يجمع المراقبون على أهمية الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، بعد انقطاع دام نحو 13 عاماً، تخللتها حقبة طويلة من التوتر والتجاذب، فرضتهما ملفات عديدة شائكة بين البلدين.
خلال هذه الزيارة التي تمت الإثنين 22 نيسان/أبريل الجاري، التقى أردوغان بالرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، وبرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في بغداد قبل أن يزور أربيل، عاصمة إقليم كردستان.
حظيت هذه الزيارة باهتمام إعلامي كبير، فهي الأولى لأردوغان إلى بغداد، وقد وصفها الرئيس التركي بأنها خطوة مهمة لأن “أنقرة توليها أهمية كبيرة، ففيها نرسخ علاقاتنا الثنائية على أساس مختلف”، فيما يرى محمد نور الدين، المحلل السياسي اللبناني المتخصص في الشان التركي، أنها تأتي “في إطار سياسات المصالحة التي بدأتها أنقرة منذ عامين مع دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، وسياسة العودة إلى تعزيز العلاقات مع واشنطن، والمصالحة مع مصر، العراق يحتل مكانة مميزة عند معظم هذه الدول، ما عدا الولايات المتحدة”.
ملف أمني شائك
بعيداً عن المسميات والتوصيفات، يقول نور الدين لـ “963+” إن أردوغان حمل معه في زيارته العراقية ملفات مختلفة على رأسها ملف الأمني، “وهذا اسم آخر لملف حزب العمال الكردستاني الشائك بالنسبة إلى أنقرة، إذ يقلقها وجوده في شمال العراق وعمله ضد القوات التركية، لذلك أمل أردوغان في نسج تعاون ميداني مع بغداد”، والدليل على ذلك توجه وزير الدفاع التركي يشار غولر ووزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس الإستخبارات إبراهيم قالين إلى بغداد وقت سابق من هذا الشهر، وتصريح غولر قبيل الزيارة أن أنقرة وبغداد تتجهان إلى توقيع اتفاقية استراتيجية للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، وأن الأنشطة المشتركة المتعلقة بمكافحة الإرهاب مستمرة.
وفي مؤتمر صحافي ببغداد، كرر أردوغان طلب بلاده من العراق تصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، فيما أكد السوداني أن بغداد لن تسمح باستخدام الأراضي العراقية لشن هجمات على أي دولة مجاورة.
يضيف نور الدين: “تسعى تركيا إلى إقامة تعاون عسكري مع العراق وقوات البشمركة الكردية، وربما تأمل أيضاً في مشاركة ’الحشد الشعبي‘ في عمليات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، وذلك من خلال تشكيل غرفة عمليات مشتركة”. لكن، هل ستتحقق آمال أردوغان في هذا التعاون؟ يقول نور الدين إن الإجابة آتية في الأشهر المقبلة، “خصوصاً أن أردوغان تعهد في وقت سابق أنه سيتخلص تماماً من حزب العمال الكردستاني خلال الصيف المقبل، أي بعد أشهر قليلة”.
هدف مستتر
لهذه الزيارة هدف آخر، تُرجم بحسب نور الدين في مسألة إنشاء طريق التنمية الذي يمتد من ميناء الفاو العراقي المطل على الخليج العربي، يمر في البصرة فالموصل العراقيتين، وصولاً إلى الحدود التركية القريبة من سوريا، “وتأمل تركيا أن يجعلها هذا الطريق الذي يمر عبرها وعبر العراق صلة وصل لا غنى عنها بين الشرق الأقصى والهند والخليج العربي وأوروبا… إن تم الخلاص من حزب العمال الكردستاني، طبعاً”، وفق تحليل نور الدين، “وعندها فحسب ستوافق تركيا على مدّ العراق بكميات إضافية من المياه، بعدما شحّت المياه في دجلة والفرات بسبب السدود التي أقامتها أنقرة على النهرين، وكأن كل أمر من الأمرين مرهون بالآخر”.
وكان السوداني قد قال في مؤتمر صحافي مواكب لزياة أردوغان إلى بغداد إنه بموجب الاتفاق الإطاري بين البلدين بشأن تقاسم مياه دجلة والفرات، وهي نقطة خلاف طويلة الأمد بين أنقرة وبغداد، “إن البلدين سينفذان مشروعات مشتركة في هذا الإطار، بما في ذلك تحديث أنظمة الري العراقية”، وكأنه يوافق على ما تطلبه أنقرة.
وبحسب الصحافية التركية أزكي آكين، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، سيستمر هذا الاتفاق 10 أعوام، وسيضمن الإدارة المشتركة والمتساوية للموارد المائية، “وربما تنهي حقبة طويلة من النزاع المائي، ومن الاتهامات التي توجهها السلطات العراقية للسدود التركية بالتسبب في انخفاض منسوب المياه على الجانب العراقي، ما أدى إلى تفاقم الجفاف في البلاد، فيما تطالب أنقرة بغداد بالتخلي عن تقنيات الري المتبعة، من أجل ترشيد استخدام المياه”.
لكن ثمة ما هو أكثر من اقتصادي في هذا الأمر. تقول آكين في مقالة لها بموقع “المونيتور” إن بروز دولتي قطر والإمارات بوصفهما راعيين محتملين لخط النقل الذي يمتد مسافة 1275 كيلومتراً (792 ميلاً) من البصرة الغنية بالنفط في جنوب العراق إلى تركيا عبر شبكة من الطرق وسكك الحديد، والذي تقدر قيمته بنحو 20 مليار دولار، يدفع إلى التفكير في أبعاد سياسية أخرى، تستتر وراء الشأن الاقتصادي.
أردوغان في العراق: هل يمر طريق التنمية بإلغاء “العمال الكردستاني” ولجم إيران؟
ويرى نور الدين في تحقق مشروع طريق التنمية مكسباً مهماً لتركيا وللعراق على حد سواء، على المستوى السياسي أيضاً. يقول: “بدعم من دولتي الإمارات وقطر، يساهم هذا الطريق في الحد من تغلغل إيران في العراق، ويمنعها من أن تكون الشريان الحيوي للتجارة بين العراق ومنطقة الخليج والهند”.
تحولات سياسية
لا شك في أن ما بعد حضور أردوغان في بغداد ليس كما قبله، ولا مفر من الاعتراف بأن 13 عاماً بين اليوم وآخر زيارة لأردوغان إلى بغداد في عام 2011 تمثل حقبةً من التغيرات السياسية فرضها توتر كبير، وظهور عوامل مهمة مؤثرة، منها ما يستمر ومنها ما اندثر.
يقول بيلغاي دومان، منسق الدراسات العراقية في مركز دراسات الشرق الأوسط ومقره أنقرة، لموقع “المونيتور” إن الفجوة الطويلة بين زيارتي الرئيس التركي “نابعة من الخلافات السياسية والخلافات الأمنية، وإن تركيا والعراق تدعمان، إلى حدٍ ما، أطرافاً مختلفة في الحرب الأهلية السورية”.
ويضيف: “في حين دعمت تركيا المتمردين السوريين الذين يقاتلون ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، اتخذت الحكومة المركزية العراقية موقفاً أوثق مع النظام السوري إلى جانب حلفائها إيران وروسيا، وذلك نتيجة النفوذ الإيراني المتزايد في العراق”.
وبحسبه، بعد انتخابات عام 2021، بدأت الحكومة المركزية العراقية تسعى إلى سياسة خارجية أكثر توازناً، “وتبرز تركيا واحدة من الدول التي ستساعدها على ضمان هذه السياسة المتوازنة”.