دمشق
أثّرت الحرب السورية على الدراما السورية بشكل كبير، وانقسمت الآراء بين معارضين وموالين، وساهمت إلى حد بعيد بإحداث شرخ بينهما.
وألقى مبدأ النقيضين بظلاله على الفن في سوريا، إذ تجد هناك تضارباً بين مؤيد للأعمال السورية وآخر معارض للأعمال المعربة، والعكس ينسحب على الأمر. وكذلك هناك مؤيدين ومختلفين للأعمال التاريخية والبيئة الشامية والمشتركة والسورية الخالصة، وحتى في الفنانين بين الشباب وذوي الخبرة.
ولم يخلو أي عمل فني سوري من ذلك التضارب، خاصة هذا العام حيث لاقى مسلسلي “مال القبال” و”ولاد بديعة” نصيباً وافراً من المديح والنقد.
وخلال الموسم الرمضاني الماضي، استبشر الكثيرون بعودة صناعة الدراما السورية إلى سابق عهدها، في ظل نجاح مسلسل “ولاد بديعة”.
لكن هذا الأخير لم يسلم من الانتقاد، وهاجمه بعض الفنانين منهم بشار إسماعيل وعابد فهد الذي قال إن المسلسل قدم وجبات كثيرة من العنف، وإن سوريا ليست كلها عنفاً.
وكان فهد قد انتقد الأعمال التي تعرض في الموسم رمضان، وقال إنها تركز على العنف والقسوة والدموية، وابتعدت عن الإيجابية.
وقال فهد في هذا الخصوص: “السباق الرمضاني كارثة حقيقية وقد توقع صنّاع المسلسلات في أخطاء غير مقصودة، مثل تكرار القصة وأخطاء في الأحداث”.
وأكّد فهد أن الدراما السورية مؤخراً باتت تسلط الضوء على العنف والقتل وجعل الأشرار في مراكز البطولة، وأن على صناع الأعمال الابتعاد قليلاً عن هذه النوعية.
من جهته، رفض الفنان السوري يامن الحجلي الانتقادات، التي وجهها الفنان عابد فهد إلى مسلسل “ولاد بديعة، الذي شارك الحجلي في تأليفه، وبطولته، وحقق نجاحاً كبيراً، خلال عرضه في شهر رمضان الماضي.
وردّ الحجلي، خلال ظهوره في بودكاست “عندي سؤال” مع الإعلامي محمد قيس، على تصريحات سابقة للنجم عابد فهد، قائلاً: “كان على عابد أن يقول هذا الكلام لنفسه؛ عندما قدم دور (المقدم رؤوف) في مسلسل (منبر الموتى)”، واصفاً هذه الشخصية بأنها تمثل “أبشع نموذج للعنف”.
وسخر الفنان السوري من انتقادات زميله لمسلسله “ولاد بديعة”، الذي حظي بإشادة كبيراً ونجاحاً منقطع النظير منذ بداية عرضه في موسم رمضان 2024.
واستغرب الحجلي تصريحات عابد فهد، وأوضح أنها جاءت بعد يومين فقط من قيام عابد نفسه بإرسال رسالة صوتية إلى شريكه في التأليف علي وجيه، عبّر من خلالها عن إعجابه بالمسلسل، وهنأه بالنجاح الكبير له، متهماً إياه بـ”التناقض”.
وأضاف يامن: أعتقد أن عابد فهد تم توريطه في هذا التصريح، وتم سحبه إلى مكان لم يعد قادراً على الرجوع منه، خاصة أنه سمع رأياً مخالفاً منه، من خلال الرسالة الصوتية المشار إليها سابقاً.
وقدم يامن وعداً ساخراً إلى عابد فهد، قائلاً: “عده العام المقبل بأن نقدم عملاً فنياً عن الحمام الزاجل”.
وبرر الحجلي مشاهد العنف والقتل في مسلسل ولاد بديعة من كتابته ويشارك في بطولته، حيث قال حجلي إن العنف موجود حولنا وخاصة في سوريا.
