“كان الشتاء في هذا العام أقل برودة”. لهذا السبب، قبل غيره، يرد المزارعون في مدينة السلمية، على بعد 30 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة حماة في وسط سوريا، تفشي حشرة جادوب الصنوبر، “فالصقيع مهمٌ جداً لمكافحة هذه الحشرة في جميع أطوار تكونها، من طور البيوض إلى طور اليرقات الأولى”، كما قالت رقية ديب، المهندسة الزراعية في السلمية بريف حماة لموقع “963+”.
ويضيف أسامة سويدان، رئيس دائرة الزراعة في السلمية، أنه في طور اليرقات، تتغذى حشرة الجادوب على أوراق الصنوبر، “وبسبب أعدادها الهائلة تؤدي إلى إزالة قسم كبير من المجموع الخضري للشجرة، ما يتسبب بموت الشجرة، لكن في حال توفر الأمطار تعود الشجرة للتجدد”.
هذه حالةٌ معتادة في السلمية، كما في مدن سورية عدة مزروعة بالصنوبر، مثل اللاذقية وطرطوس وغيرهما، بين آذار/مارس وتموز/يوليو من كل عام، حتى أن بعضهم يسمي هذه الحقبة الزمنية “فصل الجادوب”. يقول سويدان لـ”963+” إن قرابة 300 هكتار من الأشجار تضررت بآفة جادوب الصنوبر في هذا العام، مضيفاً: “أخطر ما في هذه الأفة أنها تهدد الثروة الشجرية، فهي تلتهم أوراق الصنوبر وتعري الأشجار، ما يؤدي إلى موتها ويبسها، إذ تمنعها من النمو مرة أخرى، فتبدو الأشجار كأنها محروقة”، مؤكداً أنها من الآفات الخطرة التي لا تصيب سوريا فحسب، إنما تنتشر في حوض المتوسط”.
عن بعد!
لا تكتفي آفة جادوب الصنوبر بمهاجمة أشجار الصنوبر والتهام أوراقها فحسب، إنما تشكل خطراً على صحة الإنسان، إذ تصيبه بالتهابات جلدية وحساسية في العينين، خصوصاً إن حصل أي التماس مباشر معها.
تقول ديب، إن هذه الآفة سامة في بعض أطوارها، “ولهذا نشهد انتشار حالات مرضية بين طلاب المدارس، خصوصاً أن أشجار الصنوبر موجودة داخل حرم الكثير من مدارسنا، وأن الحشرة تتمتع بقدرة هائلة على بث غبارها وإصابة الإنسان عن بعد”.
لكن علي (30 عاماً) لم يلمس الحشرة، إنما وقف قربياً منها. يروي لـ”963+”: “منذ شهر تقريباً، كنت أمشي قرب منزلي في السلمية، فوجدت على الأرض أعشاشاً حريرية. اقتربت منها، ثم تمكنت من إحراقها، وحرصت جيداً على عدم لمسها”. وبعد ساعتين تقريباً، أصيب علي بالحكاك الحاد في أنحاء جسمة، وظهرت عليه بقع جلدية زهرية اللون. لم ينفه الاغتسال بالماء البارد، وكان عليه تلقي مضاد حيوي ثلاثة أسابيع ليشفى.
كذلك، مرت لين (25 عاماً) بتجربة مريرة مع هذه الحشرة، وهي المصابة بداء الربو الصدري، ما أخّر شفائها. تقول لـ”963+”: “كنت أجول في المدرسة حين رأيت يرقات جادوب الصنوبر تسير في طابور مستقيم، حاولت إبعادها بالمسطرة كي لا تؤذي الأطفال، وحذرتهم من الاقتراب منها أو لمسها، فبعضهم يظنها صديقة للبيئة. تضيف راويةً: “باغتتني نوبة ضيق تنفس جراء الوبر الذي يغزو الحشرة، وانتشر احمرار في أنحاء جسمي، فنُقلت سريعاً إلى المستشفى حيث بقيت ثلاثة أيام أتناول مضادات التحسس”.
