تفاجأت لبنى (42 عاماً)، وهي أم لثلاثة أطفال، برفض الأمن العام اللبناني تجديد إقامتها وفقاً لعقد الإيجار بذريعة تعليق تلك الخدمة “حتى صدور تعليمات جديدة”. وهو ما جدد مخاوفها من البقاء في لبنان بشكل مخالف لنظام الإقامة خصوصاً بعد موجات التحريض والعنف ضد السوريين بعد مقتل باسكال سليمان، مسؤول حزب “القوات اللبنانية” في قضاء جبيل شمال العاصمة بيروت، منذ أسبوعين.
لا إقامة بعقد إيجار
في حديث خاص مع موقع “963+”، رأت لبنى أن في لبنان “لا شيء ثابت بل كل يوم هناك قرار”، فيما أصبحت الآن مخالِفة لنظام الإقامة بعد أن كانت قبل عشرة أيام واحدة من بين حوالي 300 ألف سوري متواجدين في لبنان بشكل قانوني وفقاً لتصريحات وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، الذي أضاف، بأنّ هناك “800 ألف سوري مسجّلين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومليون و200 ألف غير مسجّلين”.
وكانت لبنى قد دخلت لبنان بشكل شرعي قادمة من سوريا، واستقرت في منطقة سن الفيل شرقي بيروت منذ ما يقارب الأربعة سنوات، حيث “كنت أعيش مع أولادي الثلاثة في شقة صغيرة بشكل قانوني وشرعي كل هذه المدة”، مؤكدة أنها أصبحت اليوم مخالِفة بسبب قرارات الأمن العام الهادفة للتضييق على السوريين و”دفعي للعودة إلى سوريا رغم المخاطر”، على حد تعبيرها.
تروي السيدة الأربعينية بأنها تعيش حالة من الخوف على أطفالها من تزايد العنف ضد السوريين، وتقول لموقع “963+”: “وين بدي روح، على سوريا ما فيي أرجع وبالبحر ما فيي خاطر بولادي”.
وترافقت حملات التحريض ضد اللاجئين بعد مقتل باسكال سليمان، في السابع من نيسان/أبريل الجاري على يد أشخاص سوريين، مع تضييق البلديات على من لا يحمل إقامة وإعطاءه مهلة للمغادرة، إضافة إلى إيقاف الأمن العام اللبناني معاملات الإقامة وفقاً لعقد الإيجار أو كفالة مصرفية، ورفعه رسوم باقي أنواع الإقامات، وهو ما حرم عدداً من السوريين من إمكانية تجديد إقاماتهم وبالتالي أصبحوا مخالفين للقوانين ومعرّضين للترحيل.
إغلاق محال وخسارة عمل
على صعيد موازٍ، خسر بعض السوريين، وخصوصاً في جبيل ومنطقة برج حمود وعاليه قرب بيروت، عملهم، إذ اضطر أصحاب المحال منهم إلى بيع بضاعتهم بأقل من قيمتها قبل الإغلاق النهائي، عدا عن خسارة عمال توصيل الطلبات (الديليفري) من السوريين لعملهم في جبيل وغيرها من البلدات القريبة.
سامر الحسن هو واحد من اللاجئين الذين اضطروا للبدء بتصفية بضائع محلهم تمهيداً للإغلاق بعد جريمة الغزونية في منطقة عاليه، والتي وقعت منذ أسبوع وأودت بحياة لبناني قُتل من قبل سوريين حاولوا سرقته حسب بيان للقوى الأمنية اللبنانية. يقول الحسن لموقع “963+”: “لم نتعرض لتهديد أو اعتداء جسدي في عاليه بعد الجريمة التي حدثت والتي تبين أن من قام بها سوريين، ولكننا خسرنا عملنا”.
ويُخبر الرجل الخمسيني أن العمل في منطقة عاليه بات “ضرباً من الجنون”، خصوصاً أن محله غير مرخص باسمه ولا يمتلك إجازة عمل قانونية تؤهله لفتح المحل. وهذا ما دفعه لتصفية بضاعته بأقل من سعر الجملة تمهيداً لإغلاقه والبحث عن عمل آخر في منطقة أخرى.
