في الحرب، كل شيء مسموح. هذه قاعدة لا استثناء لها إلا عند المواطن العادي الذي لا يريد من الدنيا إلا الستر. وهي قاعدة لا يشذ عنها “الفيميه” في سيارات سوريا. “هذا ممنوع، لكننا في عصر قوننة الممنوع يا صديقي، والفرار من عقوبة الفيميه لا تكلفني أكثر من ثلث دولار”.
الكلام هنا للمواطن السوري جبران سموأل الذي يقود سيارته “هيونداي سوناتا” في دمشق، مظللاً زجاج نوافذها منذ سنين. يضيف لـ”963+” أنه يدبّر أموره من دون أن يدفع الرسم السنوي الذي يبلغ 5.5 ملايين ليرة (367 دولاراً تقريباً)، “والحل بسيط.. كلما أوقفني شرطي مرور أرشوه بـ 5 آلاف ليرة (ثلث دولار) ينتهي الأمر”… إلا إذا كان ضابط الدورية موجوداً، فحينها… لا حول ولا قوة!
أما مازن السباعي، صاحب “سيارة كيا ريو”، فمصرّ على أن بدل رخصة تظليل السيارة عالٍ جداً، “وهذا لا يجوز، ما دامت هذه الرخصة صارت من حق الجميع”، مضيفاً لـ”963+”: “أنا لا أدفع لأنني لا أريد أن أدفع لقاء شيء تافه لا يستحق، وكلّما أشار لي شرطي المرور لا أقف لأني لا أرشي أحداً”.
رسم سنوي
في منتصف عام 2019، سمحت وزارة الداخلية في الحكومة السورية بالحصول على رخصة لتظليل زجاج السيارات، مقابل رسوم حُددت حينها بنصف مليون ليرة سورية سنويًا (33 دولاراً)، شرط الحصول على موافقة كل من إدارة المرور وفرع الأمن الجنائي وفرع الهجرة والجوازات.
مع بدء تنظيم استخدام “الفيميه”، وجّه جهاز الأمن الوطني في سوريا بمخالفة السيارات المظلّلة بلا إثبات أمني. لاحقاً، صار ذلك الإثبات يصدر برسم سنوي يدفعه الراغب في “التفييم” مقدماً، تحت شروط بسيطة. تقرر بعد ذلك تحويل أمر تنظيم “الفيميه” إلى وزارة الداخلية، كونها المعني مباشرة بهذا الأمر، من منطلق أن إدارة الواقع المروري واحد من مهامها. يقول مصدر في الداخلية، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، لـ “963+” إنّ الآلاف يحصلون على رخصة “الفيميه” سنوياً، وينتظر عشرات الآلاف الموافقة شبه الشكلية التي تكلف نحو 367 دولاراً سنوياً”.
من يسير في أحياء دمشق ليلاً، يمكنه بسهولة تمييز السيارات المظللة. إلا أن نسب انتشارها تختلف من حي إلى آخر، بين 10 و50 في المئة. والمثير في الأمر أن معظم السيارات المفيّمة ليست فخمة، إنما هي سيارات عادية، ليس هناك ما يوجب تظليلها. فلماذا يطالب أصحابها بهذا الامتياز، خصوصاً أن تظليل السيارة يكلف نحو مليون ليرة (70 دولاراً تقريباً)، كما يخبرنا سموأل.
تحت القانون
يخالف المهندس المدني كاظم فخري رأي سموأل والسباعي، فالقانون هو القانون. يقول لـ”963+”: “سيارتي ’كيا فورتي‘، سعرها اليوم 400 مليون ليرة (26 ألف دولار)، وهي من السيارات الرخيصة الثمن في سوريا. فإن كنت أملك سيارة بهذا الثمن، لن أغصّ بـ 5.5 ملايين ليرة، لأتمتع بالرفاهية من دون أن أتوجّس كلما صادفت شرطي مرور أو دورية، وما عليّ إلا أن أبرز البطاقة… وعلى الدنيا السلام”.
خلال أعوام الأزمة، كان محمد (اسم مستعار) يحصل على بطاقات “فيمية” سنوية من أحد الأجهزة الأمنية بلا مقابل، بفضل علاقات تربطه بالجهاز نفسه. لكنّه، عند نقل الشؤون المدنية إلى وزارة الداخلية، توجه إلى هناك من خلال وسيط لإنجاز البطاقة، فحصل عليها خلال أيام، “بعدما قدمت أوراقي الثبوتية الشخصية الخاصة، وأوراق سيارتي”.
يضيف محمد لـ”963+”: “أدرك تماماً أنّ القانون لا يسري على الجميع، وأن هناك استثناءات دائماً، لكن لكلّ شخص ما يريد. أنا أحصل على بطاقتي السنوية وأجددها في موعدها، فيظلّ بالي مرتاحاً”. فحتى لو خالفه شرطي المرور غيابياً، تسقط المخالفة في فرع المرور لوجود ما يشير لديهم بامتلاكه بطاقة “فيميه”.
سيارات مخيفة
ريمان عرب طبيبة مقيمة في ريف دمشق، تخاف كثيراً من السيارات المظللّة، وتحاول الابتعاد عنها قدر المستطاع خلال قيادتها سيارتها، “فسائقو هذه السيارات متعالون يقودون بشكل أهوجٍ، وكأنهم وضعوا هذا اللاصق الداكن ليخيفوا الآخرين، وليستعرضوا قوتهم”، كما تقول لـ”963+”.
تضيف: “بنظر المواطن السوري، أصحاب الزجاج المظلل ’زعران‘ ومسلحون، يمكنهم أن يدهسوا المارة من دون أن يرفّ لهم جفن، وكأن الناس حولهم حشرات. لا يراعون قوانين السير ولا أدبياته، وأغلبهم يركب أجهزة إضاءة قوية حول اللوحات أو أعلى السقف أو أجهزة يسمونها (فدرالي)، منظرها مخيف”.
في عام 2017، اختطف الشاب مزين محفوض من إحدى قرى ريف حماه، ونقل في سيارة مظللة من غرب المدينة إلى شرقها من دون أن ينتبه أحد لوجوده داخل السيارة. دفع أهله الفدية وخلصوه من خاطفيه. يقول لـ”963+”: “كانت سيارة ’بيك آب‘ مفيّمة بالكامل، تبدو عسكرية من الخارج، لكنّها مدنية. ولأنّه مظلل والحرب مشتعلة وشرطة المرور غائبة، تمكن الخاطفون من نقلي مسافةً طويلة”.