بيروت
دفع انهيار القدرة الشرائية للرواتب والأجور في لبنان، الكثير من العائلات للاستغناء عن العاملات المنزليات اللاتي كنَّ يساعدن العائلات في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال، لاسيّما في حال كان الزوجان يعملان. وهذا الاستغناء رتَّبَ على العائلات ضغوطاً كثيرة لناحية تنظيم الوقت. وأحياناً استدعى هذا التغيير اتخاذ قرارات من قَبيل خروج المرأة من سوق العمل أو تعديل ساعات عملها أو شروطه، بما يتلاءم مع متطلّبات الاهتمام بالأطفال.
وفي تحليل لتلك المتغيِّرات، خلص تقرير بعنوان “التقييم الشامل لخدمات رعاية الأطفال في لبنان”، إلى أن مسؤولية رعاية الأطفال هي أحد المعوِّقات الرئيسية التي تحول دون دخول المرأة إلى سوق العمل. علماً أن التقرير الصادر عن مجموعة البنك الدولي، يتناول أيضاً انعكاس توسيع نطاق خدمات رعاية الأطفال وتوفيرها بتكلفة ميسورة وجودة عالية، والمواءمة مع التقاليد الاجتماعية المتعلقة بالاستفادة من هذه الخدمات، على دعم المرأة في دخول سوق العمل أو البقاء فيه، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى خلق فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، سيسهم ذلك في تحقيق النمو الكامل للأطفال.
ويستعرض التقرير الذي يحلّل العرض والطلب على خدمات رعاية الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و3 سنوات، الإطار التنظيمي والمؤسسي لرعاية الطفل في لبنان، ويحدد جانب العرض لهذه الخدمات بما في ذلك التكلفة، ويقيّم حلول رعاية الأطفال التي يقدمها أرباب الأعمال والشركات، ويعمق الفهم لاحتياجات رعاية الأطفال لدى الأسر. ويُذكر أن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية هي الجهة المنسقة لبرنامج تمكين المرأة في المشرق على صعيد لبنان.
وجاء في التقرير أن نسبة النساء في القوى العاملة اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و64 عاماً، تبلغ 22 في المئة، وفقاً لبيانات عام 2022 الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزيّ.
وأشار التقرير إلى أن 60 في المئة من الأمهات اللاتي شملهن المسح الاستقصائي، يجدنَ أن رعاية الأطفال هي السبب الرئيسي لعدم انخراطهن في العمل.
وتشمل الأسباب المهمة الأخرى، انخفاض الأجور وعدم توفر وسائل النقل والمواصلات، بالإضافة إلى الاعتبارات الاجتماعية والثقافية.
وعلى الرغم من المنافع المؤكدة للتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، نجد أن 10 في المئة فقط من مقدمي خدمات رعاية الأطفال في لبنان يعملون بكامل طاقتهم، وفي حين أن السبب في ذلك يرجع جزئياً إلى انخفاض دخل الأسر المعيشية في أعقاب الأزمة الاقتصادية، فإنه يعكس أيضاً التقاليد الاجتماعية التي تتوقع من النساء أن يتفرغن لدور الأمهات وربات البيوت.
ويسلط التقرير الضوء على عدم التوافق بين العرض والطلب، مع وجود فجوة في توفير خدمات الرعاية للأطفال الأصغر سناً (أقل من سنة واحدة).
وغالباً ما تتوفر خدمات رعاية الأطفال من خلال مراكز خاصة وبتكلفة عالية، وتتركز في المناطق الساحلية، وتمثل هذه التكاليف العالية معوقاً رئيسياً بالنسبة للأسر، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على خدمات رعاية الأطفال.
وفي سبيل المساعدة في كسر القوالب النمطية للنوع الاجتماعي، لا سيما فيما يتعلق بدور المرأة في مكان العمل ودور الرجل في الأسرة، أطلقت مجموعة البنك الدولي والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في أيلول / سبتمبر 2023 حملة توعية بعنوان “تحقيق كامل إمكاناتنا”، وتستهدف هذه الحملة الرجال والنساء وأرباب العمل والشركات من خلال مقاطع فيديو معززة بأدلة وشواهد.
ويقترح التقرير إجراءات وتدابير لتوسيع نطاق خدمات رعاية الأطفال عالية الجودة وميسورة التكلفة ومتاحة للجميع على 4 محاور: (1) تهيئة بيئة مواتية لتقديم خدمات جيدة لرعاية الطفل بكفاءة وبأسعار ميسورة، (2) توزيع أكثر إنصافاً لعبء أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر داخل الأسرة، (3) تعزيز دعم الحكومة لتلبية احتياجات الرعاية داخل الأسرة، و(4) تهيئة ظروف عمل في القطاع الخاص تراعي ظروف الأسرة على نحو يشمل جميع شرائح المجتمع.