يرى باحثون مختصون بالعلاقات الدولية، في تصريحات لموقع “963+”، أن روسيا تنظر لتوسع الصراع في منطقة الشرق الأوسط على أنه إشغال للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية عن حربها في أوكرانيا، كما يفتح أمامها الفرص السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.
وتزامناً مع سطوع صراع الظل الإسرائيلي-الإيراني وخروجه إلى الضوء، من خلال استهداف طهران لتل أبيب بعشرات الصواريخ والطائرات المسيرة ليلة السبت الفائت، دخلت فرقاطة عسكرية روسية تحمل صواريخ كينجال الفرط صوتية إلى مياه البحر الأبيض المتوسط.
وقالت وزارة الدفاع الروسية، الأحد الماضي، إن السفينة “مارشال شابوشنيكوف” دخلت البحر المتوسط في إطار “تدريبات مخطط لها”. وستواصل أداء المهام الموكلة إليها بموجب “خطة استكشافية”، دون تقديم مزيدٍ من التفاصيل.
فما يجري اليوم يصب في مصلحة روسيا، خصوصاً أنه لايزال وفق قواعد الاشتباك. حيث تراه موسكو أمراً جيداً ونوعٌ من أنواع إنهاك الجبهة الغربية وحلفائها، و”عمل تأديبي” لإسرائيل، بحسب الباحث في التاريخ والعلاقات الدولية، والمتخصص في الشؤون الروسية والأوراسية، أحمد دهشان.
مزيد من الوقت
ويضيف دهشان في تصريحات لموقع “963+”: “تنظر روسيا لتوسيع الصراع في المنطقة كشاغل للولايات المتحدة والعالم الغربي عن الحرب في أوكرانيا، ويمنحها مزيداً من الوقت للاستعداد لحملة الصيف المقبل، والتي تعول عليها في ظل الانشغال الغربي بالحرب في غزة، والانتخابات الرئاسية المقبلة في أميركا، وأخرى في عدة بلدان أوروبية”.
ومؤخراً، أجرت موسكو بالتشارك مع الصين وإيران مناورة “حزام الأمن البحري” في خليج عُمان. وتمثل المناورة، وفقاً لمعهد هديسون، رداً روسياً على مناورات “الشمال”، التي يجريها حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بحر البلطيق. كما أنها “استعراض جريء للقوة الإيرانية”، حيث تعمل الأخيرة على استخدام شراكتها مع بكين وموسكو لإعادة تشكيل ديناميكيات الأمن الإقليمي.
ومع تصاعد حدة التوتر في المنطقة، ودخول القوى الغربية مباشرة في هذا الصراع، يرى الباحث الروسي في العلاقات الدولية سولونوف بلافريف، في تصريحات لوسائل إعلام عربية، بأن روسيا ستزيد من تدخلها، عبر زيادة دعمها لإيران وسوريا ولبنان، وهي الدول التي يوجد فيها “حركات مقاومة”. فيما تنوه، الباحثة الإيرانية في جامعة أكسفورد، ياسمين مطر، لمحاولة طهران إظهار نفسها كأكثر حكومة مناهضة لواشنطن في المنطقة، مشيرةً، إلى أن طهران، وضمن جهودها لكسب حلفاء دوليين، دعمت موسكو، باعتبارها عدواً لعدوتها، إضافة لاعتبار آخر، يتمثل بعدم وجود حليف آخر لإيران. ما يدعوها للنظر إلى روسيا كحليف.
دعم وتحالفات
وقالت إيرينا تسوكرمان، وهي خبيرة في الشؤون الاستراتيجية والعلاقات الدولية، ومحامية في قضايا الأمن القومي، لـ”963+”: “بوتين أعلن دعمه لإيران علناً، واعتبرها حليفاً وثيقاً ومتنامياً، ومورداً للأسلحة خلال حربه على أوكرانيا. كما ذكر الرئيس الروسي أنه في حالة حدوث مواجهة، ستدعم روسيا إيران. وهذا الدعم لا يشكل مفاجئةً، حيث تتشارك الدولتان تدريبات عسكرية بحرية، وإنتاج طائرات بدون طيار في روسيا”. وباعتقاد تسوكرمان، تقف روسيا وراء بعض التقنيات الاستخباراتية الأكثر تقدماً لدى إيران.
في المقابل، تحاول طهران، عبر قصفها لإسرائيل، إثبات أنها قوة يمكن الاعتماد عليها من قبل حلفائها في روسيا والصين في مواجهة خصمهم الأميركي المشترك. فالهجوم الإيراني، يمثل رسالة ردع مركبة لتل أبيب وواشنطن بشأن ما تمتلكه طهران من قدرات هجومية غير محدودة، حسب مركز ستراتيجيكس.
مصالح روسية
تنسق روسيا مع إيران في العديد من قضايا المنطقة، حسب تسوكرمان، “من دعم الأسد في سوريا، إلى دعم الحوثيين في اليمن. وبفضل نمو النفوذ الإيراني في المنطقة، فُتحت العديد من الفرص السياسية والدبلوماسية والاقتصادية أمام روسيا، من صفقات النفط في العراق، إلى العلاقة مع الفصائل الموالية لإيران ولتيار الإسلام السياسي، التي كانت سابقاً تبدي قلقاً بشأن العلاقة مع روسيا. وإلى جانب استفادة موسكو من جهود طهران الرامية لإخراج أميركا من المنطقة. كذلك، فإن السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، يشكل عاملاً لإلهاء واشنطن عن حرب روسيا على أوكرانيا”.