وبيّن يامن الحجلي أنه اتخذ قراراً واضحاً، هو أن يكون صانعاً، لا ممثلاً ينتظر منتجاً أو مخرجاً يدعوه إلى أحد الأعمال، وأن المشروع الذي يدور برأسه منذ طفولته كان أكبر من أن يكون ممثلاً فقط.
وأوضح النجم السوري أن ظروف الحرب في سوريا أدت إلى تراجع الدراما، وفرغت كل أروقة البلد من محتواها، وبات تصنيف صانع الدراما في سوريا فقط لمن يصنع مسلسلات البيئة الشامية، وأنه أخذ على عاتقه منذ ذلك الوقت أن يقدم أعمالاً سورية اجتماعية.
وقصد في “ولاد بديعة” أن يتحدث عن الشاعر، والروائي، والمحامي، وكل أطياف المجتمع، ولا يجوز اختصارها في “شروال وشبرية”، وأن هذا الأمر يعد قاتلاً بكل معنى الكلمة لبلد أنجب نزار قباني، على حد وصفه.
ولفت النجم السوري، أن أهم الرسائل التي أراد إيصالها هي أن يكون كل أطياف الشعب السوري أخوة، مبيناً أن “بديعة” ترمز إلى سوريا، وأبناؤها هم مختلف أبناء الشعب السوري، وأنه يجب عليهم أن ينحوا كل خلافاتهم جانباً، وأن يكونوا أخوة حقيقيين.
وأكد أنه راضٍ كل الرضا عن المسلسل، الذي كتب وصوّر وعرض في سبعة شهور فقط، متحدياً أن يستطيع أحد أن يقدم ما قدموه في هذه الفترة الزمنية القياسية، مرجعاً سبب النجاح لتقديم الحقيقة، ووجود شخصيات تنتمي إلى الناس.
وفي حديثه، رفض الفنان السوري، بشكل قاطع، قبول تعريب الأعمال التركية، قائلاً إنها نماذج لا تشبهنا على الإطلاق، وإنها لا تقدم سوى الشاب الجميل والفتاة الجميلة البعيدين كل البعد عن واقعنا، وأن هذه الأعمال لا تشبه أحداً فينا.
وتساءل يامن: ما الهدف من مشاهدة قصة حب شاب وفتاة تمتد إلى 90 حلقة، رافضاً بشكل كامل إرجاع نجاح “ولاد بديعة” إلى الأدوار التي قدمها كلٌّ من: محمود نصر، وسلافة معمار، في مسلسلات معربة، خاصةً أنه قدمها بشكل مختلف كلياً، مؤكداً أن الأدوار في المسلسلات المعربة أسهل أنواع التمثيل على الإطلاق، ويمكن لأي شخص أن يقوم بها، واصفاً جمهور المسلسلات المعربة بأنه جمهور “مغرر به”.
كما انتقد السيناريست السوري بعض الأعمال العربية التي تركز على المظاهر من خلال البطل الوسيم والبطلة الجميلة والحياة داخل القصور، مؤكداً أن هذه المشاهد تخلق لدى الجمهور “حس قهري”، متسائلاً: “أين نجد هذه الشخصيات في مجتمعاتنا العربية؟ أنت تحوّل الجمهور الى جمهور غرائزي قد يفعل أي شيء للحصول على هذه الأمور”.
وتعرض مسلسل “ولاد بديعة”، الذي عُرض في رمضان المنصرم، وأخرجته رشا شربتجي، لانتقادات تتعلق بمشاهد العنف الكبيرة فيه.
فيما قال صنّاع العمل، إنهم يتبعون أسلوباً مختلفاً في الكتابة والمعالجة، يركزون فيه على إحداث الصدمة لدى المشاهد، لأن “العنف المنتشر واقعياً أكبر بكثير من عنف المسلسل”.