ثلاث حوادث هزت المشهد السوري، خلال الشهرين الفائتين، وفي منطقتين تخضعان لسيطرة جهتين مختلفتين. إلا أن ما يجمعها هو أن ضحاياها من النساء. فالمشاركة العلنية في ضرب فتاة، وتكميم أفواه الناشطات وغيرها من أشكال العنف ضد النساء في سوريا، كلها حوادث لا تبشّر بمستقبل آمن للنساء. فليست 13 عاماً من الحرب وحدها من ترمي بوطئتها على النساء، إذ إنهنّ ضحايا لعنف أعمق وأقدم، يتعلق بالبنية السياسية والاجتماعية لسوريا، فيما النزاع المسلح الطويل في هذا البلد، ساهم وعجّل بتردي أوضاع النساء وربما في خسارة بعض مكتسابتهنّ.
قصص ثلاث نساء
وقعت الحادثة الأولى في 27 شباط/فبراير الماضي في بلدة تل السمن في ريف الرقة شمالي سوريا، الواقعة تحت سيطرة “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”. إذ انتشر فيديو مصور يُظهر مجموعة من الرجال والشبان يضربون فتاة تصرخ “والله بنية” أي أنها عذراء، ورغم تلك الصرخات المستغيثة بالتوقف، جاء صوت رجل ليقول “اضرب بحيل اضرب”، محفزاً الرجال الباقين على مزيد من الضرب.
وفي اليوم ذاته كانت الحادثة الثانية، وهي موت الناشطة في مجال حقوق المرأة هبة حاج عارف، التي وُجِدت مشنوقة داخل منزلها في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا بريف حلب، وقالت ناشطات نسويات إن هبة “اغتيلت” بعد أن تلقت الكثير من التهديدات في الفترة الأخيرة، دفعتها قبل أشهر لترك منصبها الإداري في المنطقة التي تعيش فيها.
وسجلت مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، في الـ23 فبراير، الحادثة الثالثة. اتُهمت الضحية رثاء محمود السلمان بـ “الزنا”، ثم قُتلت على يد أفراد من عائلتها في بلدة تل طويل في محافظة الحسكة. وبحسب بيان صدر عن “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، فإن مسؤولين محليين ربما ساهموا في التحريض على قتلها.
وبحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فقد أشار تقرير لها نُشر عام 2023 “أن 28926 أنثى قد قُتلت في سوريا منذ آذار/ مارس 2011، على يد جميع أطراف الصراع، بينهنّ 117 بسبب التعذيب، 11203 أنثى لا تزالن قيد الاعتقال/ الاحتجاز، بالإضافة إلى 11541 حادثة عنف جنسي استهدفت الإناث”. كما أضافت “الشبكة” أنه “من المهم التشديد على أن معظم حالات العنف لا يُصرّح عنها أو يتكتم عنها المجتمع وبخاصة في ظل تطبيعه مع العنف”.
وتشير الأشكال الجديدة من العنف إلى تصاعده ضد النساء. فتصوير تعنيفٍ علني وموت ناشطة سبق أن هُددتْ بسبب عملها ومشاركة مسؤول في الموافقة على قتل امرأة يطرح أسئلة كثيرة، فهل نحن أمام مرحلة جديدة من العنف ضد النساء في سوريا؟
قانون غائب
الناشطة والمديرة التنفيذية لـ”منظمة بلدي” وجيهة الحجار قالت لموقع “963+”: “الانفلات الأمني وغياب القانون في سوريا حالياً هو من أهم الأسباب التي تساهم في استمرار العنف أو بالأحرى وضع السيدات في مرحلة جديدة ومتطورة من العنف التي تتناسب مع بيئة لا يوجد فيها قانون أو تطبيق الحد الأدنى من حقوق الإنسان”.
وترى الحجار، أن ذلك هو “عنف متطور باستمرار، فتطورت أساليب وأدوات العنف، والأخطر هو تطور أدوات إخفاء الجريمة والعنف وحتى أدوات الالتفاف عليها والمدافعة عن الجاني”.
