن “التطبيع التركي المرتقب مع سوريا يأتي نتيجة تحركٍ روسي إيراني عراقي ناشط لتفعيل الوساطة بين دمشق وأنقرة” بعدما انقطعت العلاقات بينهما عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا في منتصف آذار/مارس من العام 2011، حيث دعمت تركيا المعارضة السورية ومن ثم تدخّلت عسكرياً في وقتٍ لاحق وسيطرت على عدّة مدنٍ شمال غربي البلاد وشرقه.
وأضاف عبد الرحمن صلاح، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وآخر سفيرٍ لمصر لدى تركيا أن “البعد الداخلي التركي مهم في مسار تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، فمطالبة المعارضة التركية لحكومة أردوغان بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قسراً تحظى بتأييد شعبي كبير، وقد أدرك الرئيس التركي أنه لا يستطيع فعل ذلك إلا من خلال التنسيق مع الحكومة السورية، ولذلك سارع لبدء التطبيع مع دمشق خاصة أن بلاده لم تنجح إلا في إعادة عدة آلاف من اللاجئين إلى مناطق تسيطر عليها في الشمال السوري، والتي كانت تأمل في تحويلها ذات يوم إلى مناطق نفوذ تركية دائمة في سوريا، تحت مسمى المناطق الآمنة”.
تناقضات دولية
لكن، ماذا تغيّر؟ يقول الديبلوماسي المصري إن “تبدّل الموقف التركي من الأسد والرغبة في التطبيع معه، يعبّر عن التناقضات في المواقف الدولية بين روسيا والولايات المتحدة”، لافتاً إلى أنه “من المؤكد أن التحرك الروسي لجمع الأسد وأردوغان جزء من استراتيجية روسية لمنع الغرب بقيادة أميركا من فرض عزلة دولية على موسكو بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا”.
ويتابع صلاح أن “الأمر متصل أيضاً بأهمية تركيا استراتيجياً، فهي دولة عضو في حلف الناتو، وملاصقة لجنوب روسيا، وتتحكم في مداخل البحرين الأسود والمتوسط. وهي شريك تجاري مهم لروسيا، حيث وصل التبادل التجاري بينهما إلى 55 مليار دولار في عام 2023، فهي تستورد تقريباً نصف احتياجاتها من الطاقة من روسيا”.
كما يلفت إلى أن “تركيا تحرص على منع أي مواجهة بين قواتها والقوات الروسية في سوريا، خصوصاً أن الوضع العسكري في الشمال السوري جامد، وأن الحسم العسكري مستحيل، مع احتفاظ الولايات المتحدة بتواجد محدود لدعم شركائها المحليين في شمال شرقي سوريا”.
ويقول الديبلوماسي المصري إن “تركيا اليوم مهتمة بتصفير خلافاتها مع الحكومة السورية، كي تفوز بها شريكاً في درء أي خطر آت من القوات التي تدعمها الولايات المتحدة”، مضيفاً: “من غرائب السياسة أن يكون أردوغان نفسه، من سلّح فصائل المعارضة السورية ضد القوات الحكومية، وهو من يريد اليوم أن تعاونه هذه القوات الحكومية في مواجهة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) المنتشرة في شمال شرقي سوريا”.
إلى أين؟
بعد مقاطعة طويلة، عادت دول عربية إلى استئناف العلاقات مع دمشق. كما عادت سوريا لتشغل مقعدها في جامعة الدول العربية. ويلفت الديبلوماسي المصري في هذا الصدد إلى أن “هذا التغير في الموقف العربي تُرجم ميدانياً بالتوقف عن دعم المعارضة المسلحة وفتح قنوات الاتصال الديبلوماسي والتعاون الاقتصادي مع الحكومة السورية وهذه خطوات على الطريق الصحيح، لكن علينا أن نسأل هنا: ما هي الخطوات التالية؟”.
ويشير آخر سفيرٍ مصري لدى تركيا إلى أن “الدول العربية عليها أن تؤدي دوراً فاعلاً في التوصل إلى اتفاق سياسي سلمي يُنهي الحرب في سوريا، ويستعيد السيادة السورية”. ويقول: “يجب إنهاء كل أنواع الاحتلال الأجنبي للأراضي السورية، وإخراج كل القوات الأجنبية من سوريا، والدول العربية قادرة على لعب دور مهم في هذا الموضوع… إن صفت النوايا” على حدّ تعبّيره، متأسفاً من أن “تخلو المبادرات السياسية السلمية السابقة بشأن سوريا من أي ثقل عربي، فيما كانت دول غير عربية كإيران وروسيا وتركيا وكازاخستان تتولى إدارة هذه المبادرات”.
ويختم صلاح بالقول: “أعتقد أن الأوان آن لدور عربي حيوي وفاعل، ومصر مؤهلة للعب هذا الدور أكثر من غيرها، فهي لم تتورط في الميدان السوري، ولم تدعم أياً من الأطراف المتقاتلة، وهي بريئة من دم الشعب السوري… وهذا شرط حيوي لا يتوفر في الكثير من الأطراف الأخرى، عربية وغير عربية. وأنا مؤمن عميقاً بأن الأمل كبير في تحقق هذه الخطوة، ولا مفرّ من الاعتراف بأن الأمر يحتاج إلى بذل الجهد الدؤوب لتدوير الزوايا وحلحلة العقد، وصولاً إلى حل سلمي يعيد الأمن إلى سوريا والأمان إلى السوريين”.