تتكرر أخبار سقوط أبنية لأسباب عديدة في مدينة دمشق وريفها، منها ما هو مرتبط بعمليات بناء المخالفات بلا مراعاة لأدنى المواصفات المعتمدة في سوريا وفي العالم، ومنها ما له علاقة بكارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من شباط/ فبراير العام الماضي وارتداداته القوية. وأسباب تعود إلى الأعمال العسكرية التي شهدتها أغلب مدن وقرى ريف دمشق وأحياء عديدة في العاصمة نفسها خلال فترة الحرب. فما هو حجم الضيق الذي يدفع أسراً للعيش في منازل يعلمون أنها مهددة بالسقوط؟
الأمر الأكثر صعوبة من حجم الضيق، هو اضطرار الكثير من قاطني الأبنية الآيلة للسقوط للبقاء في بيوتهم رغم الخطر الذي يتربص بهم وبعائلاتهم والسبب عدم وجود البديل وعدم وجود جهة قادرة على تأمين السكن البديل اللائق.
عشوائيات
محمود علي موظف حكومي ٥٥ عاماً بيَّن أنه يقطن في حي المزة 86، وهو أحد أحياء دمشق العشوائية، وأن بيته الصغير موجود ضمن بناء كان مهدداً بالسقوط بعد كارثة الزلزال، إذ ظهرت بعض التشققات في أساسات البناء، وبعض الأعمدة، حيث تمت إقامة المبنى تحت جنح الظلام بمواصفات لا تراعي أي معايير موجودة للبناء.
ويضيف علي لـ”963+”: “قامت لجان سلامة البناء التي شكلتها محافظة دمشق بتدعيم البناء الذي أقطنه وعدنا إليه بعد ذلك، إلا أن هاجس الزلزال ما يزال يرافق زوجتي وأطفالي، وهم قلقون من تداعي البناء، رغم أن اللجان أكدت لنا أن لا شيء يدعو للقلق والبناء أصبح قوياً”.
وعرض الرجل منزله منذ عدة أشهر للبيع، إلا أنه وللأسف “إما يأتيني مشترٍ يبخس بسعره لكون البناء مدعم، أو يهرب الزبون فور سماعه بقصة البناء، وهذا جعله مضطراً للبقاء في المنزل رغم إلحاح العائلة بتركه، ويشير إلى أنه لا يمكنه الاستئجار لا سيما وأن دخله بالأساس لا يكفي مصروف طعام لعائلته المكونة من ستة أفراد. فأجور المنازل في مناطق المخالفات تبدأ من ٦٠٠ ألف ليرة وتصل إلى مليون ونصف، وهي مبالغ كبيرة جداً بالنسبة لراتبه الذي لا يتجاوز ٣٠٠ ألف ليرة.
ويعيش صالح ٤٢ عاماً في منزل والدة زوجته لأنه لا يمتلك منزلاً في دمشق ولا يقوى على الاستئجار، ومنذ شهرين سقط البناء الملاصق لبنائهم في منطقة التضامن، بلا سقوط ضحايا، وأنه يشعر بالخطر، وأنه تلقى إخطاراً وجيرانه لإخلاء المبنى، إلا أن البقاء في منزل عائلة زوجته “يبقى أقل الخيارات المتاحة سوءاً، فمن يخرج من منزله هذه الأيام سيكون بحكم الميت جوعاً وقهراً بسبب الغلاء وقلة الدخل” على حد تعبيره.
أما وداد، وهي سيدة خمسينية متزوجة فقالت لـ”963+” إنها عادت إلى منزلها في مدينة الحجر الأسود بريف دمشق مرغمة، بعد أن كانت مهجرة خلال فترة الحرب، ومنزلها موجود في منطقة شهدت أعمالاً حربية وقصفاً، كما أن تدمير شبكة الصرف الصحي أدى إلى تسرب المياه المالحة إلى أساسات الأبنية في المنطقة.
وأضافت: “الطوابق العليا من البناء شبه مدمرة”، لكنها عادت مع عائلتها إلى المنزل، وقاموا ببعض الترميمات، حتى يهربوا من استئجار المنازل والارتفاع المستمر في المبالغ المطلوبة منهم وهي خارج طاقتهم، مشيرة إلى عدم وجود أي جهة عرضت مساعدتهم سواء لاستئجار منزل أو تدعيم البناء، واقتصر الأمر على تنبيههم من عدم صلاحية البناء للسكن، فكان الخيار الوحيد المتاح هو التعايش مع الخطر.
ترحيل الأنقاض
وبدأت مديرية الخدمات الفنية بمحافظة ريف دمشق بأعمال ترحيل الأنقاض وتنظيف الشوارع وإزالة الأبنية الآيلة للسقوط في منطقة الجزيرة بالحجر الأسود، وتأتي هذه الأعمال في إطار تسهيل عودة النازحين عن منازلهم وإعادة إعمار ما دمره الإرهاب.
