بدأ لبنان باستقطاب اللاجئين السوريين منذ بداية الحرب المندلعة عام 2011، فيما لعِب قرب المسافة الجغرافية دوراً مهماً بتوافد أعداد كبيرة من اللاجئين إليه. فبحسب الإحصائيات المتنوعة، يُعتبر لبنان البلد الذي يضم أكبر عدد من اللاجئين نسبة لسكانه على مستوى العالم.
ويتوزع اللاجئون الموجودون في لبنان على مختلف الأراضي اللبنانية، وبخاصة في منطقتي البقاع والشمال، وتحديداً محافظة عكار حيث العدد الأكبر من اللاجئين. إذ تقدر نسبة اللاجئين الموجودين في منطقة البقاع بـ 36 بالمئة مقابل 26 بالمئة في الشمال، ويعود سبب ذلك إلى قرب هاتين المنطقتين من الحدود السورية اللبنانية حيث يستطيع الراغب بالهرب من الحرب الدخول إليهما بـ”سهولة”.
مخيمات عشوائية تغزو لبنان
يبلغ عدد مخيمات اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية حوالي 3100 مخيم، وهي موزعة على كافة الأراضي اللبنانية. تُصنف هذه المخيمات على أنها عشوائية بسبب غياب كافة أشكال التخطيط والتنظيم عنها من قبل الدولة اللبنانية. إضافة إلى ذلك، تعتبر غير مهيأة لتحمل حرارة الصيف وأمطار الشتاء، إذ تشهد سنوياً فيضانات تحوّلها لبرك مياه عائمة، مما يزيد من معاناة سكانها وصعوبة أوضاعهم.
وهناك تضارب في العدد الفعلي للاجئين السوريين الموجودين في لبنان، فالدولة اللبنانية اعتبرت أن العدد يتجاوز المليوني نسمة وفق أرقام الأمن العام اللبناني التي صدرت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 2022، وهي أرقام أثارت جدلاً واسعاً باعتبارها غير حقيقية وغير مبنية على إحصائيات دقيقة، إضافة إلى أنها مجهولة المصدر. في المقابل، تشير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في آخر إحصاء لها أن عدد اللاجئين المسجلين لديها هو 800 ألف لاجئ حتى آذار/ مارس 2023، وبالتالي يوجد أعداد أخرى من اللاجئين غير مسجلين لدى المفوضية، مما يعني أنه لا يوجد تعداد نهائي ودقيق أو حتى قريب من الحقيقة لعدد اللاجئين الموجودين في لبنان.
المساعدات غير كافية
يتلقى اللاجئون الأكثر فقراً مساعدات من مفوضية الأمم المتحدة في لبنان، وهي تقدر بحوالي الـ8 مليون ليرة لبنانية (100 دولار أميركي) شهرياً للعائلة الواحدة وفق ما أشارت المتحدثة باسم المفوضية ليزا أبو خالد، وهو مبلغ لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور، إذ يعيش معظم اللاجئين ظروفاً اقتصادية سيئة جداً خاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان. فبحسب المفوضية أيضاً، فإن 90 بالمئة من اللاجئين يعيشون بفقر مدقع وأوضاع صعبة.
وبالإضافة إلى المساعدات المالية المباشرة التي تقدمها المفوضية، تُقدم أيضاً خدمات التعليم للأطفال السوريين المسجلين في المدارس الرسمية بشكل مجاني، وتنفق أموالاً طائلة على هذا القطاع في كل سنة. بالرغم من ذلك، توقف 67 بالمئة من الأطفال السوريين عن الذهاب إلى المدرسة لأسباب اقتصادية واجتماعية وغيرها من الأسباب، وهو أمر يدعو للقلق حيال مستقبل هؤلاء الأطفال الذين من الممكن أن يصبحوا فيما بعد عرضة للاستغلال من قبل أصحاب العمل والمجتمع ككل.
الأوراق القانونية والترحيل
أما بالنسبة لمجالات العمل التي يمكن للاجئين العمل فيها فهي قليلة جداً، إذ يعمل معظمهم في مجالات الزراعة والبناء والنظافة، ذلك لأن قانون العمل اللبناني لا يسمح لليد العاملة الأجنبية إلا العمل ضمن قطاعات محددة.
ويعاني اللاجئون الموجودون في لبنان من صعوبة في الاستحصال على أوراق ثبوتية لمواليدهم بسبب الإجراءات المعقدة التي وضعتها الدولة، إضافة إلى صعوبات في تجديد جوازات السفر وإخراجات القيد في السفارات والقنصليات السورية الموجودة في لبنان.
فوفق إحصائيات أممية، 69 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان لم يستطيعوا تسجيل مواليدهم في سجلات الأجانب، و86 في المائة من العائلات لم تستطع الحصول على أوراق ثبوتية لهم حتى.
إن صعوبة الاستحصال على الأوراق الثبوتية وتجديدها، ينعكس بشكل مباشر على إمكانية تجديد الإقامة، والتي تعتبر شرط أساسي لوجود اللاجئين السوريين بشكل قانوني في لبنان. تُقدر نسبة اللاجئين الذين لا يملكون إقامات قانونية بنسبة 74 في المئة من إجمالي اللاجئين، بينما هناك 16 في المئة منهم فقط حائزين على إقامات قانونية، وهو ما يعكس الصعوبات التي يواجهها اللاجئون في الحصول على إقامات قانونية ويعرضهم، في الوقت نفسه، إلى خطر الترحيل كونهم لا يملكون إقامات تخوّلهم البقاء بشكل قانوني في لبنان.
مداهمات
وقد شهد لبنان جراء ذلك موجات ترحيل غير مسبوقة للاجئين السوريين خلال الصيف الفائت، وخاصة في منطقة البقاع، عندما قام الجيش اللبناني بمداهمات متكررة لمخيمات اللاجئين ورحّل أعداداً ممن لا يملكون إقامات قانونية، دون الأخذ بعين الاعتبار أن هناك من بينهم مطلوبين ومنشقين عن قوات الحكومة السورية يمكن أن يتعرضوا للخطر جراء ترحيلهم. في الواقع، حصلت عمليات الترحيل بطريقة اعتباطية وعشوائية، دون مراعاة لأي اتفاقيات وبروتوكولات يلتزم فيها لبنان.
وفي لبنان، تعلو أحياناً موجات شعبية تطالب اللاجئين بالعودة إلى سوريا، ثم تخفت بعد فترة، وذلك تبعاً للأحداث الداخلية. إلا أن معظم من يتابع الشأن السوري يعرف أن العودة القسرية تعني موتاً شبه أكيد لمن يتم إرسالهم إلى سوريا، فيم تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مراراً وتكراراً بـ”أن الظروف في سوريا تمنعها من دعم أو تسهيل عودة اللاجئين لأن الوضع غير آمن فيها”.
في الخلاصة، إن اللاجئين الذين يعيشون في لبنان، يعانون من أوضاع معيشية واجتماعية صعبة إضافة إلى حرمان أعداد كبيرة منهم من حقوقهم كونهم لا يملكون وثائق تُعرّف عنهم، ناهيك عن التضييق وحملات الترحيل القسرية التي يتعرضون لها في الفترة الأخيرة.. وربما في قادم الأيام.