تنتظر السبعينية أم طلال آخر كل شهر ليصلها ما يعينها على مصاريف الحياة من ابنتها المهاجرة إلى الخليج. وتقول لموقع “963+” إنه لا يمكن للحياة أن تسير لولا حصولها على هذه الحوالة التي ترسلها ابنتها آخر كل شهر، لأن أبناءها الخمسة المقيمين في سوريا لا يستطيعون أن يقدموا لها أي مساعدة مادية، فهم بالكاد يؤمنون حاجات أسرهم، وتضيف أنها تتمنى أن تساعدهم، لكن بعد ارتفاع أسعار أدويتها ومصاريف الطعام لم تعد قادرة على ذلك.
وتعيش الكثير من العائلات السورية على الحوالات الخارجية، ويرى البعض أنه لولا تلك الحوالات لحصلت كوارث مالية للعائلات وللاقتصاد الوطني معاً.
ويصف مختصون تحويلات المغتربين بـ”الحصن الذي ينقذ الشعب من الجوع المحتم والاقتصاد من الانهيار”، أو “الشريان الحيوي” لدعم الليرة، لأن تحويلات المغتربين السوريين الذين انتشروا في معظم بقاع الأرض تشكل المورد الرئيسي للاقتصاد السوري بعد التراجع الكبير في الصادرات، وخسارة معظم الموارد والثروات السورية بعد مرور أكثر من عقد على الحرب والحصار الاقتصادي.
شروط استلام الحوالات
وضمن هذا السياق المهم للغاية لحوالات المغتربين يبرز السؤال: هل أدارات الحكومة السورية شروط استلام الحوالات بما يحقق المنفعة للبلد وللمغتربين وأهاليهم؟
يشير مختصون في التحويلات المالية، إلى أن المغتربون لا يفضلون التحويل عن طريق الجهات الرسمية، بسبب الفارق بين السعر الرسمي للدولار وسعر السوق، الأمر الذي يجعلهم يلجؤون إلى التحويل عن طريق شبكات تعمل في هذا المجال، وتحقق أرباحاً كثيرة “كان يمكن لصناديق الدولة المتمثلة بالبنك المركزي الحصول على كل هذه المبالغ، ولكن هذا لم يحصل رغم تحريك المركزي لسعر دولار الحوالات أكثر من مرة، ففي ظرف أسبوع من أواخر العام الماضي رفع البنك سعر الدولار من 11500 ليرة إلى 12500 ليرة، ثم عدل السعر بظرف يومين إلى 12600 ليرة. ولكن رغم ذلك ظل سعر السوق هو الأعلى، ومن يريد التحويل يلجأ للطرق غير النظامية”.
مشاكل كثيرة
وإذا كانت الحوالة هي المنقذ لنسبة كبيرة من العائلات السورية، إلا أن هنالك مشاكل كبيرة تواجه الأبناء الذين يقترون على أنفسهم لتدبير قيمة الحوالة وإرسالها إلى أهاليهم في سوريا.
وترسل المغتربة رغد الأشقر، كل شهر 100 يورو إلى أهلها، وتعدد المشاكل التي تواجه المغترب عند إرسال الحوالات، فتقول لـ”963+”: “موضوع الحوالات يشكل عبئاً مالياً كبيراً على المغتربين، لأنهم لا يقطفون الأموال عن الشجرة، وتواجههم المشكلة الثانية وهي سعر صرف الليرة مقابل الدولار أو اليورو، فانخفاض قيمة الليرة وارتفاع الأسعار في سوريا يجعل 100 يورو التي يرسلونها شهرياً غير كافية لتسديد حاجات ونفقات الأهل”، الذين مع كل اتصال كما تضيف الأشقر، “يعطونهم نشرة أسعار عن تكاليف الحياة وأسعار السلع، بشكل يوحي أن المبلغ لم يعد كافياً”.
ثم تأتي المشكلة الثالثة، حسب الأشقر، وهي طريقة توصيل تلك الأموال، إذ إن الفارق بين سعر السوق السوداء والسعر الرسمي يجعلهم يرضخون لشروط من يعملون بالتحويل ويبتزونهم رغم علمهم، لكنهم مجبرون على ذلك، لأن سعر السوق السوداء ظل أعلى رغم تحريك السعر الرسمي أكثر من مرة، والفارق بتصريف 10 يورو مثلاً بين الرسمي والسوق يحقق فرقاً كبيراً بالليرة يمكن أن يستخدمه الأهل لشراء سلعة أخرى في سوريا.
