بيروت
تسعى دول الخليج عبر جهودها الدبلوماسية لإبعاد شبح توسّع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، في محاولة لحماية أمنها وسياساتها الاقتصادية الطموحة المهدّدة خصوصاً بالتصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن محللين.
وأجرى قادة دول الخليج اتصالات دبلوماسية مكثفة بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، الأسبوع الماضي.
وتحدث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمس الاثنين، مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عن “ضرورة خفض كافة أشكال التصعيد وتجنّب اتساع رقعة الصراع في المنطقة”، بحسب بيان للديوان الأميري.
وكان الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ناقش الأحد، مع كلّ من الشيخ تميم وملك الأردن عبدالله الثاني والعاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، “تطوّرات الأوضاع في المنطقة”، وفق ما أفادت وكالة أنباء الإمارات “وام”.
وأشارت وزارة الخارجية السعودية إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تحدث مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
وأجرى كلّ من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان محادثات هاتفية مع نظيرهما الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في حين تواصل وزيرا الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان والكويتي الشيخ فهد اليوسف الصباح مع نظيرهما الأميركي لويد أوستن، وفق وسائل إعلام رسمية.
ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة “كينغز كوليدج” في لندن أندرياس كريغ أن دول الخليج تتشارك “إدراكاً عاماً بأنّ الصراع مضرّ للأعمال وأن تجنّب النزاع أصبح الآن أمراً (ضرورياً) مهما كلّف الثمن”.
اجتماع استثنائي
وعقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، الاثنين، اجتماعاً استثنائياً في هذا الصدد.
ويضع التصعيد الأخير الكثير من الأمور على المحك بالنسبة للدول النفطية الستّ التي يستضيف أغلبها منشآت عسكرية أميركية. ويعتمد تحقيق أهداف خططها الباهظة الكلفة والرامية لتنويع اقتصاداتها، على ضمان السلام والأمان لازدهار الأعمال والسياحة في مرحلة ما بعد الوقود الأحفوري.
وتعتبر السعودية، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، هي أكثر الدول الخليجية إنفاقاً في هذا المجال، إذ استثمرت مئات مليارات الدولارات لبناء مدن جديدة ومعالم ترفيهية ضمن خطة إصلاحات اقتصادية واجتماعية طموحة تعرف باسم “رؤية 2030” أطلقها ولي العهد.
ويقول المحلّل السعودي المقرّب من الديوان الملكي علي الشهابي لوكالة فرانس برس، إن “الأولوية القصوى بالنسبة للسعودية هي عدم تصاعد الأزمة”.
ويوضح أنه في حال تعرّضت إيران لهجوم، قد “تميل (طهران) إلى الردّ في دول مجلس التعاون الخليجي نظراً لقربها (الجغرافي) منه وكثرة الأهداف التي يصعب حمايتها”.
مصالح متبادلة
وتعرّضت السعودية والإمارات بين 2019 و2022 لهجمات شنّها الحوثيون المدعومون من إيران في خضمّ نزاعهم المتواصل منذ أكثر من عقد من الزمن مع الحكومة اليمنية المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية.
ويضيف الشهابي: “أدركت إيران للتو مدى صعوبة استهداف إسرائيل الواقعة على بعد آلاف الأميال، لكن دول مجلس التعاون بقربها وحجمها الهائل مقارنة بإسرائيل، هي قصة أخرى”.
ولعلّ استئناف الرياض علاقاتها مع طهران العام الماضي بعد قطيعة طويلة، أمر ينعكس إيجاباً على المملكة، بالإضافة إلى قدرتها على التأثير على واشنطن التي تسعى جاهدة لدفع المملكة إلى الاعتراف بإسرائيل، كما فعلت الإمارات والبحرين.
وتسبّبت حرب غزة التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعرقلة جهود الوساطة الأميركية للتوصل إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
ويقول الباحث المتخصص في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية عمر كريم: “ستضغط السعودية بالطبع على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة وعدم الردّ على الهجمات الإيرانية”.
وفي السياق، تبقى سلطنة عُمان المقرّبة من إيران، وسيطاً أساسياً، وكذلك قطر التي تقيم علاقات جيّدة مع كلّ من الولايات المتحدة وإيران أدت إلى التوصل الى اتفاق لتبادل سجناء بينهما وتحويل أرصدة كانت مجمّدة لطهران العام الماضي.
ويرى كريغ أن “قطر مميّزة جداً بسبب قاعدة العُديد”، وهي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن الدوحة ستواصل على الأرجح “القول للأميركيين إنهم لا يستطيعون استخدام مجالها الجوي، ولا قواعدهم (الموجودة على أراضيها) لشنّ هجمات على إيران”.
ويعتبر أن “هذا الأمر سيصعّب على الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل فعليًا في ضربة هجومية محتملة داخل إيران”.
وجدّدت واشنطن تأكيدها على دعمها “الصارم” لإسرائيل، مؤكدة أنها لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي مضاد محتمل ضد إيران.
وبحسب كريم، فإن “أي تدهور إضافي لن يترك خيارات جيدة لدول الخليج”. ويقول “بالتأكيد كلما انتهى هذا الصراع مبكراً، كلما كان ذلك أفضل لكافة دول الخليج”.
ويضيف أن “الصراع يخلق بشكل متزايد توازناً إقليمياً جديداً للقوى… مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة من جهة وإيران ووكلائها من جهة أخرى. وتكافح دول الخليج من أجل المكانة والتأثير السياسي”.
ويتابع: “بالتالي، فإن التصعيد يضع الخليجيين في موقف صعب للغاية لأنهم لا يريدون الوقوف مع أي من المعسكرين ولكنهم سيتأثرون بغض النظر عن كل شيء”.
وتقع الدول الغنية بموارد الطاقة في الخليج العربي على الضفة المقابلة للأراضي الإيرانية من حيث أُطلقت مئات الصواريخ والمسيّرات ليل السبت الأحد باتجاه إسرائيل، رداً على هجوم استهدف قنصلية طهران في دمشق ونُسب إلى تل أبيب وأدى إلى مقتل سبعة من أفراد الحرس الثوري. وتمكّنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين من اعتراض القسم الأكبر من الصواريخ والمسيّرات.