خاص – حلب
في غرب مدينة حلب، وفي حي صلاح الدين الذي يُصنف بين العشوائيات، تلوي لينا شوبك (33 عاماً) الخيزران بهمة قل مثيلها، لتصنع منه شيئاً جميلاً.. لن تراه. تبتسم، فتروي ابتسامتها قصة تغلبها على حرمانها نعمة النظر، وتحلّيها بالصلابة والإصرار على تحدي الصعوبات.
تعلمت لينا أشغال الخيزران وكانت بعد في العاشرة من عمرها. تقول لـ “963+”: “وضعي الصحي سبب لي متاعب حياتية كثيرة، أولها التنمر الذي لقيته من زملائي في المدرسة، وبسببه ما زلت أعاني نفسياً حتى الساعة”. لكن، بسبب هذا التنمر، تولّدت في نفس لينا ردة فعل مختلفة. تضيف: “اخترت أن أوجّه ردة فعلي على تنمرهم إلى ما يفيدني ولا يغيظني، فتعلمت حرفة الخيزران، وقررت أن أكون مبدعة في حرفتي هذه”.
تصنع لينا من الخيزران الصلب أشياء جميلة، فتضعه في الماء المغلي حتى يلين، لتشكّله مزهريةً أو مقلمةً وسلةً. ولا تقف لينا عن العمل إلى أن تنهي ما بيدها، حتى سمّتها والدتها “السبّاكة”، لأن حرفتها هذه تشبه حرفة السباك الذي يروض الفولاذ الصلب ليصنع به أشكالاً لا تخطر في بال.
تتنهد لينا إذ تتوقف عن العمل قليلاً لتتحدث عن بداياتها “الصعبة” كما تصفها. تقول: “بدأت بصناعة علبة محارم ورقية وسلة غسيل، وتطورت بعدها وأتقنت الحرفة فأخرجت من الخيزران كل ما يأتي في مخيلتي”.
لكن، إن هانت الحرفة في يدها، فقد صعبت عليها أمور أخرى. فالمواد الأولية، كما تقول، صارت باهظة الثمن، “إذ وصل ثمن كيلوغرام الخيزران إلى 350 ألف ليرة سورية (نحو 25 دولاراً أميركياً)، ووصل ثمن كيلوغرام البلاستيك إلى 250 ألف ليرة سورية (نحو 20 دولاراً أميركياً)، إضافة إلى شراء الخشب لصنع أرضية القطع التي أصنعها”.
لو كان لي دكان!
تسوّق لينا ما تصنعه يداها عبر الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، “وأتمنى كثيراً لو يكون لي دكان صغير، أعرض فيه مصنوعاتي، لكن الدخل من هذه الحرفة محدود حالياً، ولا يسمح لي بتحقيق هذه الأمنية، لذلك أعرضها في محلات الضيافة والحلويات، وهذا يجعلني سعيدة”.
لا تشعر لينا بأي تعب، “ففسحة الأمل عندي واسعة جداً”، كما تقول، متحدثة عن مشاركتها بمصنوعاتها في معرض نظمته غرفة تجارة حلب، وفي معارض تقام سنوياً بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، “وأطمح أيضاً إلى المشاركة في معارض دولية، كي يرى العالم كله أن الكفيف يستطيع أن يبدع، ولا حدّ لإمكاناته إلا الخيال، والضرير في المجتمعات الشرقية مهضوم حقه”.
الاستمرار في العمل هو سر النجاح. على هذه القاعدة تسير لينا في حياتها، ولو بأجر قليل. تعترف أن مصنوعاتها من الكماليات، وأن الوضع الاقتصادي الذي يعيشه السوريون في مناطق الحكومة السورية صعب جداً، وأن شراء مصنوعات الخيزران مكلف جداً، “لذلك لا أحزن عندما أرى كثيرين يُعجبون بقطعة من مصنوعاتي لكن ثمنها يفوق قدرتهم الشرائية، بل أحزن كثيراً لأننا وصلنا إلى هذه الحالة الاقتصادية المزرية، ولأن المواطن يفاضل بين سلة جميلة مصنوعة من الخيزران ووجبة طعام لعائلته، والجواب لا يحتاج إلى ذكاء”.
توصي لينا كل امرأة سورية بالعمل على مشروع خاص لتحقق دخلاً كافياً يخفف عنها وعن عائلتها الكثير من الأعباء المالية، قبل الزواج أو بعده. تقول لـ”963+”: “المشروع الخاص يعزز حضور المرأة في المجتمع ويمكّنها في هذا الزمن على كسر روتين الحياة، والأهم من ذلك يجعلها قوية في عيون الآخرين، فلا يستغلها أحد”.
بألف رجل
في كل يوم، تنكبّ لينا من الساعة 12 ظهراً إلى الساعة 5 مساءً على تنفيذ ما يطلبه عملاؤها الذين يرغبون في اقتناء مصنوعاتها الجميلة، ولا يشغل بالها إلا أن تنال رضاهم. تقول: “في هذه الساعات، يكون زوجي في عمله، وأنا لا أريد أن أقصر في حقّه، ولا أعمل في يوم الجمعة”.
تعرفت لينا على محمد قربي (48 عاماً) حين كانت تعمل موظفة إدارية في مستشفى الجامعة في حلب. تقول: “تبادلنا الإعجاب سريعاً، لكنني خفت كثيراً من أن يتركني في منتصف الطريق. إلا أنه بدد مخاوفي هذه باهتمامه بي وتفانيه في سبيل إسعادي”.
تزوجت لينا من محمد الذي يعاني أيضاً مشكلات جزئية في النظر. تقول: “أنساني هذا الزواج الكثير من معاناتي، واستطاع محمد أن يمحو من ذاكرتي ذكريات التنمر والخوف”.
يساعد محمد لينا في تسويق مصنوعاتها، ويتولى إيصالها بنفسه إلى من يشتريها. تقول لينا: “يحب محمد ما أصنع، وهو ’الداعم الكبير‘ لي، ويمكنني أن أقول إنه رجل بألف رجل”.