المكافحة قاصرة
إنها آفة خطرة بالفعل، تصيب شجر الصنوبر وعين الإنسان، “لكن العين بصيرة واليد قصيرة”، كما تقول ديب لـ”963+”، متذمرةً من ضعف الإمكانات لمكافحة الآفة وإنقاذ أحراج الصنوبر في السلمية وغيرها. تضيف: “النقص حاد في عدد المتخصصين في مكافحة هذه الآفة، لا سيما أنها بدأت بالانتشار، وشارفت أشجار الصنوبر كلها على التأكل”. وبحسبها، مضى على آخر مشروع لمكافحة جادوب الصنوبر أكثر من عشر سنوات، “ففي عام 2013، كان تفشي الجادوب محدوداً في جبال السلمية، وقد استطعنا آنذاك إطلاق مشروع بيئي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومديرية الزراعة لتعزيز كرامة الأشخاص العاطلين عن العمل بإيجاد فرص للذكور والإناث في مكافحة الحشرة، غير أن المشروع لم يكمتل لغياب التمويل”.
في هذا الإطار، يقول سويدان إن دائرة الزراعة في السلمية تفعل كل ما في وسعها. يضيف: “تمت أعمال المكافحة بطريقتين: كيميائية باستخدام المرشات الظهرية وأخرى محمولة على الجرارات الزراعية، وميكانيكية باستخدام المقصات الملائمة لتجميع أعشاش الجادوب وحرقها”.
شملت هذه العمليات المدارس والروضات العامة والخاصة والحدائق العامة ووحدة مياه السلمية ومحيط الوحدة البيطرية وشعبة الوقاية ومحيط المقرات العسكرية والمخبز الآلي ومؤسسة الحبوب وكليتي الزراعة والعمارة. يضيف سويدان: “شملت الحملة الموسعة استخدام رافعة عائدة لفرع شبكات التوتر العالي بحماة للقيام بالمكافحة الميكانيكية على الأشجار المرتفعة”، لافتاً إلى استكمال حملة المكافحة بسقاية أشجار الصنوبر المتضررة من الجادوب في المواقع الحرجية بالصهاريج، “لتحريض الأشجار المتضررة على التعافي وتجديد مجموعها الخضري”.
مسؤولية مشتركة
الحل جماعي، برأي علي الخطيب، العضو في جمعية أصدقاء سلمية، ولا يأتي من جهة واحدة، فالمسؤولية البيئية والصحية مشتركة. يقول لـ”963+”: “تحضّر جمعيتنا ورشة عمل مشتركة مع جهات بيئية عدة، لتقييم الحالة الراهنة ومناقشة الحلول العملية ووضع دراسة لمدة خمس سنوات، من أجل بلورة خطة شاملة لمكافحة هذه الآفة، وحماية أحراج الصنوبر في بلادنا”.
ومن منطلق المسؤولية المشتركة، يبادر بعض الشبان والشابات في السلمية للاضطلاع بدور مجتمعي مهم في مكافحة هذه الآفة في أطوارها الأولى. فبحسب الدراسات، يمكن السيطرة الفاعلة على هذه الآفة إن بدأت المكافحة في طوري البيوض واليرقات، أي قبل تحولها إلى شرنقة ثم فراشة تتنقل حاملة المرض بين الأشجار.
تقول سماح دلول، إحدى المتطوعات في مكافحة الحشرة بمنطقة السلمية، لـ”963+”: “تطوعت مع زملاء وزميلات لرش أعشاش الجادوب بالمبيدات، بعدما زودتنا دائرة الزراعة بالكمية اللازمة، وأرشدتنا إلى حسن استخدامها، كما تطوع بعضنا لقص أغصان الصنوبر المصابة وحرقها بعيداً، قبل أن تفقس اليرقة وتصبح فراشة”.
وتختم دلول: “الوقاية ثم الوقاية، وهذه لا تتم إلا بحملات توعية سنوية مكثفة، وإلا خسرنا صنوبرنا وصحتنا”.