خاص – بيروت
بعد مرور 13 عاماً على بداية تدفُّق اللاجئين السوريين إلى لبنان، تبدو قضيتهم اليوم أكثر تعقيداً وتحدياً من أي يوم مضى. ويمثل وجود مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في لبنان واقعاً اجتماعياً وسياسياً معقداً، حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتشكّل تحديات جسيمة أمامهم، وأمام الحكومة اللبنانية والمجتمع المحلي على حد سواء.
في الوقت عينه، يعاني السوريون من حملات قمع وتضييق متزايدة، خاصة مع ارتفاع الجرائم المحلية التي تُنسب إليهم، والتي كان آخرها خطف وقتل مسؤول سياسي محلي في التاسع من نيسان/إبريل الجاري، كما عمليات سرقة وتعدي قام بها عدد محدود من السوريين.
أما الحكومة اللبنانية، فتقوم عبر وزارة الداخلية والبلديات بزيادة منسوب التضييق على اللاجئين لحثهم على المغادرة من جهة، كما تطلق خططاً للعودة الطوعية من جهة أخرى.
في حديث خاص مع موقع “963+”، يوضح مدير مركز “سيدار” للدراسات القانونية المحامي محمد صبلوح أن لبنان استقبل اللاجئين السوريين وأعطاهم صفة النازحين ليستطيع “التهرب من مسؤولياته أمامهم وأمام المجتمع الدولي”.
ويضيف أنه مع بدء اللجوء السوري، “إنهالت على لبنان مساعدات ضخمة من المجتمع الدولي، فكانت السلطات اللبنانية راضية ولا تشتكي”. لكن مع بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، “تهربت الحكومات من المسؤولية وبدأت بالتشكي من اللاجئين من أجل تغطية فشلها وفسادها الذي سببت الأزمة الاقتصادية بالأساس”.
أما بالنسبة لتكلفة النزوح السوري على لبنان، فإن الأرقام تتفاوت بشكل كبير، حيث يقدر وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب التكلفة السنوية بنحو 3 مليارات دولار، في حين يرى الخبير الاقتصادي والأكاديمي اللبناني باسم عجاقة أن التكلفة الإجمالية تقدر بمليار و700 مليون دولار سنوياً، معتبراً أن هناك خسائراً اقتصادية غير مباشرة تصل إلى 40 مليار دولار منذ العام 2011.
في المقابل، وصلت قيمة المساعدات الدولية للبنان إلى حوالي 27 مليار دولار حسب مراكز محلية لبنانية عديدة، فيما شهد عام 2021 ذروة هذه المساعدات والتي بلغت حوالي 3.2 مليار دولار حسب الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي.
ويؤكد صبلوح أن في لبنان أحزاب ووزراء “يمارسون العنصرية بشكل مقصود ضد اللاجئين”، مشيراً إلى ما تبع عملية خطف ومقتل المسؤول في حزب “القوات اللبنانية” باسكال سليمان الأسبوع الماضي، حيث اتهم وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي عصابة سورية بتنفيذ الجريمة، تبعها مؤتمر صحافي للوزير “رمى كل أزمات لبنان على اللاجئين”.
وأضاف صبلوح: “عندما يكون الوزير عنصرياً ويألب الناس على اللاجئين، فيشجعهم على انتهاك حقوق اللاجئ، كما أنه يتحمّل المسؤولية عن تبعات أقواله. لقد كنت متأملاً من وزير الداخلية عدم مهاجمة اللاجئين ولوم السوريين بعد اغتيال سليمان، لأن ما تبع كلامه كان انتهاكات عدة من قبل الناس العاديين بحق اللاجئين سوريين، فيما لم تقم الوزارة بمعاقبة المرتكبين حتى”.
وبعد وقوع الجريمة وكلام الوزير، قام بعض الشبان اللبنانيون بالاعتداء على سوريين في منطقة برج حمود، الدورة، النبعة وفرن الشباك، الواقعة في الضواحي الفقيرة من العاصمة بيروت. فيما وقعت اعتداءات أخرى على اللاجئين في مدينة جبيل وكسروان شمال العاصمة.
ويستضيف لبنان نحو مليوني سوري بينهم 800 ألف مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وهو أعلى عدد من اللاجئين في العالم نسبة لعدد السكان.
أما عن ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان، فيرى صبلوح أنه “لا يحق للحكومة ترحيلهم قسراً إلى سوريا، بل يمكنها أن تأخذ قرارات إنسانية بدلاً من ذلك”، مذكّراً بكلام وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم، الذي قال العام الماضي أن هناك “37 ألف سوري دخلوا بلادهم خلال فترة عيد الفطر، ثم عادوا إلى لبنان بعد انقضاء عطلة الأعياد، ما ينفي عنهم صفة النازح”.
هذا ويرى صبلوح أنه يمكن للحكومة اللبنانية عدم قبول عودة هؤلاء بصفة نازحين إلى أراضيها، إلا أنه لا يمكنها “تسليم 3500 سجين سوري يقبعون في السجون اللبنانية، وجلّهم من المعارضين للحكومة السورية، وذلك لأن هذا الأمر مخالف لالتزامات لبنان الدولية”.
ووقع لبنان على “اتفاقية مناهضة التعذيب” عام 2000، وهو ملزم بتنفيذها “تحت طائلة المسائلة الدولية” بحسب صبلوح، وبخاصة تنفيذ المادة 3 من الاتفاقية التي “تمنع لبنان من تسليم أي شخص يمكن أن يتعرض لأي أذى”.
ويكشف صبلوح لموقع “+963″، أن السلطات الأمنية اللبنانية تشنّ حالياً حملة أمنية واسعة ضد السوريين، حيث تقوم “بمداهمة أماكن سكنهم ومحلات عملهم وتغلقها بالشمع الأحمر، وتضع شروطاً تعجيزية تتطلب دفع الكثير من الأموال لإعادة افتتاحها”، مؤكداً أن هدف الحكومة اللبنانية استغلال اللاجئين عبر “دفعهم للمغادرة عبر البحر، ومن ثم الحصول على أموال ومساعدات من الجهات الدولية المانحة لوقع الهجرة إلى دول الغرب”.
ختاماً، يؤكد صبلوح أن مركز “سيدار” للدراسات القانونية الذي يرأسه بصدد الانتهاء من توثيق الممارسات غير القانونية التي تقوم بها السلطات الأمنية تمهيداً “لإرسالها إلى الجهات الدولية المختصة”، متوقعاً صدور “مواقف صادمة” بحق السلطات الأمنية اللبنانية وممارساتها غير الإنسانية بحق اللاجئين السوريين.