بعد الإعلان عن مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه وكان أبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، في حادثة تحطم مروحيتهم، أثيرت عدة تساؤلات عن تفاصيل الحادث ومن المستفيد من غياب الرئيس الإيراني، وكيف سيكون المشهد الإيراني خلال الـ50 يوماً المقبلة لإجراء انتخابات جديدة.
في الوقت الراهن سيخلف الرئيس الراحل مساعده الأول محمد مخبر دزفولي الذي برز اسمه خلال الساعات الأخيرة، وسيتولى مهام الرئاسة وفق المادة (131) من الدستور الإيراني.
قيصر الاقتصاد
تصنّف الصحف الإيرانية دزفولي بأنه “قيصر الاقتصاد” لكونه ضليعاً جداً في الأمور المالية ويقبض على كافة المفاصل المالية في المؤسسات الإيرانية الحكومية.
“دزفولي رجل اقتصادي لا يصلح أن يكون رجل سياسة ودبلوماسية، وفعلياً رغم قربه الشديد من الرئيس الراحل رئيسي لكنه لم يكن يحظى بشعبية عند الإيرانيين بل على العكس خاصة حين واجه العام 2022 مطالبات بإقالته من منصبه، بسبب ارتفاع معدل التضخم الذي بلغ 54 بالمئة، وتصاعد معدلات الفقر مع ما يترتب على ذلك من آثار سياسية، كذلك تم فرض عقوبات عليه في العام 2021 عبر الخزانة الأميركية على خلفية الأحداث الأمنية المتعلقة بوفاة الشابة مهسا أميني، بمعنى أن اسم دزفولي مكروه جداً في الشارع الإيراني”، وفق ما يقول الخبير والباحث السياسي الإقليمي الإيراني الدكتور مجتبى مصطفى البيازي لموقع “963+”.
ويضيف: “السياسة الخارجية وحتى الداخلية لإيران لن تتأثر. بيد أن الحكم الفعلي والقرارات الفعلية هي للمرشد الأعلى والرئيس أو وزير الخارجية وأي وزير آخر كلهم يخضعون حصراً لقرار المرشد هم ينفذون هذه القرارات لذا لا أعتقد بأن هناك تغييرات سياسية ستطرأ على المسار السياسي الإيراني، وسلطة الرئيس دورها أكبر في الداخل الإيراني”.
خطأ تقني أو اغتيال
قد يكون الحديث حالياً عن من سيخلف الرئيس الراحل وأي تيار سياسي سيفوز في الانتخابات المقبلة وكيف سيتعامل الشارع الإيراني مع الوضع الجديد، لكن قبل الخوض في هذه التكهنات لا بد من مناقشة الحادثة هل هي خطأ تقني أو ربما عملية اغتيال؟ بيد أن مروحية رئيسي ضمن قافلة من ثلاث مروحيات تنقل الوفد الرئاسي، هبطت المروحيتان الأخريان بسلام في تبريز، المدينة الكبيرة في شمال غرب البلاد، لكن ليس المروحية التي كان على متنها رئيسي الذي كان قد افتتح سدًا في محافظة أذربيجان الشرقية برفقة نظيره الأذربيجاني إلهام علييف، على الحدود بين البلدين.
يقول البيازي: “هناك معطيات من مصادر إيرانية وأخرى من متابعين للملف الإيراني تشير إلى أن الحادث قد يكون مدبّراً بين إسرائيل وأذربيجان لما تتمتع به الدولتان من علاقات قوية جدًا. شخصياً استبعد هذا السيناريو، لأنه مهما كانت العلاقات قوية، فهناك مصالح بين إيران وأذربيجان، كما أن المسؤولين في أذربيجان ليسوا أغبياء ولن يدخلوا في لعبة مثل هذه مهما كانت مصالحهم مع إسرائيل لأنهم لن يتورطوا في أمر خطير فهذا ستكون توابعه كبيرة جدًا، وفرضية الاغتيال أتت بسبب العمليات المخابراتية التي قامت بها إسرائيل داخل إيران خاصة حين عرض رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وثائق عن المشرع النووي الإيراني، وقال إنها تمت في عملية مخابراتية داخل إيران”.
