خاص – ربيع دمج/ دبي
اكتظ معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين بنحو 1350 ناشراً من 90 دولة، بينهم 140 ناشراً يشاركون للمرّة الأولى، إلى جانب 12 دولة تشارك لأول مرة في المعرض، هي اليونان وسريلانكا وماليزيا وباكستان وقبرص وموزمبيق وكازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان.
وتميّزت دورة 2024 من المعرض، التي استمرت بين 29 نيسان/أبريل الماضي و5 أيار/مايو الجاري، بإعلان الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ شخصية محورية.
فتحت ﻋﻨــﻮان “ﻧﺠﻴــﺐ ﻣﺤﻔــﻮظ ﻣــﺮآة ﻟﻠﺘﺎرﻳــﺦ واﻟﻤﺠﺘﻤــﻊ”، عُقدت أوﻟــﻰ ﺟﻠﺴــﺎت ﺑﺮﻧﺎﻣــﺞ اﻟﺸــﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺤﻮرﻳــﺔ للمعرض، بمشاركة اﻟﺪﻛﺘــﻮر أﺣﻤــﺪ زاﻳــﺪ ﻣﺪﻳــﺮ ﻣﻜﺘﺒــﺔ الإسكندرية. كذلك، أطلقت الجلسة الافتتاحية لهذه الدورة برنامج “ضيف الشرف” المتمثل في جمهورية مصر العربية، كأول دولة عربية تحصل على هذه الاستضافة في تاريخ المعرض، تقديراً لدورها الأدبي والثقافي والفني.
ومن الفعاليات والمؤتمرات المميزة في هذا العام تلك الخاصة بالأطفال. فقد شهدت هذه النسخة من المعرض 15 ندوة وحلقة ثقافية في أدب الأطفال وكيفية مخاطبة طفل اليوم في ظل تطور الذكاء الإصطناعي. ويقول الطنيجي إن كتب الأطفال حلت في المرتبة الثانية بين الأكثر مبيعاً.
الصين الكبيرة
وكان لافتاً في هذا العام مشاركة جمهورية الصين الشعبية التي وصفها سعيد الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية ومدير المعرض، بأنها “الأكبر عالمياً على صعيد دولة مشاركة في حدث ثقافي”.
فقد شاركت الصين بسبعين ضيفاً من ناشرين وكتّاب ومترجمين ومسؤولين، يمثلون 80 دار نشر صينية بعضهم حضوريّاً والباقي توكيلاً، ضمن وفد يقوده رئيس المجموعة الصينية للإعلام الدولي دون تشانغ يوان، مقدمين في 9 أجنحة تمتدّ على مساحة 465 متراً مربّعاً في المعرض، تاريخاً وحاضراً صينيّاً يخطف الأنظار ويؤكّد حرص جمهورية الصين الشعبية على الحفاظ على درجة ثقافية مزدهرة، ومدى تقارب فاعل بينها وبين شعوب المنطقة العربية.
ويقول الطنيجي لـ”963+”: “اطلع الزوار على الحضارة الصينية من بوابة الصناعات الثقافية والتراث غير الماديّ، إذ عُرضت مسابقة مواهب اللغة الصينية في الإمارات لطلبة مدارس أبوظبي بالتعاون مع السفارة الصينية، كما أُطلِقَت منصة النشر والتعاون في الثقافة الصينية – العربية، بالشراكة بين مركز أبوظبي للغة العربية والمجموعة الصينية للإعلام الدولي”، والتي تشهد انضمام عشر دور نشر عربية وعشر أخرى صينية، بهدف تشجيع الترجمة عن الصينية للعربية.
أربع دور سورية
شاركت في نسخة هذا العام من المعرض أربع دور نشر سورية فقط: “الحافظ للنشر” و”دار كنعان” و”دار السويد للنشر” و”دار التكوين للنشر”. والملاحظ كان غياب أصحابها، وإرسالهم من ينوب عنهم إلى المعرض.
وقال أحمد سامي، ممثل “دار التكوين للنشر”، لـ”963+” إن أكثر الكتب مبيعاً وطلباً في دارهم هي الكتب النفسية التحليلية والفلسفية ثم الروايات ثم كتب الأطفال. يضيف: “ترجمنا في هذا العام كتاب ’المنطق الرمزي‘ الذي ألفه برتراند راسل، وهذه أول ترجمة للكتاب إلى العربية منذ صدوره قبل نحو 60 عاماً”.
كذلك، أصدرت هذه الدار الترجمة العربية لكتاب “التحليل النفسي”، وست مؤلفات للمفكر العراقي عبد الرزاق الجبران، والأعمال الكاملة للكاتب والمفكر السوري فراس السواح، “وقد وصل عددها إلى 25 كتاباً، إضافة إلى كتاب جديد قيد الإنجاز”، بحسب سامي.
