“فوق الموتة عصة قبر”.. هذا هو حال السوريين الذين باتت كلمة “ارتاحوا” هي الكلمة الشائعة لمن يموتون من كبار السن أو المرضى منهم. وبعد مصيبة الموت تبدأ معاناة عائلة المتوفى الحقيقية، التي تتفاجأ بتكاليف ما بعد الموت.
وأثناء التحضير لعملية الدفن خاصة في المدن الكبرى كدمشق وحلب، فإن الحصول على قبر في هاتين المدينتين يحتاج إلى ثروة، ويستوجب التواصل مع سماسرة كما هو الحال في تجارة العقارات، إذ باتت تكلفة القبر تتراوح ما بين ٤٠ مليون ليرة حتى ٢٠٠ مليون، وذلك حسب موقع المقبرة ومواصفات القبر ومساحته.
قبور للبيع
وقد انتشرت ظاهرة وضع إعلانات عن وجود قبور للبيع في مقابر دمشق الشهيرة كالدحداح، وبأسعار تزيد على ١٥٠ مليون ليرة، لينخفض المبلغ المطلوب بحسب بعد المقبرة عن مركز المدينة.
ويجعل هذا الأمر من فكرة نقل المتوفى إلى محافظته أو قريته أمراً ذو “جدوى اقتصادية” أكبر بالنسبة للمقيمين في دمشق أو حلب وينحدرون من محافظات أخرى، إذ إن العادات توجب على أهل القرية القيام بحفر القبر مجاناً لاستقبال الميت في مقبرة القرية أو العائلة ضمن الأراضي الزراعية، لكن ذلك لا يشمل تكاليف النقل للجثمان والتي تضاعفت بفعل ارتفاع أسعار المحروقات وتكاليف الصيانة للسيارات.
“مقابر الفقراء”
إلا أن ارتفاع تكاليف نقل الميت إلى محافظته في كثير من الأحيان ترغم أهل المتوفى على دفن ميتهم في المقابر التي يطلق عليها مكتب دفن الموتى بدمشق “مقابر الفقراء”، وهذا ما أوضحه أحد أقارب المتوفية “حنان” والمنحدرة من محافظة دير الزور والتي لم تكن وفاتها طبيعية بالعاصمة دمشق، إذ توفيت على يدي مجرم خنقها حتى الموت ليسلب منها أسوارة ذهب.
ليضيف محمد ضياء وهو قريب المغدورة حنان: “بعد أن استلمنا جثمانها تفاجئنا بأن نقلها لدفنها في مسقط رأسها يكلف أكثر من 10 ملايين ليرة، ولقلة الحيلة لم نستطع تحمل هذه التكاليف، فتوجهنا إلى مكتب دفن الموتى بدمشق”.
شراكة القبور
ويقول ضياء لموقع “963+”: “في المكتب عرضَ علينا القائمون عليه عدة احتمالات، الأول بأن يتم دفنها بمقابر الفقراء بمنطقة نجها من دون أخذ ثمن القبر، على أن يتم إنزال ميت آخر بعد مضي خمس سنوات من دفنها، وبذلك الاحتمال يكون القبر مجاني وما علينا إلا دفع رسوم النقل والكفن. وأما الاحتمال الثاني فهو شراء قبر دائم بمنطقة نجها وبسعر ١.٥ مليون ليرة… اخترنا الخيار الأول”.
وفيما يتعلق بتكاليف القبر، أوضح بين مسؤول في مكتب دفن الموتى بدمشق، لـ”963+”، أن “سعر القبر بنجها لا يتجاوز المليون ليرة، في حين أن نقل الميت عبر سيارة المكتب يكلف نحو ٤٠٠ ألف ليرة، والكفن نحو ١٥٠ ألف ليرة، وطبعاً هنا يمنح لذوي الميت أوراق رسمية بملكية القبر”، مضيفاً: “هناك قبور مخصصة للفقراء وتسمى بقبور الفقراء، لأنه يتم دفن الميت فيها مجاناً لمدة خمس سنوات وبعدها يتم تنزيل ميت آخر، وهنا لا يحصل ذووه على أوراق ملكية بالقبر، ولا يحق لهم بأن يختاروا الميت الذي ينزل في القبر بعد مضي مدة الاستضافة”.
وأضاف: “هناك شروط يجب توفرها للحصول على قبر الفقراء، منها أن يقدم ذوو الميت وثيقة فقر حال يمكن تقديمها خلال يومين من حادثة الوفاة، إذ ليس من الضروري أن يتقدم بها ذوي المتوفى بنفس اليوم”، مؤكداً أن خيار قبر الفقراء هو الأكثر إقبالاً من قبل ذوي الموتى”.
قرض لتكاليف الموت
ويعمل ماجد علي في مطعم بدمشق، وتوفيت والدته منذ أسبوعين، وعندما سأل عن تكاليف نقل الجثمان إلى محافظته في حلب تفاجأ بأن ذلك يحتاج إلى “ثروة”، حيث أن أقل مبلغ طلب منه هو “٨ ملايين ليرة”، ما أرغمه على دفنها في مقبرة نجها في ريف دمشق، (٢٥ كم جنوبي العاصمة)، وكان عليه إضافة إلى كلفة القبر دفع أجر سيارة الإسعاف والكفن وغيرها، ليصل المبلغ إلى نحو مليوني ليرة، لأن نقل جثمان والدته إلى حلب أو دفنها في مدافن العاصمة خارج قدرته المادية. فهو حسب قوله يقطن في العاصمة حرصاً على إتمام دراسة أبنائه الجامعية، ودخله بالكاد يغطي معيشة أسرته.
أما علي محمد، فقد بين لـ”963+” أنه أخذ قرضاً لسداد تكاليف نقل جثمان والده إلى محافظة اللاذقية بعد وفاته في دمشق، حيث أخذ “الفان” أجرة نقل النعش ٤ ملايين ليرة مع “المراعاة” ليدفنه في مقبرة القرية مجاناً، يضاف إليها تكاليف العزاء والتي ساعده فيها أقاربه وأهالي قريته، لكن بنسبة بسيطة فالجميع يعاني القلة.
ضحايا يومية
بين مسؤول في مكتب دفن الموتى بدمشق، لـ”963+”، أنه يوجد في المدينة نحو ٢٩ مقبرة عدا عن المدافن الصغيرة، وأن المكتب يرده يومياً بين ١٠- ١٥ متوفياً، النسبة الأكبر منهم ليسوا من مواطني محافظة دمشق، مؤكداً أن الأجور التي يتقاضها المكتب تعتبر “شبه مجانية وكمساعدة للمواطنين في ظل ارتفاع أسعار القبور وتكاليف الدفن”.
وأوضح أن محافظة دمشق “خصصت مقبرتين رسميتين الأولى بنجها والثانية بعدرا، مع وجود دراسة لافتتاح مقابر في ضواحي دمشق مفضلاً عدم تحديد أماكنها ريثما يتم الموافقة على الدراسة”.