ورغم الاتصال الوثيق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، إلا أنه لم يعرض الوساطة بين الجانبين، ولم يوجّه طياريه المتمركزين في سوريا، للتدخل في الضربات الإسرائيلية أو وقف إيران من توسيع بنيتها التحتية العسكرية في سوريا. واقتصرت الجهود الروسية على نصيحة الطرفين بعدم توسيع نطاق الصدامات. فباعتقاد بوتين، وفقاً لمعهد واشنطن، “أن إمكانية استغلال المنافسة الإسرائيلية-الإيرانية تقع في مصلحته الخاصة”.
ويشير دهشان، إلى ترويج وسائل الإعلام الروسية مصطلح “ازدواجية المعايير الغربية”، عبر مقارنة عدم إدانة العالم الغربي لاستهداف القنصلية الإيرانية، أو عدم وضوح الموقف الغربي تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أو العمل على إيقافها أو فرض عقوبات على إسرائيل، بما تم فرضه على روسيا من عقوبات غير مسبوقة في التاريخ.
ووفقاً لوسائل إعلام دولية، تطلّع الحكومة الإسرائيلية الحالية، لإظهار دعمها الدبلوماسي للرئيس الروسي، مع تبديد التوتر مع موسكو على خلفية أزمة الوكالة اليهودية والحد من نشاطها في موسكو، إضافة لتغيير نظرة موسكو النمطية عن إسرائيل، بأنها منحازة إلى كييف وواشنطن، وهو ما عمّقته سياسة حكومة يائير لبيد، عبر توجيه انتقادات شديدة اللهجة إلى روسيا واتهمتها بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.
توثيق العلاقات
أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى تسريع تعاونها الاستراتيجي مع إيران، بما فيه الشق العسكري. ويرجح معهد واشنطن، استمرار هذا التوجه. حيث تشير بعض التقارير لوجود شراكة أوسع نطاقاً في مجال التكنولوجيا الفائقة والدفاع. كما أن دعم إيران لروسيا بطائرات “شاهد” الهجومية بدون طيار، أثار الكثير من الاهتمام، نظراً لإحجام الفواعل الدولية الأخرى عن تقديم الدعم العسكري لروسيا عن طيب خاطر.
وحرصت روسيا على علاقة متميزة مع إسرائيل، حسب دهشان، وازدادت تميزاً مع وجود فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو على رأس السلطة في بلديهما. ورغبةً من روسيا في طمأنة إسرائيل، سمحت لها بتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا، إن وجدت تل أبيب أن هذه العمليات ضرورية لمواجهة أي نشاط يعارض مصالحها أو يحدث خرقاً في منظومة أمنها القومي. وقد تم تنسيق الضربات الجوية الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سوريا على أعلى المستويات بين الجانبين. كما تمت لملمة سريعة لحادث إسقاط الطائرة الروسية بنيران سورية، نتيجة مناورة بدت أنها متعمدة من قبل إسرائيل.
مع ذلك، تعرضت علاقة الدولتين لاهتزاز كبير بعد الحرب الروسية-الأوكرانية. حيث فوجئت موسكو بموقف الحياد الإسرائيلي، والذي بدا حياداً سلبياً يفيد أوكرانيا. وكذلك، تحولت تل أبيب لملاذٍ للمعارضين الروس، وتحديداً ذوي الخلفية اليهودية، وإلى منصة لمعارضة الحرب ومناهضة بوتين شخصياً، دون محاولة من تل أبيب لإيقاف هؤلاء أو الطلب إليهم عدم الحديث عن بوتين. ما شكّل خيبة أمل كبيرة لدى الكرملين، الذي عول كثيراً على أن العلاقة المميزة مع إسرائيل، والعلاقة الأكثر تميزاً مع اليهود الروس المرتبطين بإسرائيل، ستؤدي إلى موقف إيجابي من هذه النخب، ينعكس على علاقة روسيا مع الغرب، بحسب ما قاله دهشان لـ”963+”.
وتشاركه الرأي تسوكرمان، بقولها: “استخدمت روسيا إسرائيل كأداة ضد النفوذ الغربي في الشرق الأوسط، أملاً بإحداث انقسامات بين إسرائيل والغرب. إذ حاولت روسيا كسب الزخم في إسرائيل، عبر “تزييف الصداقة”، واستخدام الشتات الروسي الكبير، والتظاهر بالتعاون الأمني ضد الفصائل الإيرانية في سوريا. وهي مبادرات ثبت خطئها، مع إضرارها بمصالح إسرائيل، والتسبب بمشاكل في علاقة تل أبيب بواشنطن، لاسيما في الشأن الأوكراني. مشيرةً “لمصلحة روسيا بتوريط إسرائيل في أكبر عدد ممكن من المواجهات لإحداث انقسامات حزبية في الداخل الأميركي”.