وحققت إصدارات “دار كنعان” الجديدة مبيعات مقبولة، بحسب نهاد الهاشم، ممثلة الدار في المعرض. أضافت لـ”963+” أن أبرز الكتب الأكثر مبيعاً رواية “ظلال ماري” للكاتب زكي الديراوي، وكتاب “رسائل في الأمومة والأنوثة والحياة” للكاتبة تسنيم راجح، وكتاب “الحكايات” المترجم من الإيطالية للكاتب إيتالو كالفينو، “وهذا كتاب في الفلسفة وعلم النفس، يتحدث عن حكايات الحرب التي تُظهر مزيجاً غنياً من القسوة والمرح والرعب واللهو والإثارة، وتصل إلى حدود العبث والتراجي-كوميديا، استوحى كالفينو معظمه من تجربته الشخصية في الحرب”.
مشاركات ثقافية
ربما تكون مشاركة الرسام والنحات السوري خالد الطباع واحدةً من أبرز الفعاليات الثقافية التي استقطبها المعرض في هذا العام، إذ عرض الطباع منحوتات تتحدث عن الصراع النفسي التكويني للإنسان “وهي تحاكي الصراع النفسي في ظل الحروب والتطور الصناعي والتقني”. وعلّق الطباع على دور الذكاء الإصطناعي في الفنون، وهو كان محور الجلسات النقاشية في المعرض أسبوعاً كاملاً، فقال لـ”963+”: “سيقضي على فن الرسم والنحت، لكن هذا الأمر يستغرق وقتاً طويلاً”، مرجحاً أن يكون الرسم مهدداً أكثر من النحت.
أضاف الطباع: “في كل الأحوال، يهدد التطور التقني الكثير من المهن التي ستنقرض بعد فترة، لكن علينا نحن الفنانين عدم الاستسلام”، مطالباً الوزارات الثقافية بدعم الفنون لحمايتها من الاندثار.
وفي الجو السوري نفسه داخل المعرض، وقع الصحفي والكاتب سامي زرقا روايته الثالثة “أنجبَت حباً”، الصادرة عن وزارة الثقافة الإماراتية. لكن، أما زال العرب يقرأون الروايات السورية؟ يجيب زرقا لـ”963+”: “بالتأكيد، ما زالت الرواية تستقطب الجمهور العربي، فالرواية تخرج من محليتها إلى الفضاء العربي الرحب”، مضيفاً أن من يهوى القراءة لا يهمه إن كان الكتاب الذي يقرأه عن حدث في سوريا أو لبنان أو الإمارات أو المغرب.
يتابع زرقا: “ليس الجمهور الخليجي الأكبر من حيث التسويق، لكنّه الأهم. فهو من يملك المال لشراء الكتاب، وهناك فئة لا بأس بها تقرأ وتهتم بالأعمال الأدبية، وفي الخليج أيضاً من يؤلف، وقد نشر كثيرون أعمالاً صارت معروفة، لكن يجب ألا ننسى الجمهور العربي بشكل عام على اتساع الخارطة الجغرافية، فكثيرون يقرأون، وينتقدون، ويحللون، وهذا كله تبعاً لحالة كل إنسان المادية وقدرته على شراء الكتب”.
مخطوطات نادرة
في نسخة هذا العام من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، عرضت مكتبة مسجد الشيخ زايد الكبير مجموعة نادرة جداً من الكتب الإسلامية، في الفلك وتفسير القرآن، وفي الجغرافيا وتراجم البلدان العامرة بالخرائط النادرة وفي الفلسفة وعلم الحياة، “لكنها كانت كتباً للعرض، وليست للبيع”، كما قال سعيد المانعي، المسؤول العام عن تلك المكتبة، مضيفاً لـ”963+”: “تملك مكتبتنا أكثر من 500 مخطوطة تاريخية نادرة، محورها الحضارة الإسلامية وتاريخها، وآثار العمارة الإسلامية في الشرق الأوسط، إضافة إلى كتب تاريخية عن شبه الجزيرة الهندية والأندلس وبلاد فارس”.
تابع المانعي: “إنها كتب نادرة يصعب الحصول عليها، تعود إلى القرن السابع عشر، بقيت منها في العالم نسخ قليلة جداً، وتحتاج إلى عناية خاصة. لذا، نحفظها في مكان صُمِّم خصيصاً لها في مكتبة الجامع، ونضعها في كل فترة في الثلاجة مع كتب أخرى لصيانتها”.
كذلك، شهد المعرض في هذا العام مشاركة دور نشر عالمية بكتب ومخطوطات نادرة عن التاريخين العربي والإسلامي، تحديداً في منطقة شبه الجزيرة العربية. فعلى سبيل المثال، عرضت دار بيتر هرنغتون البريطانية بموسوعة نادرة وضخمة تضم أول أطلس عالمي فيه أقدم خرائط لشبه الجزيرة العربية.
وقالت ليزا فلينغمان، مسؤولة جناح هذه الدار، لـ”963+” إن لهذا النوع من الكتب رواده المهتمين بالتاريخ والجغرافيا والآثار وليس موجهاً للعامة، “ومن هنا ارتفاع ثمنه، إذ هو معروض بنحو أربعة آلاف دولار أميركي”.