“أولادي الصغار يعملون في جبيل ليصرفوا على المنزل لأنني مريض ولا أستطيع العمل، وبعد هذه الحادثة لا أستطيع إرسالهم إلى أي مكان، حتى العمل”.
إبراهيم، لاجئ سوري يعيش في لبنان منذ عام 2014، لم يستطع إرسال أطفاله الذين يعملون في محلات بيع الأدوات المنزلية في مدينة جبيل شمال العاصمة بيروت، إلى العمل، خوفاً من تعرضهم لأي خطر في ظل الحملة العنصرية المستمرة ضد اللاجئين السوريين بعد مقتل مسؤول سياسي لبناني.
فقد أثار مقتل باسكال سليمان، وهو مسؤول في حزب “القوات اللبنانية” في قضاء جبيل، حملة تحريض ضد اللاجئين السوريين، بخاصة أن التحقيقات أشارت إلى ضلوع أشخاص من الجنسية السورية في الجريمة، بحسب بيانات الجيش اللبناني.
في تفاصيل الجريمة، فقد اعترضت سيارة بيضاء اللون تحمل 4 مسلحين سيارة مسؤول حزب “القوات” بعد انتهائه من تأدية واجب العزاء في بلدة الخريبة الجبلية، حيث قام المسلحون بخطفه، ثم اقتادوه إلى الشمال اللبناني ومن ثم إلى الداخل السوري، فيما عُثر على سيارته مركونة في مدينة طرابلس شمال لبنان وفقاً لبيانات أمنية رسمية.
وأعلنت قيادة الجيش في بيان لها مساء الإثنين، مقتل سليمان على يد الخاطفين الذين نقلوا جثته إلى سوريا، ليعود الجيش اللبناني ويتسلّمها يوم الثلاثاء.
تخوف وترقب
في حديث لموقع “963+”، يقول أحمد عبيد، وهو لاجئ سوري آخر يعيش في لبنان منذ أكثر من 30 سنة ويقيم في بلدة عمشيت المتاخمة لمدينة جبيل، إنه بعد حادثة مقتل سليمان لم يعد يجرؤ على الخروج من المنزل، خوفاً مما يمكن أن يحصل وبحسب عبيد “الجوّ مشحون والوضع متوتر، وبالتالي هناك خطر على حياتي وحياة أطفالي في حال قررنا الخروج”.
زوجتي هي التي خرجت بدلاً مني لشراء حاجيات المنزل كونها امرأة و”يُستبعد أن يتم التعرض لها”، ولكن على الرغم من ذلك فقد لاحقتها نظرات الناس في الشارع
أحمد عبيد
أما علي والذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً كونه يعمل في مدينة جبيل، وهو لاجئ سوري مقيم في مدينة البترون القريبة من جبيل، فلم يستطع الذهاب بالأمس إلى عمله بسبب الحادثة التي وقعت، مشيراً إلى أن “صاحب المحل اللبناني الذي يعمل فيه اتصل به وطلب منه أن يبقى في المنزل ريثما تهدأ الأمور ويعود كل شيء إلى طبيعته”.
يخشى علي من أن يخسر مصدر رزقه في حال تطورت الأمور في الأيام المقبلة، بخاصة أنه المعيل الوحيد لعائلته وتقع على عاتقه مسؤولية تأمين احتياجاتهم.
تحميل مسؤولية الجريمة والتفلت الأمني للاجئين السوريين “غير منطقي وغير عقلاني، عدا أنه شمولي وظالم أيضاً.
ناشطة سورية في حديث لموقع 963+
وأضافت أن مسؤولية حفظ الأمن وتطبيق القانون على جميع السكان في لبنان تقع على عاتق الدولة اللبنانية “التي لا تقوم بدورها كما يجب، وبالتالي هي التي تفتح المجال أمام التسيّب والتفلت”.
ولفتت إلى أن حملات العنف والكراهية ضد اللاجئين السوريين ستؤدي إلى المزيد من التوتر بين الشعبين اللبناني والسوري وهو أمر مضر للطرفين، “فحتى عندما يعود اللاجئون إلى بلادهم، سيبقون جيراناً للبنان”.
من جهته اعتبر المدير التنفيذي لـ”مركز سيدار للدراسات القانونية” سعد الدين شاتيلا في حديث خاص لموقع “+963” أنه “ليس من الطبيعي و العادل أن يتحمل كل السوريين ما ارتكبه البعض منهم”.
وأضاف أنه عند حصول أي جريمة وبغض النظر عن جنسية الفاعل، يجب أن يكون التحقيق شفافاً وعادلاً. كما استنكر شاتيلا التحريض الحاصل ضد اللاجئين السوريين، بخاصة الحملات المنتشرة على بعض المنصات والوسائل الإعلامية، معتبراً أنها ليست بمصلحة أحد.
