كأن الضيق الاقتصادي الذي تمر به مناطق غرب الفرات في سوريا، الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية مجموعات “الدفاع الوطني” والفصائل التي تدعمها إيران، لا يكفي ليشعر الناس هناك بمعاناة مريرة، حتى تضيّق هذه الفصائل الخناق عليهم أكثر فتمعن فيهم تجويعاً وإذلالاً، تحت شعار “جباية الرسوم”.
“هذه ليست رسوماً. إنها إتاوات، أو هي جزية تفرض علينا، فندفعها للحاكم دليلاً على خضوعنا أو ثمناً لأمننا”. بهذا الانفعال المكبوت قليلاً، يبادرنا التاجر أحمد الأحمد، وهو من سكان مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي. والأحمد أغلق تجارته، أو باب رزقه، منذ نحو ثلاثة أشهر. يقول لـ”963+”: “نعم أغلقته، بسبب الضرائب والرسوم التي تفرضها علينا الفصائل الموالية لإيران، مثل ’الدفاع الوطني‘ و’الفرقة الرابعة‘. وأعود وأكرر.. هذه إتاوات وليست رسوماً ولا ضرائب”.
البانوراما والبلعوم
يتمسك الأحمد برأيه، وهو من يأتي بالبضائع من دمشق أو من حمص إلى مناطق دير الزور، وفقًا للسجلات والجمارك، وبشكل قانوني تماماً. ولحظة يدخل مناطق دير الزور، ويمر بحاجز “البانوراما”، “يتهمنني زور بأن البضائع غير نظامية، ولا يأذنون لي بالمرور إلا بعد دفع الرسوم المطلوبة، لذا اضطر في أغلب الأوقات إلى المرور بطرق بديلة في البراري السورية”، علماً أنها محفوفة بالمخاطر بسبب الألغام ودوريات الفصائل التي تدعمها إيران.
هذان الحاجزان، وغيرهما كثير، يحرمان سكان دير الزور مما يحتاجون إليه في تدبير قوتهم اليوم، من خضار ولحوم وبقوليات وفاكهة، “فهذه كلها تمرّ بحواجز ’الفرقة الرابعة‘ و’الدفاع الوطني‘، فيتعرض أصحابها وناقلوها لشتى أنواع المهانة كي يدفعوا المبالغ المعلومة، ومن مرّ بحاجز البلعوم يمكنه أن يخبركم كم مرّة سرقوا منه ماله وبضاعته، وأعادوه إلى منزله أو دكانه بلا شيء. فهناك يرابط أسوأ عناصر ’الفرقة الرابعة‘، ويفرضون رسوماً على الأوراق الجمركية والفواتير”، بحسب الأحمد.
ينافسون “داعش”!
“إنهم ينفذون الأوامر يا صديقي، لكنهم ينفذونها بقسوة أحياناً”. هكذا يعلّق قاسم الرافع، أحد عناصر ’الدفاع الوطني‘، قائلاً لـ”963+” إن تعليمات صدرت من فراس الجهام، قائد الدفاع الوطني، لعناصره تقضي بجمع الضرائب من السكان لتغطية نفقاتهم وتجهيز مراكزهم.
وبحسب الرافع، يثير تنافس عناصر “الدفاع الوطني” و”الفرقة الرابعة” على جمع الضرائب استياء السكان، فيحاول كل طرف منهما ترهيبهم لتحصيل القدر الأكبر من الضرائب. ويضيف: “أدى هذا التنافس إلى إغلاق المتاجر بعدما أنّ أصحابها تحت ضغط الضرائب المرتفعة، فبقيت المتاجر التي يديرها ضباط في القوات الحكومية، أو متنفذون في الدولة، مفتوحة في المنطقة”.
يعرف علي العلي الذي يعيش في بلدة العشارة بريف دير الزور الشرقي من يفرض الإتاوات على الناس. يقول لـ”963+”: “إنهم علي الزارع، شقيق القيادي في الفصائل الإيرانية عزوز الزارع من بلدة القورية، ورجا الدندل من بلدة البوكمال وهو يحظى بتأييد كامل من ’فرقة الرابعة‘، وهشام المصطفى من الميادين”، مضيفاً إنهم يتنافسون في ما بينهم، “لكنهم تفوقوا في النهب على داعش”، كما يلاحظ، مبتسماً، فنهج “فرقة الرابعة” في فرض الضرائب والرسوم على السكان لا يختلف كثيرًا عن نهج تنظيم “داعش” المصنف إرهابياً لدى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية وآسيوية أخرى.
ضابطان كبيران
يضيف: “هؤلاء موظفون تابعون للفرقة، يعملون تحت إشراف قادة الفرقة، ويطالبون السكان برسوم وضرائب مستخدمين أرقاماً غير رسمية، ومن يرفض دفع المال يواجه الاعتقال التعسفي”، وهذا يمنع الناس من شراء أي شيء، “ومن ابتسم له الحظ ونجح في تمرير بضائعه، أو شراء أدوات كهربائية لمنزله، من دون المرور بالحواجز، فعليه دفع الضرائب مضاعفة لسماسرة ’الطريق‘ وللمخبرين”.
يقول الرافع: “تذهب أغلبية الأموال المصادرة إلى قيادات الفرقة، بينما يعتمد العناصر على سلب الناس كي يعيشوا”. وهذا ما يؤكده مصدر أمني، رفص الإفصاح عن اسمه لأسباب أمنية. يقول لـ”963+” إن المداخيل من الرسوم الضرائب تعود لضابطين كبيرين في “الفرقة الرابعة”، هما العقيد وفيق السالم المقيم في حي القصور بدير الزور وينحدر من مدينة جبلة في الساحل السوري، والمقدم لؤي مهنا المقيم بحي الفيلات بدير الزور والمنحدر من محافطة طرطوس.
يضيف المصدر الأمني: “سالم ومهنا يعتمدان سياسة الترهيب في فرض الضرائب على السكان، وحتى المحاصيل الزراعية والحوالات المالية لم تسلم من ضرائبهما، ولا حلّ للتهرب من دفعها”، معترفاً بأن التجار يضطرون إلى رفع الأسعار الاستهلاكية “ليستردوا القليل من أموالهم المنهوبة على الحواجز”، وهذا ما لا يستطيع السكان تحمُّله.