يعيش مئات الآلاف من اللاجئين السوريين ظروفاً قاسية ومأساوية، في لبنان، وسط معاناة تتفاقم بفعل وجود عدد منهم في السجون، حيث تواجههم صعوبات كبيرة في الحصول على الخدمات الضرورية وحقوقهم القانونية. وينعكس تواجدهم سلباً على البلد المستضيف، إذ يواجه لبنان تحديات هائلة على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، نتيجة للأزمة السورية المستمرة.
من جانب آخر، تواجه السلطات اللبنانية ضغوطاً متزايدة للتعامل مع مسألة إعادة السوريين بالقوة، سواءً من خلال حملات الترحيل الرسمية أو تشديد إجراءات الإقامة، مما يجعل الوضع أكثر تعقيداً وتوتراً. كما زاد من حدة الأمر مقتل باسكال سليمان، المسؤول في حزب “القوات اللبنانية”، الأسبوع الماضي، في منطقة جبيل شمال العاصمة بيروت، وأدى إلى بعض العنف ضد السوريين.
وكان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي دعا وزراء حكومته إلى اجتماع تشاوري في 15 نيسان/أبريل الجاري، من أجل إجراء مباحثات حول عدة مواضيع، من بينها “ملف النازحين السوريين الذي يتصدر مرتبة عالية من بين الشؤون المتوجب معالجتها بأسرع وقت”، بحسب ما صرح به وزير الإعلام زياد مكاري. مضيفاً أن التشاور “يتضمن ملف المساجين السوريين في السجون اللبنانية المكتظة مع بدء نفاذ المواد التموينية بعد انقضاء الأشهر الثلاث القادمة”.
وفي حديث خاص مع موقع “963+”، صرّحت الناطقة الرسمية باسم المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان، السيدة دلال حرب، بآخر المعطيات والمواقف من جهة المفوضية، تجاه المستجدات الأخيرة التي يمرّ بها لبنان، وعبّرت باسم المفوضية عن حزنٍ عميق تجاه مقتل سليمان، متقدّمة “بأحرّ التعازي لعائلته وأصدقائه المفجوعين”.
كما رأت أن الجريمة “زادت من حدّة الظروف التي يمرّ فيها لبنان واللاجئين على حد سواء”، لا سيّما بعدما أعلنت مخابرات الجيش اللبناني عن انخراط سوريين في عمليّتي الخطف والقتل، ممّا أثار التوّتر المتنامي بين اللبنانيين والسوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية، إلى حدّ “بدأت تتزايد نداءات الترهيب والتهديد من جهة بعض اللبنانيين” كردّة فعل على اغتيال سليمان، فيما تشدّد حرب “على أهمية أن يأخذ التحقيق الرسمي مجراه”.
توتر ودعوات للتهدئة
وتبع خطف ومقتل سليمان، اعتداءات عديدة في مدينة جبيل، حيث تم تكسير بعض سيارات السوريين، والاعتداء على غيرهم، وسقوط عدد من الجرحى لاسيما في منطقة فرن الشباك، برج حمود، الدورة وغيرها في ضواحي مدينة بيروت.
وتعقيباً على هذه الحادثة، دعت المفوضية، الحكومة والسلطات اللبنانية “للحفاظ على الهدوء وضبط النفس في ظل الوضع الأمني المتوتر أصلاً في لبنان”.
وقد أشارت حرب، إلى تلقي المفوضية مجموعة من الإفادات حول “هجمات استهدفت مواطنين سوريين، بما في ذلك لاجئون، في مناطق مختلفة في لبنان”، مؤكدة أن بعض العائلات السورية “تعيش حالة من الرعب والذعر في لبنان”، داعية إلى الالتزام “بالامتناع عن إلقاء اللوم بشكل جماعي وظالم على الأفراد السوريين إذ تجدر حمايتهم من الاستهداف بسبب جريمة شنعاء لم يرتكبوها”.
وحادثة مقتل سليمان ليست الوحيدة التي وقعت في لبنان الأسبوعين الماضيين، بل شهد لبنان جريمتي قتل راح ضحيتهما لبنانيون على أيدي سوريين، الأولى كانت في الأول من أبريل الحالي حيث قُتل لبناني في الأشرفية في بيروت، فيما الثانية كانت ارتكاب جريمة جديدة في قرية العزونية شرق العاصمة، حيث دخل 3 سوريين إلى منزل لبناني بهدف سرقته، وانتهى الأمر بقتله وسرقة محتويات المنزل، حسب بيان للقوى الأمنية اللبنانية.