للسماسرة
ولفتت الأشقر أن “كل 100 دولار يأخذ عليها السمسار 10 يورو عند تحويلها، ويحدثهم عن المخاطر التي يتعرض لها، وأن الاقتطاعات لا تتوقف في ألمانيا أو سوريا من المبلغ المحول وهذا يعني أن تصل 100 يورو أقل من قيمتها بعد الاقتطاعات الكبيرة، ولكن لا يوجد خيارات أخرى. وأن سعر التحويل بالطرق النظامية عن طريق “ويسترن يونيون” لا يتجاوز 4 يورو على عمولة التحويل، ولكن غير مجدية لأنه يسعر الدولار على السعر الرسمي. الأمر الذي يجعل التحويل عن طريق السماسرة هو الطريق المفضل”.
وتحول المغتربة في ألمانيا، لينا بلان، نهاية كل شهر مبلغ 100 يورو أيضاً إلى أهلها في السويداء جنوبي سوريا. وعند سؤالها عن مشاكل التحويل تساءلت “عما فعلته الحكومة للاستفادة من القطع الأجنبي الذي يتم تحويله من الخارج؟”، وترى أنه “لو التزم البنك المركزي بسعر الصرف الحقيقي، لكان حصل على كل تلك الأموال التي تضل طريقها عن خزائن الدولة”. وتضيف لـ”963+”: “الجهات الرسمية في البلاد تعرف طريق كل دولار يدخل البلد، ولكن هنالك من هم مستفيدون من هذا الأمر لذلك لا يتم علاجه ليبقى الخاسر البلد وعامة سكانه”، حسب رأيها.
تنافس محسوم
الخبير المصرفي سمير دلا، يؤكد أن هنالك “سباقاً محموماً” بين المصرف المركزي والسوق السوداء على الحوالات الخارجية، وينتقد دلا، في حديثه لـ”963+”، سياسة المركزي التي ترى أن رفع سعر صرف الحوالات “سيؤدي لتوجه الحوالات من السوق السوداء إلى المصرف المركزي”، لكن الحقيقة كما يقول هي أن “من يضع سعر صرف الدولار هو السوق السوداء وليس المركزي، لأن من يحدد السعر يجب أن يكون لديه دولار للبيع والشراء بالسعر الذي يضعه”.
ويرى أن الحملات التي يقودها المركزي ضد الصرافين في السوق السوداء ينتج عنها رفع سعر الدولار فقط، لتراجع عدد الصرافين من جهة، وكمية الدولار المعروضة للبيع في السوق السوداء من جهة ثانية.
وعن قيمة الحوالات التي تصل سوريا بتقديره قال إن الحوالات مصدر القطع بالنسبة لسوريا، وأن هنالك عدد كبير من السوريين في الخارج لا يقل حسب تقديره عن “مليون و400 ألف عامل سوري في 5 دول أوروبية”. وإذا حول كل منهم 100 يورو شهرياً، “فهذا يعني أن هنالك 140 مليون يورو يجب أن تصل البلد كل شهر، لكن في الحقيقة لا يصل منها أكثر من 10% لأن تجار القطع هم من يضعون يدهم على الحوالات التي تستقر في حسابات تجار، يستخدمونها في عمليات تصريف تتم خارج البلاد”، بحسب الخبير المصرفي.
ولفت دلا إلى أن معظم الحوالات المصدرة إلى سوريا تبقى خارجها، والقلة منها تدخل ضمن البلد، وتخصص للمنصة التي تمول المستوردات.
غير مجد
ورأى الاقتصادي سومر الغباش، أن المصرف المركزي يسعى للحصول على الحوالات عن طريق رفع سعر صرف الحوالة، “ولكن هذا لن يجدي نفعاً”. وأن ألمانيا اعتمدت موضوع البطاقات للاجئين، وامتنعت عن الدفع النقدي، وذلك لمراقبة الكتلة النقدية للمغتربين السوريين وهذا حد وسيحد من الحوالات.
وكذلك الحال مع العراق الذي اعتمد الدفع بالدينار بدل الدولار للعمال السوريين في العراق، وهذا نتج عنه ارتفاع قيمة الدولار بالنسبة للدينار، ومع ارتفاع عرض اليد العاملة السورية في العراق انخفضت الأجور التي كانوا يحصلون عليها إلى حوالي النصف، وهذا أيضاً قلص من كمية الحوالات، بحسب ما قاله الغباش لـ”963+”.
وأضاف أنه على الحكومة “التفكير بأقنية ثانية لتأمين قطع أجنبي للبلد، خاصة بعدما أصبح التسعير في سوريا بالقيمة المقابلة لدولار السوق السوداء”. وأشار إلى أن “الانخفاض الذي طرأ على سعر الدولار مؤخراً، ليس بسبب الحوالات التي تصل سوريا، وإنما بسبب تصريف السوريين من مدخراتهم من الدولار لشراء حاجياتهم في رمضان والعيد، الأمر الذي زاد من العرض الكاش للدولار في الأسواق وهذا خفض سعره، أما الحوالات فهي في تراجع مستمر، وهذا سيكون له تأثير كبير على النشاط الاقتصادي والسوق السورية”.