بروكسل
تقع الدول والشركات والمستثمرون في الحيرة بين خيار ضرورة استمرار الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة، بما فيها النفط، للحفاظ على وتيرة الإنتاج وزيادته في بعض الاحيان على مستوى عالمي، وللمساهمة في زيادة النمو الاقتصادي بعد سلسلة من المحطات التي كان لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمي، وبين ضرورة الانتقال إلى المصادر المتجددة الأقل كلفة والأقل تلويثاً للكوكب.
وتبرز النظرة الإيجابية لمؤيّدي الانتقال نحو الطاقة المتجدّدة، من خلال مؤشّرات انخفاض الطلب على النفط، وهو ما تخشى منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، انعكاساته على اتخاذ قرارات صعبة ومحفوفة بالمخاطر تجارياً بشأن الاستثمار في عمليات المنبع، وفق ما عبَّرَت عنه المنظمة يوم الإثنين 13 مارس/ آذار.
لكن من ناحية ثانية أكّدت وكالة الطاقة الدولية ” أن اعتماد العالم على النفط آخذ في الانخفاض، لكنه لا يزال متجذراً، لذا فإن تعطل الإمدادات لا يزال من الممكن أن يسبب ضرراً اقتصادياً كبيراً وأن يكون له تأثير سلبي كبير على حياة الناس”. ولذلك، تسلّط الوكالة الضوء على أهمية أمن النفط، وهو ما استبشرت به أوبك خيراً حيال القطاع.
وسرعان ما بثّت الوكالة معطيات رأت أوبك أنها تزيد الغموض في موقف الوكالة حول النفط. إذ دعت الوكالة إلى عدم توجيه استثمارات جديدة نحو النفط.
وبالتوازي، تتباين وجهات نظر الجانبين بقدر كبير فيما يتعلق بتقديرات الطلب على النفط هذا العام فصاعداً. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يصل الطلب إلى ذروته بحلول عام 2030، بينما لا يرى منتجو النفط في أوبك أي وصول إلى الذروة في توقعاتهم التي تمتد إلى عام 2045. وذكرت وكالة رويترز هذا الأسبوع أن وجهات نظر الجانبين باتت متباعدة أكثر مما كانت عليه قبل 16 عاماً على الأقل.
يشار إلى أن الحرب على أوكرانيا وتداعيات انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، والحاجة إثر ذلك إلى استعادة ما خسره الاقتصاد من نمو، استدعى زيادة الاعتماد على النفط، وتالياً تخفيض الدول توقعاتها حول تقليص الانبعاثات والاستثمار في هذا المجال والتحضير للانتقال نحو طاقة نظيفة، ما يُبقي الاعتماد على الوقود الأحفوري قائماً.
وفي هذا السياق، توقّع الأمين العام لمنظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك)، هيثم الغيص، في وقت سابق، “زيادة الطلب العالمي على النفط بحلول العام 2045 بمعدّل 110 ملايين برميل يومياً”. واعتبر الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، أمين الناصر أن “التحول الكامل للطاقة في الاقتصاد العالمي، في ربع قرن فقط، هو فكرة خيالية”.
وعليه، يبقى الانتقال الكلّي نحو الطاقة النظيفة، أو على الأقل نحو الغاز الأقل تلويثاً والأقل سعراً من النفط، حلماً بعيد المنال في المستقبل القريب، خصوصاً وأن الانتقال إلى الطاقة النظيفة يحتاج إلى تريليونات الدولارات. كما أن الحكومات في العالم تضع في سلّم أولوياتها حالياً الخروج من الأزمات الاقتصادية وتفادي كوارث التضخُّم الاقتصادي والفقر والبطالة.