وتشدد الناشطة على أنه يجب التنبه أكثر لأهمية نشر الوعي والفكر والمطالبة بقوانين تحمي النساء، قائلة: “لا أعتقد أننا سوف نصل لمرحلة نستطيع فيها القول إن النساء أصبحن في أمان أو حتى أن المجتمع قد تجاوز عنصريته تجاههنّ طالما هناك طفلة أو امرأة ما زالت تتعرض للعنف والقتل والإهانة فإننا بالتالي جميعاً كنساء تحت خط الخطر”.
أمّا رهادة دعبوش، المحامية والناشطة في قضايا النساء، فتقول لـ”963+”: “بالإضافة إلى فكرة الشرف المرتبطة بالنساء تحديداً والتي كرّسها القانون، وتدهور المجتمع وغياب الرادع الأخلاقي والإنفلات الأمني وتوسيع دائرة العصابات والتحزّبات، كل هذه الأسباب تؤثر على وضع المرأة ومكانتها وحمايتها”.
مشاركة سياسية غائبة للسوريات
وفي مناطق محكومة بالعرف القبلي الذكوري وبسطوة السلاح المتطرف، تغدو النساء أمام تحديات جديدة. فبالإضافة إلى التحديات القديمة المتعلقة بطبيعة المجتمع والمؤسسات السياسية، تقول دعبوش: “القوانين بالأساس لم تكن ضامنة لوجود المرأة في السياسة والحياة العامة كالكوتا مثلاً، وكان وجودها هو تعيين وليس انتخاب. فيما عدم ضمان القوانين لمشاركة المرأة لا يتعلق فقط بالكوتا بل أيضاً بإعطاءها الحق الكامل بالإرث الذي يعطي للنساء مكانة اجتماعية فالنساء يملكنّ أقل بكثير من الرجال من أراضي زراعية مثلاً أو عقارات للبناء”.
ويعمق غياب المشاركة السياسية الفعّالة للنساء السوريات، من مشاكلهنّ في الحياة العامة والخاصة، ورغم وجود نسبة ضئيلة منهنّ في مراكز القرار، إلا أنهنّ في الغالب يشاركنّ شكلياً ولا يكون حضورهنّ منتجاً أو مؤثراً. على سبيل المثال، في “اللجنة الدستورية” التي اجتمعت لأول مرة في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2019 في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، والموكلة بوضع نظام سياسي جديد لسوريا، كانت حصة المرأة 30 بالمئة من جميع أعضاء اللجنة البالغ عددهم 150 عضواً، وهي نسبة لا بأس بها فيما لو كانت النساء يقمن بالفعل بمهامهن ويدفعن نحو آليات لحماية النساء على الأرض ومنحهنّ المزيد من الامتيازات والحقوق، لذلك فالجانب السياسي ومشاركة النساء فيه شديدة الأهمية فهو الضابط الوحيد لكل هذا الانفلات والتفاوت في وضع المرأة.
وتبقى مسألة حصول النساء على حقوقهن شديدة النسبية في سوريا، لأسباب أمنية وعقائدية ودينية واجتماعية. التنوع الشديد في سوريا من حيث الانتماءات الدينية والمناطقية والعشائرية والعسكرية، جعل المشهد فوضوياً وعنيفاً، لذلك فالحل السياسي هو بداية الطريق لتنظيم كل هذه الفوضى ولمنح المرأة حقوقها وحياتها.
أشكال جديدة من العنف
لا توجد إحصائيات دقيقة حول معدلات العنف ضد النساء في سوريا، لكن وبحسب متابعة الدكتورة خولة حسن الحديد، الحاصلة على دكتوراه في علم النفس التطوري وعلم الاتصال النفسي، فإن نسبة العنف “مرتفعة جداً” وما مرّ به السوريون خلال 13 سنة، وما حصل لاحقاً من تشظي في المجتمع السوري “ساهم في تعميق العنف وفي إظهاره على السطح”. وتُرجع حديد في حديثها لـ”963+”، تنوع أشكال العنف وصيرورته إلى عادي، “لغياب القانون والمحاسبة”.