يبدو أن بعض الاتفاقات التي وقعها محمد شيّاع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، مع الجانب الأميركي، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن منتصف نيسان/أبريل الجاري لم ترق لبعض الجماعات العراقية الموالية لإيران. ففي خلال 24 ساعة، حصل هجومان استهدف أحدهما قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غرب العراق، فيما انطلق الثاني من الموصل نحو حقل العمر النفطي في سوريا، الذي يضم قاعدة تتمركز فيها قوات أميركية، بحسب غانم العابد، الخبير بالشأن العراقي.
ووفقاً لمصادر إعلامية، أعلنت “كتائب حزب الله” العراقي الاثنين أن الفصائل المسلحة العراقية المدعومة من إيران قررت استئناف هجماتها على القوات الأميركية، نتيجة عدم إحراز أي تقدم في المحادثات الرامية إلى خروج القوات الأميركية خلال زيارة السوداني لواشنطن، وأن هذين الهجومين هما “البداية”.
تفعيل العلاقات الخارجية
في تعقيبه عن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد، بعد عودة السوداني من واشنطن، رجّح مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن يكون الرئيس الأميركي جو بايدن قد نصح السوداني بضرورة تفعيل علاقات بغداد مع القوى الإقليمية الوازنة لتخفيف الضغط الإيراني على حكومته بشأن علاقات العراق الخارجية، “وربما يصب اتفاق بغداد مع مجموعة موانئ أبوظبي الإماراتية لإدارة مشتركة لميناء الفاو في هذا الإطار”.
قبل ذلك، أشار المركز نفسه إلى أهمية هذه الزيارة، نظراً إلى الطبيعة الخاصة للعلاقات بين البلدين، وإلى توقيتها الإقليمي الدقيق والصعب في ظل التعقيد الذي يهيمن على العلاقات الثنائية، نتيجة دفع الفصائل المسلحة حكومة السوداني إلى ضرورة مراجعة طبيعة التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، خصوصاً بعد تبادل هذه الجماعات والقوات الأميركية الهجمات الصاروخية والغارات بالمسيّرات، ما عدته القوى السياسية العراقية على اختلاف مشاربها المذهبية والسياسية انتهاكاً واضحاً لسيادة العراق، ومخالفة واضحة لتفويض بغداد للتحالف الدولي بزعامة واشنطن في عام 2014، والقاضي بمحاربة تنظيم “داعش”.
سعى السوداني في واشنطن إلى تحقيق التوازن بين المصالح الدبلوماسية والاقتصادية، وتسليط الضوء على الديناميات المعقدة بين الجانبين، والآثار الجيوسياسية الإقليمية لهذه الديناميات. لذا، كان متوقعاً أن يناقش الوفد العراقي العلاقات الثنائية من جوانبها كلها: الأمنية والتجارية والاقتصادية والطاقية والثقافية. حلّ أولًا التركيز على القضايا العسكرية وعلى العقوبات التي أثرت بشدة في الشبكات المالية التي تمول الفصائل العراقية المسلحة، وفقاً لمركز ويلسون، الذي أشار إلى أن واشنطن ترى في العقوبات “خطوة استراتيجية للحد من نفوذ الجماعات الموالية لإيران في العراق، وتحرير السوداني من الضغط الذي تمارسه هذه الجماعات”.
تتوافق أهداف السوداني جيداً مع أهداف إدارة بايدن التي تريد النظر إلى العراق بعيداً عن عدسة السياسة الإيرانية، وتسعى نحو هيكلية سياسية متكاملة “360 درجة” تضفي الطابع المؤسسي على الجوانب غير العسكرية، مثل قطاعات التجارة والتعليم والطاقة والمناخ.
جهود كبيرة
ووفقاً لمعهد واشنطن، ورثت الإدارة الأميركية الحالية علاقة مشحونة بالعراق في عام 2021، إذ كانت السفارة الأميركية في بغداد تضم الحد الأدنى من الموظفين بعد تهديدات مستمرة من جماعات مدعومة من إيران، كما أدى قرار مجلس النواب العراقي غير الملزم طرد القوات الأميركية من العراق إلى تعكير صفو العلاقة بين الدولتين.
حوّلت إدارة بايدن مهمة قواتها في العراق من قتالية إلى استشارية، وحققت حماية لقواتها وقوات التحالف، وزادت عدد موظفي سفارتها، ووسعت نطاق مشاركتها في المجالات غير الدفاعية. وحتى الأشهر القليلة الماضية، نجحت الجهود في عزل العراق عن التوتر الأميركي – الإيراني الذي يواكب الحرب المستعرة في غزة.
مع ذلك، وبعد ضرب القوات الأميركية منشآت وأفراداً تابعين للجماعات المسلحة الموالية لإيران، أشار بعض المسؤولين إلى أن السوداني وشركاءه السياسيين يسمحون باستخدام العراق منصةً لتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة، وأن هذه الضربات ضرورية لكنها غير كافية.
وبحسب معهد واشنطن، ما كان بايدن ليستقبل السوداني لو استمرت الفصائل المسلحة العراقية في مهاجمة القوات الأميركية، مشيراً إلى جهود كبيرة بذلت لمنع وقوع المزيد من الحوادث بعد هجوم 28 كانون الثاني/يناير الذي أسفر عن مقتل 4 جنود أميركيين في قاعدة عسكرية على الحدود الأردنية – السورية.