أما بالنسبة للجرائم المرتكبة من قبل اللاجئين السوريين، فأشار شاتيلا أنه لا يوجد أرقام دقيقة وواضحة لتلك الجرائم، مستنكراً نسب معظم الجرائم الحاصلة في البلاد للاجئين.
تضييق وتعرض للاجئين
أثار نبأ مقتل سليمان الغضب في عدد من المناطق اللبنانية، وتعرض مواطنون سوريون للاعتداء من قبل شبان في بيروت وكسروان وجبيل شمال البلاد.
وعمدت بعض البلديات في بيروت والمتن وكسروان والبقاع اللبناني، أمس الثلاثاء، إلى إصدار تعاميم بمنع تجول اللاجئين في نطاقها. فيما تلقى لاجئون في مناطق بشرّي شمال لبنان إنذارات بعدم مغادرة منازلهم “حتى إشعار آخر”. وترافقت الاعتداءات الميدانية مع دعوات سياسية لترحيل السوريين من لبنان، وتحميلهم مسؤولية كل ما يحصل في البلاد.
وكانت مصادر خاصة لموقع “963+” قد أفادت بوقوع بعض الإشكالات ليل الإثنين في منطقة فرن الشباك في ضواحي بيروت، أدت إلى جرح ثلاثة سوريين ونقل أحدهم إلى المستشفى.
في المقابل، لا يشير حزب “القوات اللبنانية” على لسان مسؤوليه إلى السوريين بأصابع الاتهام في مقتل سليمان، بل يعتبر، بحسب بيان أصدرته “الدائرة الإعلامية” في الحزب، أن “الجريمة هي اغتيال سياسي وليست جنائية أو مرتبطة بالسرقة حتى يثبت العكس”.
الوزراء يحرّضون ضد اللاجئين
وزير الداخلية والبلديات اللبناني بسّام مولوي قال في مؤتمر صحافي عقده ظهر أمس الثلاثاء إن جريمة مقتل مسؤول قضاء جبيل “يقف وراءها سوريون”، ناسباً بعد ذلك الكثير من الجرائم التي تُرتكب في لبنان إلى الوجود السوري.
وأضاف أن الوجود السوري في لبنان لم يعد يتحمله لا لبنان ولا اللبنانيون، و “يجب الحدّ منه بطريقة واضحة”، كما أكد أن على القوى الأمنية التشدد بتطبيق القوانين اللبنانية على النازحين السوريين، مشيراً إلى ضرورة تقيّد البلديات بالتعاميم الصادرة عن وزارة الداخلية المتعلقة بالوجود السوري وكل ما يخصه.
كما أشار الوزير إلى أن 35 في المئة من الجرائم في لبنان يرتكبها لاجئون سوريون، فيما كان أفاد في وقت سابق بأن 79 في المئة من السجناء في السجون اللبنانية غير محكومين، وبالتالي فإن هذه الأرقام قد لا تكون دقيقة.
أما وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية جورج بوشكيان فاعتبر أنّ “النازحين السوريين بدل عودتهم إلى المناطق الآمنة في بلدهم، يفتعلون المشاكل في لبنان من دون سبب، إلا لإيقاع التفرقة بين اللبنانيين، وبينهم وبين السوريين، وتنفيذ جرائم الخطف، والسرقة، والتهريب، وتعاطي الممنوعات، وغيرها”.
بدوره، وصف وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب عدد السوريين بأنه “مشكلة”، قائلاً أنه يوجد “2.2 مليون لاجئ سوري في لبنان، وهو بلد يبلغ عدد سكانه خمسة ملايين فقط”.
في المقابل، تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 800 ألف لاجئ سوري مسجلون لديها في لبنان، بينما تؤكد مراكز إحصاءات محلية أن عددهم يتجاوز الـ2.1 مليون يعيشون في لبنان.
ليست المرة الأولى التي يتم فيها التحريض ضد اللاجئين السوريين، فعند كل أزمة وكل حادثة يسهل صب الاتهامات ضد اللاجئين، فيكونون بمثابة حجة جاهزة لكي تتهرب الدولة من مسؤولياتها، وتغطي على تقصيرها وتقاعسها، وكانت آخر فصول العنصرية، قضية مقتل سليمان التي تم رميها على عاتق اللاجئين، بدل فتح تحقيقات حقيقية حول شبكات التهريب والجريمة المنتشرة على الحدود اللبنانية – السورية.
963+موقع سياسي اقتصادي ثقافي اجتماعي منوّع يغطّي الحدث السوري وتقاطعاته مع الملفات العربية والإقليمية والدولية منخلال شبكة من المراسلين في سوريا وخارجها