تزايدت التعديات بحق اللاجئين السوريين في لبنان والمطالبات بترحيلهم، وذلك على خلفية مقتل القيادي في حزب “القوات اللبنانية” باسكال سليمان على يد أشخاص سوريين بدافع السرقة، في الأسبوع الأول من الشهر الجاري.
وانتشرت في الأيام الماضية العديد من مقاطع الفيديو والصور على مواقع التواصل الاجتماعي التي أظهرت تهديدات علنية للسوريين بإخلاء منازلهم ومحلاتهم بمناطق لبنانية عدة.
ويتعرض السوريون في لبنان لعمليات ترحيل قسري لا تقتصر تداعياتها على من يُرحل إلى سوريا، إنما تمتد إلى عائلتهم التي يُمارس ضدها انتهاكات قانونية ونفسية عبر مداهمة منازل المرحلين وسحب أوراق (ثبوتيات) عائلاتهم.
ورغم دعوات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية، إلا أن المفوضية “تتلقى تقارير ترحيل اللاجئين السوريين قسراً بقلق شديد وتتابعها مع الأطراف المعنية”، بحسب ما قالت ليزا أبو خالد المتحدثة باسم المفوضية لموقع “963+”.
وشددت أبو خالد على أن المفوضية تعمل بنشاط على دعم الحلول الدائمة للاجئين السوريين، بما في ذلك إعادة توطينهم في بلدان ثالثة وعودتهم إلى سوريا، مشيرةً، إلى أنَّ المفوضية “لا تعرقل عودة اللاجئين إلى سوريا، إنما تدعم وتحترم الحق الإنساني الأساسي للاجئين في العودة بحرّية وطوعيًّا إلى وطنهم الأمّ في الوقت الذي يختارونه وبما يتماشى مع المبادئ الدولية للعودة الطوعية الآمنة والكريمة وعدم الإعادة القسرية”.
الضغط على عائلات المرحّلين
زهير الخالد (38 عاماً)، كان واحداً من السوريين الذين تعرضوا للترحيل إلى سوريا نهاية العام الماضي، وذلك بعد مداهمة الأمن العام اللبناني للبناء الذي يسكنه واعتقال 28 شخصاً آخر معه، كما قالت زوجته هزار في حديث لـ”963+”.
وكان زهير دخل إلى لبنان بشكل قانوني عام 2017 وحصل على إقامة (كفالة شركة) واستقر مع عائلته في مدينة جونيه شمال العاصمة اللبنانية بيروت عام 2023، حيث رُحّل إلى سوريا وتم وضعه على الحدود السورية – اللبنانية، وظلّ لمدة 45 يوماً رهن الاعتقال ليتحوّل بعدها إلى عنصر في صفوف القوات الحكومية السورية كونه كان مطلوباً للخدمة الاحتياطية.
وبعد حوالي أربعة أشهر، غادرت هزار زوجة الخالد، لبنان إلى سوريا بسبب عدم قدرتها على تجديد إقامتها التي كانت تُجدد سابقاً بناءً على إقامة زوجها المُرحّل.
وتروي هزار أنَّ زوجها رُحّل بخلاف مضمون الحملة التي شُنت لترحيل السوريين المخالفين والداخلين خلسة إلى لبنان بعد عام 2019، وفقاً لقرار “مجلس الدفاع الأعلى في لبنان” الذي نص على “ترحيل جميع المواطنين السوريين الداخلين إلى لبنان خلسة بعد تاريخ 24/4/2019”.
وتعرضت هزار وأولادها الثلاثة لمعاملة سيئة من قِبل الأمن العام اللبناني بعد ترحيل زوجها، حيث تقول: “بعد الترحيل أخذ الأمن العام أوراقي وإقامتي، وتم استدعائي من جونيه إلى الأمن العام في بيروت أكثر من مرة”.
كما تصف أنَّ عائلتها تعاني اليوم من تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا، فيما كان في لبنان “سقف يجمعنا وكنا نعيش ونأكل وزوجي يعمل دواماً كاملاً لتأمين مصروفنا، بينما في سوريا راتب زوجي لا يكفيه مصروف دخان”.
أين التزامات لبنان؟
وتستمر عمليات الترحيل القسري بحق اللاجئين السوريين بما يخالف الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين، ومنها اتفاقية اللاجئين لعام 1951 الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تنصّ على حقوق اللاجئين وواجبات الدول المضيفة تجاههم.
ورغم أن لبنان لم يوقع على هذه الاتفاقية، إلا أن ذلك لا يعفيه من التزاماته الأخرى على الصعيد الدولي. إذ تنص المادة (14) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن “لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى، أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد”، وفقاً لتقرير لمركز “وصول” لحقوق الإنسان.
ومنذ عام 2019، كانت جهات قانونية وسياسية عدة في لبنان قد أدانت ترحيل اللاجئين السوريين بشكل غير قانوني وسط عدم السماح لهم بحق الدفاع ضد الترحيل القسري.
