بيروت
لا يزال التكهن سيد الموقف حول إمكانية اندلاع حرب واسعة النطاق بين إسرائيل و”حزب الله”. ففي وقت لا تزال المعارك العسكرية الدائرة بين الطرفين منذ خمسة أشهر محدودة جداً، تلف بيروت أجواء متخوفة من اندلاع حرب كبيرة كما جرى عام 2006، خاصة وأن القرار الدولي رقم 2728 الصادر عن مجلس الأمن في 25 آذار/مارس الحالي، يجعل من مسار التسوية والتفاوض بين “حركة حماس” وإسرائيل أمام حائط مسدود، وربما يدفع هذه الأخيرة إلى التركيز على لبنان وتوسيع الحرب على جبهتها الشمالية.
المعارك العسكرية البسيطة الدائرة الآن، لا تتخطى الحدود القريبة جداً بين لبنان وإسرائيل، كما بعض الضربات الجوية في منطقة البقاع شرق لبنان والقريبة من الحدود مع سوريا. أما أعداد القتلى على الجانب اللبناني، فتقف قرب حدود الـ300 فرد، معظمهم من المقاتلين المنتمين إلى “حزب الله” أو منظمات عسكرية أخرى مقرّبة منه.
في المقابل، ليست العلاقة بين لبنان وجارته الثانية، سوريا، على أحسن الأحوال. فغالباً ما تدور “مناوشات” دبلوماسية، إعلامية وسياسية حول مسألة الحدود، خاصة مع إرسال وزارة الخارجية السورية مذكرة احتجاج رسمية إلى نظيرتها اللبنانية في نهاية شهر شباط/فبراير تشتكي من استخدام مراكز مراقبة حدودية “ضد المصالح القومية السورية”.
وكان لبنان قد أقام 39 برج مراقبة على طول الحدود مع سوريا بمساعدة الجانب البريطاني الذي موّلها وشغّلها لفترة بسيطة ثم سلّمها للجيش اللبناني، فيما يقوم هذا الأخير باستخدامها لمراقبة الحدود من عمليات التسلل وتهريب البضائع والمخدرات والأشخاص.
يوضح الكاتب والباحث السياسي اللبناني جورج حايك في مقابلة خاصة مع موقع “963+” أنه “من حق لبنان بناء وإدارة أبراج مراقبة على الحدود حتى من دون تنسيق مع الجانب السوري، لأن لبنان بلد مستقل وسيد على أرضه وهو بنى هذه الأبراج على أرضه وليس ضمن الأراضي السورية”. كما يؤكد أن هذه الأبراج لا تخدم إسرائيل بأي شكل من الأشكال “لأن التكنولوجيا المتطورة التي تتملكها تل أبيب تمكّنها من استهداف العمق السوري وأبعد النقاط الجغرافية عن الحدود مع لبنان، سواءً في محافظة دير الزور أو في مدينة البوكمال والميادين وغيرها”.
وأضاف حايك أن خلفية الموقف السوري الرافض للأبراج الحدودية يعود “إلى رغبة دمشق في إبقاء الحدود دون مراقبة، وهو الأمر الذي يصبّ في مصلحة حزب الله وإيران ونظرية ربط الساحات في المواجهة، علماً أن على الحكومة السورية واجب تطبيق القرار الدولي رقم 1680، الذي يقتضي ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا”.
وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد أصدر القرار الدولي رقم 1680 عام 2006، وهو ينص على عودة العلاقات بين لبنان وسوريا إلى طبيعتها، وترسيم الحدود رسمياً بينهما “بشكل يؤكد على سيادة لبنان وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي”، وهو أمر الذي لم يتم بشكل حقيقي بعد.
وحول ازدياد العمليات العسكرية الإسرائيلية في منطقة البقاع المحاذية للحدود مع سوريا، يرى حايك أن هذه المنطقة هي “العمق الاستراتيجي لحزب الله، وتضم مواقع عسكرية ومنظومة دفاع جوية خاصة به استقدمها من إيران عبر سوريا، فيما إسرائيل تستهدفها كلما يقوم الحزب بتوسيع مدى ضرباته على المواقع العسكرية في العمق الإسرائيلي”.
وأجاب حول توقعاته في اندلاع حرب جدية قائلاً أن لبنان “متجه نحو حرب كبيرة بين حزب الله وإسرائيل لثلاثة أسباب. الأول يعود إلى ضغط الإسرائيليين النازحين من شمال إسرائيل على حكومتهم للعودة الآمنة إلى أرضهم. أما الثاني، فيعود لوصول المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل إلى حائط مسدود بعد القرار الدولي رقم 2728 ما قد يفتح المجال أمام تل أبيب للتركيز على حزب الله، فيما الثالث يعود إلى أن الحرب تطيل أمد بقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في السلطة”.
وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر القرار الدولي رقم 2728 وتضمن طلباً لوقف النار بين “حركة حماس” وإسرائيل، ودعا إلى إطلاق مفاوضات بين الجانبين حول الرهائن، وهو الأمر الذي رفضته تل أبيب.
أما عن أداء الحكومة اللبنانية ومسؤولياتها في الدفاع عن أرضها، فرأى حايك أنها “دون المستوى وأقل من الواجب، وهي حكومة موالية لحزب الله أكان عن خوف أم عن مصلحة، وتغطيه كلياً من خلال مواقف وزير الخارجية ومواقف رئيس الحكومة، ولا تلعب دورها الحقيقي في المجال السيادي أو الدبلوماسي”.
“يلعب حزب الله بالنار مع إسرائيل، ثم عندما يحترق يحرق كل لبنان معه، وهذا الأمر يعود إلى عدم تطبيق القرار الدولي 1701 منذ عام 2006، سواءً من الجانب الإسرائيلي أم من جانب حزب الله، فيما يدفع اللبنانيون ضريبة مغامرات الحزب وعدائية إسرائيل في آن”.
جورج حايك
يُشار إلى أن القرار 1701 كان قد صدر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006، وساهم في إيقاف “حرب تموز” التي دارت بين إسرائيل و”حزب الله” في ذلك العام، والتي أودت بحياة أكثر من 2000 لبناني وخسائر قُدرت بحوالي 15 مليار دولار أميركي حسب تقارير دولية. فيما ينص القرار على عدم اعتداء إسرائيل على لبنان وعلى انسحاب “حزب الله” من الجنوب اللبناني، وهما الأمران اللذان لم يطبقهما الطرفان على حدٍ سواء.