توتر.. ثم تهدئة
يقول العابد لـ”963+”: “تمخض عن زيارة السوداني إلى الولايات المتحدة توقيع العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات، كما تم بحث موضوع الشراكة التي ستحل مكان اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تتعلق بتواجد القوات الأميركية في العراق. ويبدو أن بعض هذه الاتفاقيات لم يرق للفصائل الموالية لإيران، فاتجهت نحو ممارسة الضغط بالتصعيد العسكري”.
بعد قتل مسيّرة أميركية مشتاق جواد السعيدي، نائب قائد “حزام بغداد” التابعة لـ “حركة النجباء”، المصنفة جماعة إرهابية لدى واشنطن، في 4 كانون الثاني/يناير الفائت، تأزمت العلاقة بين بغداد وواشنطن، خصوصاً عندما وصف السوداني العملية بأنها “جريمة”، وحين أكد موقف حكومته “الثابت والمبدئي” من إنهاء وجود التحالف الدولي بعد انتهاء مبررات وجوده. أضاف السوداني حينها: “نعمل على تحديد وقت لبدء الحوار من خلال اللجنة الثنائية التي تم تشكيلها لتحديد ترتيبات إنهاء هذا الوجود”.
مع ذلك، وفي أثناء حديثه لوكالة رويترز في العاشر من الشهر نفسه، أرسل السوداني رسالة تهدئة إلى واشنطن، بقوله إن المطلوب محادثات لإنهاء وجود القوات الدولية في العراق، وليس لإنهاء الشراكة بين العراق والتحالف الدولي، واصفاً هذه المفاوضات التي يطالب بها بأنها “بداية لعلاقات ثنائية وثيقة بين العراق والولايات المتحدة ودول أخرى، بما في ذلك العلاقات الأمنية”، مضيفاً: “ليس لدينا أي تحفظات على توقيع اتفاقيات أمنية ثنائية للتعاون الأمني العام أو لأغراض التدريب وبناء القدرات”.
أبو فدك يحرج السوداني
إن إثبات أهمية تعزيز الشراكة بين البلدين، ضروري أن يراعي بايدن النقطتين الآتيتين: أولاً، تتحقق مصالح واشنطن بالاستثمار المستمر في قوات أمن عراقية محترفة وقادرة، وهذا يتطلب أن يضمن السوداني عدم وصول العتاد الأميركي والخبرات الاستخبارية والمنافع الأخرى إلى الإيرانيين؛ ثانياً، صوغ خطة عمل عراقية لتقليص النفوذ الإيراني تشمل تسريع الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة مع استمرار تخفيف العقوبات، وإصلاح قطاعه المصرفي، واتخاذ خطوات لمواجهة الجماعات المسلحة التي تتلقى التمويل والأسلحة والأوامر من طهران.
وكان عبد العزيز المحمداوي، رئيس أركان هيئة “الحشد الشعبي” المعروف باسم أبو فدك، قد أحرج السوداني علناً باعترافه تلقي الأوامر من مسؤول أجنبي، وذلك في تصريح خلال مسيرة “يوم القدس” بالعاصمة الإيرانية في 5 نيسان/إبريل الجاري.
قال أبو فدك: “جئنا إلى الجمهورية الإسلامية أولاً لتجديد تضامننا مع برنامج السيد القائد والسيد الإمام، وثانياً لتجديد عهدنا (الولاء للمرشد الأعلى) وننتظر موقف السيد القائد، وكيف سيكون الرد على الاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق؟”، وذلك قبل أن تبادر إيران إلى الرد مباشرة على إسرائيل بإطلاق موجة صاروخية نحو الأراضي الإسرائيلية في 13 نيسان/أبريل الجاري.
وتابع أبو فدك أن “قوات الحشد الشعبي” جزء أساسي من المعركة في غزة وفلسطين”، مؤكداً مشاركة منظمته الممولة من الدولة العراقية في نزاع إقليمي ليست الدولة العراقية طرفاً فيه.
تقليص نفوذ طهران
يقول الغانم إن الشراكة العراقية – الأميركية ستقلّص النفوذ الإيراني في العراق. إلى جانب ذلك، ستقلل الاتفاقيات التي وقّعت مؤخراً بين العراق من جهة، وتركيا والإمارات وقطر من جهة أخرى، حول طريق التنمية وانفتاح العراق على هذه الدول مجتمعة، منسوب النفوذ الإيراني، فيما تسعى إيران لإشاعة الفوضى في العراق كي يبقى نفوذها فاعلاً، وذلك من خلال هجمات مسلحة تعرقل تنفيذ الاتفاقات التي تعقدها الحكومة العراقية.
إلى ذلك، المطلوب الضغط على السوداني لضمان عدم قيام الفصائل الموالية لطهران بإطلاق صواريخ وطائرات من دون طيار على إسرائيل والأردن وسوريا ودول أخرى، أو نشر الإرهاب في أنحاء المنطقة.
والمطلوب من السوداني نفسه التنديد بالتصرفات الإيرانية التي تنتهك السيادة العراقية، كتسليح وتوجيه الجماعات الخارجة عن قيادة بغداد وسيطرتها، وإشاعة الفساد الذي يستنزف موارد الدولة العراقية ويحولها إلى مقاول تابع لإيران، والتدخل في السياسة العراقية بطرق تقوض دستورها ونظام الحكم الذاتي الفيدرالي. وهذه توقعات عالية، بحسب معهد واشنطن.