وكنموذج عن المدن التي شهدت انهياراً للعشرات من المباني خلال الزلزال وبعده وكان آخرها تداعي بنائين منذ قرابة الشهر في مدينة الحجر الأسود، أوضح رئيس بلدية المدينة خالد خميس، لـ”963+” بأن “عدداً كبيراً من المباني في المدينة تضعضعت بالحرب، ليأتي بعدها الزلزال الذي أدى لتداعي العشرات من المباني، في حين أن هناك العشرات من الأبنية مضعضعة وبحاجة للهدم، وممنوع اقتراب السكان إليها، إلا أن ما يؤخرنا عن هدمها هو حاجتها لإمكانات مالية كبيرة وآليات ترحيل.
وأضاف خميس: أن أكثر مناطق المدينة تأثراً بالحرب والزلزال على حد سواء هي منطقة الجزيرة والتي تضم ثلاثة أحياء وهي” أول من أيار، الجلاء، الحرية” بمساحة تقدر بنحو 200 دونم، إذ شهدت هذه المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية انهيار بنائين متضعضعين، وهما غير مأهولين بالسكان.
وكشف عن أن المحافظة شكلت لجاناً للسلامة العامة مهمتها تقييم وضع الأبنية المتضررة بمدينة الحجر وإزالة الآيلة للسقوط، علماً أنه يتم بشكل أسبوعي الكشف على 10- 15 بناء، وبحسب خميس فإن عدد السكان الذين عادوا لمدينة الحجر الأسود يقدر بحوالي 2200 عائلة، تضم أكثر من 20 ألف نسمة، مؤكداً وجود تزايد يومي بعودة القاطنين إلى منازلهم في المدينة”.
وحسب خميس، تم خلال عام 2022 وبالتعاون مع منظمة الهلال الأحمر ترميم 136 منزل بمدينة الحجر، وخلال العام الماضي تم ترميم 35 منزلاً، وهناك وعود بأن يتم ترميم عدد من المنازل خلال هذا العام.
لا يوجد أرقام
بدوره أكد مصدر في محافظة ريف دمشق، أنه لا توجد بين يديه أعداد دقيقة عن عدد المباني التي تأثرت بزلزال فبراير العام الماضي، مؤكداً في الوقت نفسه أن أعدادها كبيرة، لاسيما وأن عدداً كبيراً من مناطق المحافظة تعرضت بنيتها التحتية ومنازل المواطنين فيها للتضعضع وخاصة المناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل المتطرفة، والتي حفرت الأنفاق تحت منازل المواطنين أو بأماكن قريبة منها وهذا بدوره أثر على الوضع الهندسي للمباني.
وذكر المصدر بأن المحافظة، على إثر الزلزال شكلت لجان للكشف عن السلامة الإنشائية للأبنية بمعظم مناطق المحافظة، وتم فحص عشرات الآلاف من المنازل، وإخلاء الأبنية الآيلة للسقوط من السكان، مؤكداً لـ”963+” أن معظم الأبنية التي يعلن عن انهيارها بين فترة وأخرى “خالية تماماً من السكان، ومسجلة من قبل اللجان أنها آيلة للسقوط، إلا أنه تتم إزالتها وفق الأولوية والإمكانيات المتاحة لدى المجالس الإدارية”. فالأولوية تكون لهدم المباني الآيلة للسقوط والتي تكون بمناطق مأهولة بالسكان.
وفيما يتعلق بتأهيل المباني التي تأثرت بالزلزال، كشف المصدر بأنه تم تأهيل المئات من المباني سواء الخاصة أو الحكومية وذلك إما من خلال تعاون المجتمع الأهلي أو المنظمات الدولية.
ووفقاً للبيانات الرسمية، لم يكن لزلزال فبراير وقع ثقيل على محافظة دمشق باستثناء الضواحي البعيدة عن مركز المحافظة والتي كانت مسرحاً للعمليات الحربية كمنطقة التضامن، والتي يوجد فيها العشرات من الأبنية التي تم إخلائها من سكانها لكونها آيلة للسقوط، كما تضررت العديد من المنازل في مناطق السكن العشوائي وقسم كبير منها تم تدعيمها من قبل محافظة دمشق.
الكشف عن السلامة
ووفقاً لمدير قسم في محافظة دمشق فإن المحافظة أنجزت من خلال لجان الكشف على سلامة المباني والتي شكلتها إثر الزلزال، أعمال الكشف على معظم المباني في دمشق وتم تدعيم العشرات من المباني على نفقة المحافظة، ونوه في حديثه لـ”963+” إلى أن هناك العديد من المباني تم هدمها لكونها لا تصلح للتدعيم.