واجبات والتزامات
وتتمكن السلطات الأمنية اللبنانية، غالباً، من توقيف المعتدين المرتبطين بهذا النوع من الجرائم الفردية، وتضعهم في السجون حيث “يقبع حوالي 1800 سجين من الجنسية السورية، وهؤلاء يشكّلون 28% من مجمل السجناء على امتداد الأراضي اللبنانية” وفقاً لتحقيق أجرته المفوضية في الشهر المنصرم.
فيما كانت المفوضية قد لفتت في وقت سابق إلى أن ما يُقارب الـ 500 سجين، لا يخضعون لأحكام قضائية نهائية، وبالتالي مدّة محكوميتهم غير محدّدة وربّما يمتدّ مكوثهم لسنوات إلى حين فتح ملفاتهم.
وفي هذا السياق، رأت حرب أنّه “يترتّب على كل لاجئ، بغضّ النظر عن مكان وجوده، واجبات تجاه البلد الذي يتواجد فيه، وفي طليعتها الالتزام بالقوانين والإجراءات كما التدابير المتخذة للحفاظ على النظام العام. وتبعاً لذلك، فإذا ما ارتكب لاجئ جريمة، فإن القوانين التي تنطبق على المواطنين تنطبق هي نفسها على اللاجئين بالتساوي كما تنطبق عليهم العقوبة المفروضة”.
وشددت حرب على دور الأجهزة الأمنية الرسمية في مجال ضبط الأمن والنظام، بدلاً من اتجاه السكان المحليين إلى اتخاذ إجراءات على شكل “أعمال العنف والتهديدات العشوائية”، تلاقيها حملات تدعو السوريين إلى الإخلاء الجماعي.
كما أكّدت الناطقة باسم المفوضية، على متابعة كل “هذه التطورات عن كثب ومتابعة الحالات الفردية للاجئين الذين أبلغوا عن تعرضهم للاعتداء أو العنف أو الإخلاء”.
“خارطة الطريق”
بالمقابل، يتبيّن من مواقف الحكومة اللبنانية الأخيرة أن نشاطها يتضاعف في حلّ أزمة الوجود السوري في لبنان، وكان أبرز المبادرات هي “خارطة الطريق” التي أطلقها وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي في الشهر الفائت، كما الإعلان عن تحضير لائحة تتضمّن أسماء اللاجئين السوريين الراغبين بالعودة الطوعية. غير أن هذه الخارطة كانت غائبة عن جدول أعمال المفوضية لأنها “لم تتلقَ بعد الخطة المذكورة من الحكومة اللبنانية” بحسب ما أفادت حرب، “وبالتالي لا يمكننا التعليق عليها في هذه المرحلة”.
ومع ذلك، تشدّد حرب على ضرورة الالتزام و”مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة والالتزام بالمعايير القانونية في أية إجراءات تتعلق بالترحيل، بما فيها الحق في الاستماع إلى طالب اللجوء، وفقاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية”. ينطبق ذلك على اللاجئين السوريين داخل وخارج السجون، لأنه في الحالتين “قد يؤدي ترحيل السوريين قسراً إلى بلادهم لتعرّضهم لانتهاكات جسيمة تقوم بها السلطات السورية”، بدءاً من اعتقالهم وتعذيبهم، وتحويلهم إلى الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية للانضمام إلى الجيش السوري.
كما تشير حرب في حديثها لـ”963+”، إلى أن لبنان ملزم بالاتفاقيات القانونية والقانون الدولي فيما يخص منع الإعادة القسرية للاجئين، خصوصاً إن “كانوا ارتكبوا جرائم في بلدانهم الأصلية ويُحتمل أن يواجهوا معاملة غير إنسانية أو مذلة عند عودتهم”.
وكان لبنان قد وقع على “اتفاقية مناهضة التعذيب” عام 2000، وهو ملزم بتنفيذها “تحت طائلة المسائلة الدولية”، وبخاصة تنفيذ المادة 3 من الاتفاقية التي “تمنع تسليم أي شخص يمكن أن يتعرض لأي أذى”.
وتبعاً للتطورات الأخيرة في لبنان، بدأ البلد يتحوّل من بيئة حاضنة إلى بيئة رافضة للوجود السوري، وتتلاقى المساعي الحكومية مع النداءات الشعبية على ضرورة ترحيلهم تدريجياً، من خلال نزع صفة اللاجئ عن كل من يتنقّل ما بين سوريا ولبنان بطريقة شرعية.
وبالنظر إلى هذه التحديات الجسيمة، يتطلب التعامل مع وضع اللاجئين السوريين في لبنان، جهوداً مشتركة ومتواصلة من الحكومة اللبنانية والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي بأسره، لتقديم الدعم اللازم والبحث عن حلول مستدامة تساعد على تخفيف الضغوط وتوفير ظروف حياة أفضل لهؤلاء اللاجئين وللمجتمع اللبناني على حد سواء.