ويوضح الحسن أن محله يحوي ملابس متنوعة وأن الإقبال على الشراء ضعيف رغم “حرق الأسعار وبيع القطعة بدولار أميركي واحد بينما ثمنها 5 دولارات”.
عمال “الدليفري” بلا عمل
حال الحسن مثل أحوال كثيرين اضطروا لترك عملهم وخسارة مصدر رزقهم الوحيد كنتيجة لتداعيات خطف وقتل مسؤول حزب “القوات اللبنانية”. إذ تعاني منطقة جبيل ومدينة البترون القريبة من عدم توفر خدمة توصيل الطلبات بسبب تردد السوريين في مزاولتها حالياً خوفاً على حياتهم.
وهذا ما حدث مع وليد (26 عاماً) الذي اختبأ في منزله لأكثر من أسبوع خوفاً على حياته، فيما يقول لموقع “963+” أنه “بعد هدوء الأوضاع نسبياً في جبيل تركت عملي في توصيل الطلبات”، مضيفاً أن معظم السوريين الذين يعملون في مهنة “الديليفري” تركوا عملهم “خوفاً من أن يتعرضوا لاعتداءات من الشبان الغاضبون أو شرطة البلديات”.
يبحث وليد كما غيره ممن خسر عملهم عن عمل آخر في مناطق آمنة نسبياً، فذهب مع وأربعة من أصدقائه السوريين إلى منطقة الحمرا في بيروت للعيش والبحث عن عمل، مؤكداً أنه والكثير غيره من السوريين “لا علاقة لهم بأي جريمة تحصل، وجرمهم الوحيد أنهم يحملون الجنسية السورية”، حسب تعبيره.
تعليقاً على هذه الأحداث، قالت المسؤولة الإعلامية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد لموقع “963+”، “إن المفوضية تراقب هذه التطورات عن كثب وتتابع الحالات الفردية للاجئين الذين أبلغوا عن تعرضهم للاعتداء أو العنف أو الإخلاء”.
وأضافت بأن المفوضية تدعو المجتمعات اللبنانية إلى الامتناع عن إلقاء اللوم بشكل جماعي وظالم على الأفراد السوريين، إذ تجدر حمايتهم من الاستهداف بسبب جريمة شنعاء لم يرتكبوها.
ترحيل السوريين اقترب
في عددها الصادر في 19 نيسان/إبريل الجاري، ذكرت جريدة الشرق الأوسط بأن الأمن العام اللبناني “مستعد لترحيل ما بين 2000 و3000 نازح غير نظامي يومياً في حال كان هناك قرار سياسي بذلك”، ناقلة هذه الأرقام عن “مصادر خاصة” في الأمن العام نفسه.
وفي وقت سابق من العام الجاري، أعلنت الحكومة اللبنانية عن تنظيم قافلة للعودة الطوعية من أجل “تخفيف أعباء اللجوء السوري في لبنان”، معلنة أيضاً عن تنظيم قافلة أخرى “قريباً”.
ويتواجد في لبنان نحو 2.1 مليون لاجئ سوري بحسب الوزارات اللبنانية، وأكثر من إحدى عشر ألف لاجئ من جنسيات أخرى، وفقاً لأرقام لمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان. فيما يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد ولكل كيلومتر مربع في العالم.
وفي الوقت الذي تنتظر فيه لبنى صدور التعليمات الجديدة من الأمن العام التي تسمح بتجديد إقامتها، “هذا في حال صدرت”، بحسب قولها، تعيش مع غيرها من اللاجئين في حالة من الخوف والذعر من إجراءات الأمن العام اللبناني والبلديات ضد السوريين المخالفين لنظام الإقامة.
وتشهد عشرات البلديات اللبنانية حراكاً في مجال ضبط المخالفين، حيث تقوم بإصدار بيانات رسمية تطلب من السوريين المغادرة أو ترك محالهم، كما تعمد، في بعض الحالات، إلى تسليمهم إلى الأمن العام اللبناني. في المقابل، لا تقوم معظم البلديات اللبنانية في هذا الأمر، سواء بسبب كونها محلولة قانونياً نتيجة وفاة، هجرة أو استقالة أغلب أعضاءها، أم بسبب عدم رغبة رؤساء البلديات في أن يغادر السوريون بلداتهم فتخف بالتالي عائدات بلدياتهم الضريبية.