خاص – حلب
تسيطر قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا على مدينة الباب منذ كانون الأول/ ديسمبر 2016، لكنها تكتسي حتى اللحظة أهمية كبيرة، سياسياً واستراتيجياً، بالنسبة إلى قوات الحكومة السورية. فهذه المدينة نقطة انطلاق رئيسية للمشروع التركي في شمال سوريا، المشروع الذي تريد دمشق إجهاضه، خصوصاً بعدما أعلنت تركيا سابقاً ضم “الإدارة المدنية لمدينة الباب” إلى ولاية عينتاب التركية.
جغرافياً، تقع مدينة الباب على الجهة الشمالية الشرقية لمحافظة حلب، على بعد 17 كم تقريباً من الحدود السورية – التركية، أي تتوسط المسافة بين حلب والحدود التركية لذا تعد صلة وصل مهمة بين الشرق والغرب، وسيطرة قوات الحكومة السورية عليها يعني إشرافها على مدينة الراعي المحاذية للحدود السورية التركية، وعلى طريق “أم 4” الذي يصل حلب بمنبج، مروراً بمدينة الباب.
تقاسم نفوذ
منذ أواخر شباط/فبراير 2017، سيطرت القوات الحكومية السورية وحلفاؤها على مدينة تادف الواقعة جنوب الباب، وذلك بعد ما انسحب منها عناصر تنظيم “داعش” المصنف جماعة “إرهابية” لدى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية وآسيوية أخرى. جعل ذلك تادف نقطة في الخط الفاصل بين القوات الحكومية من جهة، وفصائل “المعارضة المدعومة من تركيا” من جهة أخرى، وفق بيان وزارة الدفاع الروسية الصادر في 11 فبراير 2017، الذي شددت فيه روسيا على أن هذه النقطة كانت مثار بحث مع الجانب التركي.
في المقابل، تسيطر قوات “المعارضة” على مدينة الباب منذ ديسمبر 2016، وتسجل اشتباكات متقطعة بين الحين والآخر مع القوات الحكومية وفق السكان المحليين. يقول عامر السبعاوي، وهو من سكان قرية أبو جبار المتاخمة لتادف، إن هذه الاشتباكات تحصل كل أسبوع تقريباً في تادف والنقاط المحيطة بها من جهة الغرب، “وغالباً ما تستخدم فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بسبب تسلل أحد الطرفين إلى مناطق سيطرة الطرف الآخر”. يضيف لـ “963+”: “هذا التقاسم في مناطق النفوذ حرمني والكثير غيري من الفلاحيين في القرى القريبة من الوصول إلى أراضينا في مناطق سيطرة ’المعارضة‘، فلا يمكننا زراعتها لأنها خارج سيطرة القوات الحكومية”.
على ما هو عليه
هذه الاشتباكات مرشحة للاستمرار طويلاً، إذ يقول الكاتب والمحلل السياسي غسان يوسف لـ “963+” إن القوات الحكومية تريد السيطرة على مدينة الباب، لكن مفاوضات مسار أستانا تمنعها من ذلك، “فالمسار الذي تم الاتفاق عليه في الدورة الحادية والعشرين من مباحثات أستانا يمنع توسيع الجبهات، ويحد من الصدام المباشر العنيف بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة السورية”.
ومحادثات أستانا للسلام في سوريا بدأت بين ممثلي الحكومة السورية وعدد من قادة فصائل المعارضة السورية برعاية روسية إيرانية وتركية، في العاصمة الكازاخستانية أستانا، في 23 و24 كانون الثاني/يناير 2017. جرت جولات عدة من المباحثات، أفضت مفاوضات “أستانا 4” في 4 أيار/مايو 2017 إلى اتفاق “خفض التصعيد” لإقامة أربع مناطق آمنة في سوريا مدة ستة أشهر قابلة للتمديد.
