منذ نحو 13 عاماً، باتت سوريا إثر الحرب التي تلت احتجاجاتها الشعبية في منتصف مارس/ آذار من العام 2011، ساحة رئيسية لصراعات القوى الأجنبية الكبرى، وهو ما أدى لإضعافها وتغيير خارطتها السياسية رغم أنها كانت قبل ذلك واحدة من أكثر الدول استقراراً وتأثيراً فعالاً في المنطقة رغم وجود مشاكلٍ داخلية كانت تعاني منها وتتعلق بالديموقراطيات، لكنها تحولت بين ليلة وضحاها إلى أكثر المناطق المتزعزعة أمنياً وسياسياً، ومن أخطر البؤر الجاذبة للمتطرّفين وأنشطتهم العسكرية.
ومن هذا المنطلق، بات بالإمكان وصف سوريا بأنها دولة “فاشلة”، فهي غير قادرة على تجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية والعسكرية ولا تستطيع توحيد صفوف الأطراف المتنازعة والتوجه نحو حلول تضمن حقوق الجميع تحت قبة بلدٍ موحد سيما أنها تواجه انقسامات داخلية خطرة، إضافة إلى العامل الأبرز المتمثل بالتدّخلات الخارجية، التي حولت البلاد إلى مرتعٍ تنافسيّ بين القوى الإقليمية والدولية في ظلّ التقاطعات وتضارب الأهداف والمصالح بين القوى الفاعلة في المشهد السوري، مما جعل الأزمة أكثر تعقيداً وتشابكاً على كافة الأصعدة الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والمالية.
في الواقع، خلقت هذه الحرب وما رافقها من تدخلات خارجية تأثيرات مباشرة على الداخل، حيث يعاني الشعب السوري منذ عام 2011، من تداعيات كارثية بعد سقوط أكثر من 500 ألف قتيل وآلاف المفقودين، بالإضافة إلى هروب ملايين السوريين سواء كان نزوحاً داخلياً أو إلى الخارج بحثاً عن الأمان والحياة. ولم تكن ترددات الأزمة السورية على الداخل فقط، بل امتدت لتؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي العربي، بفعل موجة اللجوء الكبرى ونتيجة تنامي التدخلات الخارجية وظهور التنظيمات المسلحة وعملياتها الإرهابية، إضافة إلى تحوّل سوريا لساحة صراع دولي بين القوى الكبرى وتحديداً بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، ومطمعاً إقليمياً لتركيا، من خلال تدخلها العسكري المباشر واحتلالها لمدن وبلدات حدودية في شمال شرق سوريا وغربها.
وكان لعمليات التدخل العسكري الخارجي في سوريا انعكاسات خطرة على أمن المنطقة من جهة وعلى وحدة الدولة السورية من جهة ثانية، حيث أنّ الجانب التركي سعى لتكريس الانقسام بدعم المعارضة من أجل تحقيق مصالحه الخاصة على حساب الشعب السوري. ويأتي ذلك مع التدخلات الإيرانية التي كانت أحد الأسباب الرئيسية لعدم استقرار الأوضاع في المنطقة. وعلى الرغم من اتخاذ قرار من جامعة الدول العربية بعودة سوريا إلى مقعدها بعد سنوات من تجميد عضويتها، إلا أنّ هذه الخطوة غير كافية، لأن سوريا تحتاج إلى الكثير من الجهد والدعم العربي لكي تعود كما كانت قوية وآمنة لاستعادة أبنائها المنتشرين في الخارج.
ولا تتوقف سلسلة التدخلات العسكرية الخارجية في سوريا عند تركيا وإيران، بل تتعداها لتصل إلى إسرائيل، وتهديداتها المتزايدة في المنطقة في ظل استمرار الحرب على قطاع غزه وتنفيذ إسرائيل لبعض العمليات النوعيّة داخل الأراضي السورية وانتهاك سيادتها وتهديد أمنها، لا سيما وأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تسعى إلى توسيع رقعة الصراع وجرّ المنطقة إلى حرب شاملة لضمان استمرارها على رأس الحكم في إسرائيل. وبالتالي فإن تعدّد قوى التدّخل الخارجي طوال السنوات الماضية، جعل من الأراضي السورية مسرحاً لعمليات تهدّد وحدتها واستقرارها وتؤثر بشكل مباشر على أمن واستقرار المنطقة برمتها.
في المحصلة، تشكّل هذه التدخلات كارثة حقيقية على الشعب السوري في داخل وخارج البلاد، وهم يدفعون مقابلها المزيد من المعاناة والفقر والتشرذم ويواجهون الكثير من التعقيدات في إيجاد حلّ لقضيتهم، التي تحتاج إلى مجهود عربي ودولي مضاعف لمواجهتها ومعالجة تداعياتها.