من يُراقب أعمال السلطات في لبنان مؤخراً، يعرف أنها لا تملك خطة واضحة للتعامل مع اللاجئين السوريين. بعض الإدارات تريد ترحيلهم، غيرها تريد استغلالهم للحصول على أموال من الجهات الدولية المانحة، والبعض الآخر يريد البقاء على وضعهم الحالي كما هو.
لا يملك وزير الداخلية والبلديات اللبنانية بسام المولوي خطة واضحة في هذا الملف الذي يعني وزارته مباشرة. كان الرجل أعلن عن “خطة” بداية الشهر الحالي، لكنه لم يكشف عنها لكأنها سرّ من أسرار الدولة. حتى الصحفيون، المحليون والأجانب، لم ينجحوا في الحصول على طرف معلومة حول الأمر. ففي الواقع، لا يوجد خطة أصلاً، بل مواقف شعبوية من وزير من هناك ومسؤول من هناك، كما تصرفات اعتباطية وارتجالية تظهر للعلن حيناً، وتختفي أحياناً أخرى.
والحال أن واقع اللجوء السوري إلى لبنان اليوم هو على الشكل التالي: القبضة الأمنية اللبنانية لمنع تهريب البشر عبر البحر قد خفت مؤخراً، مما يعني أن الحكومة تريد من العالم الغربي أن يلتفت إليها ويدفع لها بعض المساعدات. الأسلوب الاستغلالي هذا بدأه الحكم التركي منذ سنوات، فيما لبنان يستلحق نفسه اليوم في هذا المجال المربح. حتى قبرص باتت منزعجة جداً من السلطات اللبنانية، معلنة عن تدفق اللاجئين السوريين من الشواطئ اللبنانية إليها، ووصول أكثر من 2000 شخص في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، مقارنة مع 78 في نفس الفترة في العام الماضي.
على المستوى الحكومي، أعلن المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء إلياس البيسري، في شهر آذار/مارس الماضي، عن عودة طوعية لـ”بضعة آلاف” من اللاجئين. بقي الإعلان نظرياً، دون تطبيق. لم يعد أحد ولم يتم وضع لائحة ثانية للراغبين بالعودة الطوعية على الرغم من إعلان المدير ذلك. يلف الغموض والتخبط هذا الملف، طالما الرغبة الحكومية بإعادة اللاجئين إلى سوريا قائمة، لكن ينقصها الموافقة والرضى الحكومي السوري. كل الخطط والمواقف اللبنانية هذه تبقى دون أثر، طالما لم تقبل دمشق بها أو لا يُنسق معها حول الأمر بشكل واضح ومباشر.
أما على المستوى الشعبي، فتزداد المشاعر العنصرية ضد اللاجئين السوريين في بيروت. لا يتعلق الأمر هنا بموقف وزاري عام أو بيان حكومي رسمي، بل على المستوى الضيق والمحلي. وبالأمس، طلبت بلدية مدينة جبيل الواقعة شمال العاصمة بيروت، مغادرة اللاجئين نطاق البلدية “ضمن مهلة 10 أيام”، إن كانوا لا يملكون أوراق إقامة رسمية. قرب المدينة، قرية صغيرة إسمها كوبا، حيث أقدم مجهولون، صباحاً، على كتابة شعارات معادية للسوريين واللبنانيين على حيطان كنائس البلدة. لم يُعرف، حتى الساعة، إن كان السوريون كتبوها أم اللبنانيون، أو طرف ثالث، إلا أن الأكيد أن هكذا تصرفات تزيد من مستوى الصراعات المحلية.
في منطقة الصيفي، في قلب بيروت، دعى بعض الشبان بالأمس إلى ترحيل اللاجئين الذين باتوا “يخنقوننا”. وفي قرية العزونية شرق بيروت، قتل ثلاث سوريين رجلاً لبنانياً في منزله وسلبوه أمواله. ألقت السلطات القبض على واحد منهم، فيما هرب البقية إلى مخيمات للاجئين في بلدة بر الياس في البقاع شرق لبنان. وهناك، قامت البلدية وبعض اللاجئين بتفكيك 20 خيمة بسبب “إيواءها لمطلوبين في جريمة العزونية” وقاموا بطرد سكانها إلى مخيمات أخرى.
الواقع على المستوى المحلي هذا، لا يفيد إلا بقرب الصدام بين اللبنانيين والسوريين. الملفت في الأمر، أن السلطات الأمنية تتساهل مع اللبنانيين إن مارسوا عنصرية أو عنفاً ضد اللاجئين، تماماً كما حصل بعد خطف ومقتل مسؤول في حزب “القوات اللبنانية” الأسبوع الماضي. لم تكترث السلطات الأمنية لمعاقبة أي معتدي، على الرغم من أن صورهم منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
يبقى للاجئين بعض الأنصار في لبنان، وجلهم من العاملين في الجمعيات المحلية الممولة من الغرب. وهؤلاء، إن كانوا حقوقيون ومعنيون بحقوق الإنسان واللاجئين، إلا أن تأثيرهم تراجع جداً بالمقارنة مع السنوات الماضية، بالتوازي مع تراجع التمويل الغربي لهذه المنظمات.
بينما يستمر التصاعد الحاد للتوترات بين اللبنانيين واللاجئين السوريين، يثير السؤال نفسه مراراً وتكراراً: ما الذي ينتظر لبنان في هذه الأوقات العصيبة؟ وما الذي ينتظر السوريون كذلك؟
تبدو الحكومة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ خطوات فعالة لمعالجة الأزمة، وهو ما يعكس عدم وضوح وتخبط في السياسات والتصرفات الحكومية. ومع انخفاض مستوى الدعم الغربي للمنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين، يتزايد الضغط على الحكومة اللبنانية للعثور على حلول مستدامة لهذه الأزمة.
إلى جانب ذلك، يتفاقم الوضع المحلي في لبنان بسبب الانتشار المتزايد للعنصرية والتمييز ضد اللاجئين السوريين، مما يزيد من احتمالات حدوث صدامات واشتباكات عنيفة بين الطرفين. وفي ظل تسامح السلطات الأمنية مع تلك الانتهاكات، يتعاظم الخوف من انزلاق البلاد نحو دوامة من العنف والفوضى.
من الواضح أن الوضع يتطلب تدخلاً عاجلاً وجاداً من الحكومة اللبنانية، بالتعاون مع المجتمع الدولي، لتحديد استراتيجيات واضحة ومستدامة للتعامل مع أزمة اللاجئين. لكن على من تقرأ مزاميرك يا دواود؟ السلطات اللبنانية غير قادرة، منذ سنة ونصف، على انتخاب رئيس للجمهورية حتى.
على المدى البعيد، يتوجب على المجتمع الدولي أن يدعم لبنان في مواجهة تحديات استضافة اللاجئين وتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها. ويجب أن تكون هذه المساعدة مستدامة وموجّهة بشكل صحيح لضمان تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار في المنطقة.
في النهاية، لا يمكن تجاهل حقيقة أن استمرار أزمة اللجوء في لبنان يمثل تهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار. تماماً كما لا يمكن إغفال كمية العنصرية الزائدة في المجتمع اللبناني التي لا تنذر إلا بالفوضى القادمة.