يضيف يوسف: “أي تحرك تقوم به القوات الحكومية السورية سيكون بالتنسيق مع روسيا وإيران، وأعتقد أن هاتين الدولتين لا تريدان أي مشكلة اليوم مع تركيا”، علماً أن موسكو وطهران منخرطتان في محادثات أستانا والاتفاق الرباعي (أنقرة وطهران وموسكو ودمشق). وفي حال سيطرت القوات الحكومية السورية على الباب، فستكون لها أولوية استراتيجية وستملك ورقة تفاوض قوية لقرب المدينة من مناطق ’قوات سوريا الديموقراطية‘ (قسد) والحدود التركية، بحسب يوسف، لافتاً إلى النية التركية الدائمة في السيطرة على محافظة حلب السورية، “التي ما زالت تعدّها جزءًا من أراضي السلطنة العثمانية، وقد حاولت ذلك من خلال فصائل المعارضة السورية الموالية لها، وحين فشلت في ذلك، نفذت عملية “درع الفرات” في عام 2016، كي تمكن فصائل المعارضة من البقاء في الباب”.
مفتاح للحل
في هذا السياق، يصف الدكتور كمال الجفا، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، مدينة الباب بأنها مفتاح رئيس لحلحلة الكثير من العقد في مناطق السيطرة المختلفة في شمال حلب، خصوصاً في منبج وعفرين ومناطق تواجد “قسد” في كوباني، ومن هذه العقد حفظ التوازنات الدولية للقوى المشاركة في الصراع السوري.
يقول الجفا لـ “963+” إن جبهات القتال وخطوط تقاسم السيطرة بين القوى الموجودة على الأرض مرتبطة باتفاقيات دولية مع أطراف خارجية، كالولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران، وحتى بعض الدول الأوروبية الفاعلة في الملف السوري، “واتخاذ القوات الحكومية السورية وحلفائها قراراً بالتقدم نحو مدينة الباب من دون تنسيق مع تركيا يعني الدخول في حرب مباشرة مع الجيش التركي”، لافتاً إلى أن هذه المنطقة تخضع لعمليات تتريك لربطها بشكل وثيق بالداخل التركي، عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وتعليمياً”.
يرى الجفا أن القوات الحكومية لن تفتح جبهة الباب اليوم، “على الرغم من قدرتها على مجابهة الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا في الباب، والجماعات الأخرى في ريف حلب الغربي والجنوبي وجبهات ريف إدلب، وسبق لها أن خاضت معارك واسعة على جبهات متعددة بين عامي 2018 و2020، ولا إشكالية في عدد الفصائل العسكرية الموجودة في الباب ولا تسليحها ولا قدراتها القتالية”.
ووفق الجفا فإن الأمر مرهون بالقرار السياسي فحسب، “وميزان القوى العسكرية يميل لصالح القوات الحكومية، وهي قادرة على تطهير الباب ومحيطها من الفصائل المنضوية تحت راية ما يسمى ’الجيش الوطني‘ و ’الحكومة المؤقتة‘، وأرى أن المعركة مؤجلة إلى ما بعد انتهاء الحرب في غزة وجنوب لبنان واليمن وأوكرانيا والانتخابات الأميركية التي ستحدد اتجاهات التحالفات”.
و”الجيش الوطني” تشكيل عسكري متحدر مما عُرف بـ “الجيش السوري الحر”، أعادت تركيا تنظيمه في 30 أيار/مايو 2017، و”الحكومة المؤقتة” شكلتها مجموعات من المعارضة السورية إلى جانب “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”.
ويختم الجفا: “كذلك، تؤدي التطورات الداخلية في سوريا دوراً، من حيث التغيرات الجذرية التي تجري في بنية النظام السياسي والأمني السوري والتسويات التي ربما يتم التوصل إليها مع قوى سورية معارضة وبرعاية عربية، فيسهل حينها توسيع سيطرة الحكومة السورية على مناطق تنتشر فيها اليوم قوى معارضة، بمعزل عن المعارك التي كانت الفيصل في توسيع سلطة الدولة وسيادتها على مساحات واسعه من الاراضي السورية”.