خاص – رنيم خلوف / دمشق
يوم يتساوى الليل والنهار، معلناً الكون تساوي أوقاته لتحقيق عدالة بين الضوء والظلمة، يحتفل الشعب الكردي في 21 آذار من كل عام بعيد النوروز، فهو العيد القومي للأكراد في كل أنحاء العالم، وحسب اليونسكو فإنه تقليد تاريخي يعود أصله إلى نحو القرن السادس قبل الميلاد، يعلن بداية السنة الجديدة وحلول الربيع والولادة الطبيعية للحياة.
وتتنوع حسب اليونسكو الطقوس الاحتفالية بالنوروز باختلاف عادات وتقاليد الشعوب، ويعتبر هذا العيد يوماً للتذكير بحلم استقلال الشعب الذي ضاق عليه الخناق كثيراً في المناطق التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا وتحديداً في مدينة عفرين، وهو ما يتكرر أيضاً بطريقة أخرى في إيران، فكيف يحتفل الأكراد المُضيّقُ عليهم في النوروز؟ وهل تخشى السلطات النار فعلاً لأن الولادات الجديدة تخيفهم؟
جندريس وعفرين.. نوروز صامت!
في الوقت الذي يحتفل به كل أكراد العالم بالنوروز، يحتفل أكراد عفرين حيث تسيطر تركيا بسرية تامة، وضمنية بين الناس، يتحدث الصحفي الكردي السوري محمد حبش لموقع (963+) قائلاً: “عندما دخلت تركيا إلى عفرين منعت أي مظهر من مظاهر احتفال الأكراد بعيد النوروز، لكن هذا العام المجلس المحلي الموجود وتحت ضغط ولكي يغطي على ممارسات الفصائل السيئة بحق الأكراد في عفرين وجنديرس، سمح ببعض الاحتفالات غير المنظمة، دون وجود جهة معينة تنظم وحتى ترعى، اليوم كل 3 أو 4 أشخاص بعفرين يحتفلون سوياً دون صخب”.
أكراد العاصمة يحتفلون بوسطها!
يعتبر الأكراد في كل العالم أن عيد النوروز مناسبة سنوية لتأكيد الاستمرار في النضال ومقارعة الاستبداد، ويوضح الباحث خورشيد دلي حول الاحتفالات بالنوروز لعام 2024 قائلاً: “بالنسبة لسوريا اختلف الاحتفال بالعيد حسب المناطق، في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية تجري الاحتفالات بحرية تامة وفي ظل مشاركة شعبية واسعة من مختلف شرائح الشعب السوري من كرد وعرب وأقليات قومية ودينية مختلفة، أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا والفصائل المسلحة التابعة لها فإن الاحتفالات لم تكن مسموحة في السنوات السابقة، وكان الأكراد يتعرضون لإجراءات قمعية شديدة لمنع الاحتفال وفي أحيان كان هناك ضحايا بسبب القمع، كما حصل عندما تم قتل ٤ أكراد في جنديرس على يد الفصائل المسلحة العام الماضي”.
يؤكد الباحث دلي على فكرة الصحفي حبش عن محدودية الاحتفالات في عفرين وسريتها، ويشير أن هذا يعود لصمود أهل عفرين، وأن التقارير أصدرتها المنظمات الحقوقية والتي ساهمت في منح مثل هذه الفرصة وفي مناطق الحكومة السورية احتفل الأكراد هذا العام في منطقة مشروع دمر، حيث يتجمع غالبية الأكراد السوريين، تماماً قرب مجمع الفيحاء، وأشار دلي إلى أن القوات الأمنية السورية حضرت تؤمن الحماية للمحتفلين بالعيد، وينوه إلى أن الاحتفال بدمشق له رمزية سياسية إيجابية في علاقة الأكراد بالحكومة السورية، بوصفها حكومتهم التي يتطلعون للمشاركة والمساهمة في بناء سوريا بعد كل هذه الحرب التي أودت بحياة الآلاف وخلفت كنت دماراً كبيراً في كل الاتجاهات.
والاحتفال بالنوروز في دمشق ليس بجديد وإنما هو تقليد راسخ، وتوقفه خلال الأعوام الأولى من الأزمة السورية كان اضطرارياً بسبب ظروف الحرب، والعودة إلى الاحتفال خلال السنوات القليلة الماضية هو تعبير عن تحسن الأجواء الأمنية والرغبة في استئناف دورة الحياة، ولذلك ليس هناك تغير في القواعد المتبعة سابقاً بقدر ما هو عودة إلى هذه القواعد في ظل رغبة بتجاوز الأزمة، بحسب دلي.
إيران الخوف من الآخر!
لم تغير السلطات الإيرانية عادتها في الخوف من هويات الشعوب الأخرى وثقافتها وحتى سياستها، وماتزال السلطات الإيرانية تضايق الأكراد الذين يحتفلون بعيد النوروز، وعن الاحتفالات في إيران يشير وجدان عبد الرحمن الكاتب والباحث في الشؤون الإيرانية، لـ”963+” إلى أن “السلطات الإيرانية تعمل على التعتيم المطلق على احتفالات الأكراد بعيد النوروز، وطريقة احتفالاتهم الثقافية والاجتماعية والتراثية، ومضايقات السلطات الإيرانية مستمرة من أيام رضا شاه، ولم تقتصر على التخوف من موضوع القومية للشعوب المختلفة، فعندما يتعلق الموضوع بالأكراد يلحظ أي متابع حالة حساسية من جانب السلطات الإيرانية خوفاً من أي هوية مختلفة”.
ويتابع الباحث أن السلطات الإيرانية، تعمل على طمس هويات الشعوب ولغاتهم، والشعب الكردي يستطيع من خلال هذا العيد إبراز هويته وثقافته ولغته وسياسته وهذا ما تتخوف منه إيران، وهو أن تبرز الشعوب هوياتها داخل الجغرافية الإيرانية، لذلك نشهد مضايقات الأكراد بهذه المناسبة، والاتهامات لدى السلطة الإيرانية جاهزة من أجل قمع الشعب الكردي في إيران، ومع ذلك يتحدى الأكراد الإيرانيين السلطة ويمارسون احتفالاتهم رغم المضايقات والاعتقالات ويخرجون إلى الشوارع بزيهم وثقافتهم.