وحينذاك، أشارت تلك الجهات القانونية، إلى أن لبنان التزم بعدم الترحيل القسري إلى سوريا منذ عام 2012. لكنه أجاز وفقاً لقرار “مجلس الدفاع الأعلى في لبنان” عام 2019 ترحيل المواطنين السوريين الداخلين عبر المعابر غير الرسمية وتسليمهم إلى السلطات السورية من دون احترام الأصول القانونية.
ومؤخراً، شدد وزير الداخلية اللبنانية بسام المولوي أن اللجوء السوري “مشكلة”، لكنه أردف أن “الترحيل القسري غير وارد”، فيما أشار رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان اللبناني النائب ميشال موسى في حديث لـ”963+”، إلى أن لبنان كان “منصفاً إنسانياً تجاه اللاجئين طوال مدة وجودهم، فلم يلجأ إلى وسائل استثنائية كالعنف أو الترهيب لإبعادهم”.
وأضاف: “لبنان بات يعيش أزمات سياسية واقتصادية ويُعتبر منهكاً في تأمين احتياجات مواطنيه اللبنانيين، ولا يمكنه تحمل واجب كبير آخر وهو تأمين احتياجات اللاجئين السوريين على أرضه”.
“عمليات الترحيل تفكك الأسر اللاجئة”
تتشابه قصة زهير مع قصص أكثر من 800 سوري مُرحل قسراً خلال عام 2023، ولكن تداعيات الترحيل إلى سوريا ومدى خطورته على حياة الشخص المُرحّل تختلف تبعاً لأسباب خروجه من البلاد ووضعه المادي والعائلي. وهذا ما حدث مع حنان التي رُحلت إلى سوريا نهاية شهر آذار/مارس الفائت رغم حصولها على قرار إخلاء من القضاء اللبناني على إثر اعتقالها لمدة شهرين من منزلها.
ويقول زوجها، وهو لاجئ سوري مقيم في ضواحي بيروت، لـ”963+” إن الأمن العام اللبناني “داهم منزلي في الليل وتمكنت من الهروب لكنهم اعتقلوا زوجتي”.
ويوضح الزوج، أنَّ مداهمة منزله كانت بسبب إخبار من جيرانه بقيامه بسرقة مازوت من سطح البناء الذي يعمل به كناطور، مؤكداً أنه استأذن جاره للحصول على مازوت للتدفئة، وأن جاره قدم إفادته للأمن العام بعدم وجود سرقة وطالب بالإفراج عنها لكن دون نتيجة.
ورغم خطورة ترحيل حنان كونها معارضة ومطلوبة في ملفات أمنية لدى الجهات الرسمية السورية، إلا أنَّ الأمن العام اللبناني رحلّها وسلّمها للأمن العسكري وهي ما زالت معتقلة لديه حتى اليوم، كما قال زوجها.
من جانبه، وثق مركز “وصول” لحقوق الإنسان منذ بداية عام 2023 وحتى 30 كانون الأول/ديسمبر، 1080 حالة اعتقال تعسفي لسوريين في لبنان، رحّل منهم 763 شخص بشكل قسري إلى سوريا.
وذكر التقرير الحقوقي الذي حمل عنوان “ماذا بعد ترحيل اللاجئين قسراً من لبنان”، أنَّ عمليات الاعتقال التعسفي والترحيل القسري لا تزال مستمرة بأمر من السلطات اللبنانية، مؤكدًا أنّ عمليات الترحيل تفكك الأسر اللاجئة، عدا عن المعاملة السيئة والإنسانية التي يتعرضون لها.
وأضاف، أنّ الاعتقالات التعسفية والترحيل القسري قد ترقى لأن تكون “جريمة ضد الإنسانية” تستهدف اللاجئين وتنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان، إذ يُجبر اللاجئون على مواجهة تلك الأوضاع القاسية، إضافة إلى الانتهاكات التي يتعرضون لها عند تسليمهم للسلطات السورية وعصابات التهريب عبر المعابر الحدودية.
وشدد التقرير الحقوقي، على أنّ هذه الممارسات “تتنافى بشكل صارخ مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتنتج عواقب إنسانية واجتماعية ونفسية خطيرة على حياة اللاجئين”.
في المقابل، تربط الحكومة السورية عودة اللاجئين بالواقع المتردي في مناطق سيطرتها وحاجتها لدعم دولي لعملية إعادة الإعمار وتوفير الخدمات والبنية التحتية لاستقبال اللاجئين، وترفض تقديم أية ضمانات تمنع اعتقال اللاجئ في حال قرر العودة.
وتشير أرقام المنظمات الدولية إلى أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يبلغ حوالي 800 ألف، لكن إحصاءات “لجنة الاقتصاد والتجارة” اللبنانية تفيد أن “الرقم الإجمالي للاجئين في لبنان يبلغ حوالي مليونين و100 ألف شخص”.