خاص ـ بيروت
أرخت الأزمة الاقتصادية في لبنان بظلالها على كافة القطاعات، وأصابت القطاع الصحي بنكباتٍ انعكست نتائجها على المرضى، سواء لناحية عدم قدرتهم على دفع تكاليف الدخول إلى المستشفيات أو دفع ثمن الأدوية، إن وُجِدَت في السوق.
ورغم تراجع حدّة فقدان الأدوية بعد رفع الدعم الرسمي عن عدد كبير منها، إلاّ أن السوق السوداء ما زالت تنتشر بقوة، سيّما بالنسبة إلى أدوية الأمراض المستعصية والسرطانية.
ولا يخفى هذا الموضوع على المسؤولين عن هذا القطاع، إذ يؤكّد نقيب الصيادلة جو سلّوم، أن “أكثر من 85 بالمئة من المرضى لا يحصلون على دوائهم المدعوم اليوم، وأن أزمة فقدان أدوية مرضى السكري والسرطان مستمرة”.
وفضلاً عن عدم حصولهم على الدواء المدعوم “ترتفع أسعار الأدوية في موجة ارتفاع جديدة التُمِسَت منذ نحو أسبوع”. بحسب سلّوم الذي نفى أن يكون السبب استهداف بعض البواخر في منطقة البحر الأحمر، مشدداً على “عدم تأثر قطاع الدواء برفع الأسعار جراء ما يدور في البحر الأحمر”. وعزا السبب إلى “رفع الدعم الكلي عن الأدوية المصنعة محلياً”.
وناشد نقيب الصيادلة المعنيين للإسراع في تأمين الأدوية اللازمة لأمراض السرطان والأمراض المستعصية، مشدداً على أن هذا الملف “يجب أن يكون أولوية للدولة. فالمواطن متروك للسوق السوداء ولشراء الأدوية بما فيها المزورة”. ودعا سلّوم إلى ضرورة أن يكون شراء الأدوية للأمراض المستعصية “مقتصراً على الدولة، بما في ذلك توزيع هذه الأدوية مجاناً للمرضى بدلاً من القيام بدعمها”.
هذه الجدلية لم تنتهِ منذ نحو 4 أعوام حين تسارع انهيار الاقتصاد والليرة. لكن في دهاليز القطاع الصحّي والدوائي، إن “الأزمة كانت كامنة وظهرت بعض بوادرها من خلال فضائح الأدوية المغشوشة، ومنها أدوية السرطان التي كانت تؤخَذ من المستشفيات ومن مستودعات الأدوية ويُباعً عوضاً عنها أدوية أخرى”، وفق ما تقوله مصادر في نقابة الصيادلة.
وتشير المصادر إلى أن “فضيحة مستشفى بيروت الحكومي في العام 2017 ما زالت واضحة حتى اليوم”. وللتذكير، فإن “السيدة م.ب، رئيسة قسم الصيدلة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، أقدمت على بيع كمية كبيرة من الأدوية السرطانية الموجودة في المستشفى والمقدمة من وزارة الصحة العامة، واستيفاء ثمنها بمئات ملايين الليرات لمصلحتها الشخصية، واستبدالها بأدوية أخرى غير فعالة وفاسدة، ومنتهية الصلاحية، وإعطائها لعدد كبير من المرضى المصابين بالسرطان ومعظمهم من النساء والأطفال، من دون علمهم. ما حرمهم فرص الشفاء، أو تسبب بوفاتهم”، وفق ما جاء في بيان الهيئة العليا للتأديب، يومها.
وتلفت المصادر النظر إلى أن “صفحة فضيحة مستشفى بيروت طُوِيَت على اسم سيّدة واحدة، لكن مسار وصول الأدوية إلى المستشفى والتدقيق في إعطائها للمرضى، لا يتمّ بقرار منفرد من السيّدة المعنية، بل تمرّ العملية على مجموعة من الأشخاص والمسؤولين في المستشفى، ما يعني أن حلقة واسعة من الأشخاص تورّطوا في القضية، لكنهم يستندون إلى دعم سياسي، ولذلك، تمّ إخراجهم من الملف”.
وتؤكّد الحادثة التي تعود إلى ما قبل العام 2019، أي إلى ما قبل الأزمة الاقتصادية، أن “ما يحصل في لبنان على مستوى الدواء ليس منفصلاً عن حالة الفوضى والفساد المستمرة منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990، لأن مَن يستورد الدواء ويشرف على تخزينه وتوزيعه، لا ينفصل عن المنظومة الحاكمة”.
وتأسف المصادر إلى “وصول قطاع الدواء إلى هذا المستوى السيّء الذي يضطر معه مرضى السرطان إلى التذلّل لموظفين في وزارة الصحة أو المستشفيات الحكومية وعلى رأسها المستشفى الحكومي في منطقة “الكرنتينا” في بيروت والذي توزَّع فيه أدوية السرطان من قِبَل وزارة الصحة.
ففي تلك المستشفى يذهب بعض المرضى للحصول على الدواء بعد تأكيد الموظفين للمريض بأن اسمه مدرج في لائحة الحصول على الدواء لهذا اليوم أو ذاك، وبعد توجّه المريض إلى المستشفى، يُفاجأ بأن لا دواء له. وفقدان الدواء ليس لخطأ في تقدير عدد الأدوية، بل بسبب إخفائه وبيعه في السوق السوداء، وهو ما يُذكِّر باختفاء أدوية معالجة فيروس كورونا، وفي مقدّمتها إبرة الـ”ريمديسيفير” Remdesivir التي بيعَت بأسعار متفاوتة وخيالية في ذروة انتشار الفيروس في العالم. وللمفارقة، فإن الصيدليات ومستودعات الأدوية التي احتكرت هذه الإبرة، معروفة في لبنان، وغير مخفية عن وزارة الصحة. لكن الغطاء السياسي دائماً هو الأقوى على حساب صحّة الناس”، بحسب المصادر.