ومن وجهة نظر ثانية تتقاطع مع الأولى ببعض النقاط تؤكد الباحثة المصرية في العلاقات الإقليمية والدولية، هند الضاوي في حديثها لـ”963+” أنه “سواء رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية أو أي صاحب منصب مهم، فهم ليس لهم أي ثقل سياسي في إيران كما يظن البعض، لأن القرار الأساسي ومحرّك العمليات هو المرشد الأعلى، لكن لا بد من التركيز على مسالة مهمة وهي طريقة مقتلهم التي ستثير الشكوك والريبة داخل الشارع الإيراني، الحادثة طازجة والعوامل الأساسية حالياً تشير إلى سوء مناخ ولكن موضوع نجاة طائرتين وسقوط طائرة هو المثير للريبة، والشارع سيضع عدة احتمالات هي هل هناك ضلوع داخلي إيراني في تصفية هذا الطاقم أو تدخلات خارجية خططت لعملية اغتيال والتحقيقات تحتاج وقتاً لمعرفة أسباب سقوط المروحية”.
وتضيف: “في حال تسرّبت معلومات تؤكد أن العملية مدبرّة وليست قضاء وقدراً، فهذا الأمر سيضع إيران في مظهر ضعيف أمام العالم وهنا سيثير الشارع الإيراني الشعبي خاصة أن خلافات شديدة ما بين الشارع والنظام الحاكم تُرجمت عبر موجات احتجاجية بالإضافة إلى الوضع الإقليمي المتأزم وعدم استقرار الوضع الخارجي لإيران بسبب ما يحصل في قطاع غزة ناهيك عن ملف الحوثيين الذي تتهم دول عربية وأجنبية كبيرة إيران بدعمهم ما يزيد من انهيار الوضع الاقتصادي على كاهل الإيرانيين بسبب العقوبات لذا من يحدد مصير مستقبل الدولة هو الشعب الإيراني، رغم ذلك مقتل رئيسي لن يؤثر على الشارع الداخلي ولا حتى السياسات الخارجية ولكن التساؤل من المستفيد من مقتله خاصة أنه كان المرشح الأول لخلافة منصب المرشد الروحي الأعلى للبلاد؟
الحرس الثوري هو من يحدد
وتستبعد الضاوي أن يكون هناك نية للمرشد بتأهيل محمد مخبر كي يكون رئيس البلاد المقبل ولو نيته ذلك لأعلن بأن مخبر سيتولى منصب الرئاسة حتى انتهاء ولاية الرئيس الراحل ولما كان يُعلن بأن الانتخابات ستكون بعد 50 يوماً “هو مرشّح من مرشحين كثر ولكنه ليس الأبرز كما يقال، هناك حرب بين صقور المحافظين على السلطة لكن الأمر سيُحدد بعد اتفاق ما بين الحرس الثوري والمرشد الأعلى، وفي حال تم تأجيل الانتخابات بسبب عدم استقرار الشارع، وهذا الاستقرار منوط بملفين بارزين أولهما الوضع الأمني في قطاع غزة وهل ستتوسع الجبهات، الملف الثاني هي التحقيقات التي ستبدأ وتتوضح خلال أسابيع حول ما إذا كان مقتل تلك الشخصيات قضاء وقدراً أو مدبّرة، وعلى ضوئه ستتغير الأمور”.
وتختم في حديثها مع “963+”، بأنه وفق متابعتها وقراءتها للملف الإيراني حول من سيخلف رئيسي مستقبلاً “لا أعتقد إطلاقاً بأن يكون للإصلاحيين دور في الانتخابات الرئاسية المقبلة الذين تم الإطاحة بهم في الانتخابات الماضية وتم وضعهم بما يشبه الإقامة الجبرية، الوجوه المرشحة كثيرة وجميعها من داخل حزب المحافظين لكن ليس هناك اسم واضح ومحدد حتى الساعة، الحرس الثوري هو من سيضع الرئيس القادم والسياسة في إيران دائماً فيها مفاجأت بمعنى غالباً ما يأتي رئيس لم يكن اسمه مطروحاً وبارزاً بوقت سابق، مثال على ذلك حين أتى أحمدي نجاد لم يكن شخصية بارزة بتاتاً”.