دمشق
أصدرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، اليوم الإثنين تقريراً أكّدت فيه أن سوريا تواجه موجة عنف لم تشهدها منذ عام 2020، حيث قامت أطراف النزاع بشنّ هجمات ضد المدنيين والمرافق الأساسية بأشكال ترقى إلى جرائم حرب، وتسببت بأزمة إنسانية غير مسبوقة في تفاقم اليأس لدى السوريين.
وبحسب التقرير الأممي، أدت الهجمات الجوية التركية على شمال شرق سوريا ضد محطات الطاقة إلى حرمان مليون شخص من الماء والكهرباء طيلة أسابيع، وذلك في انتهاك للقانون الإنساني الدولي، وتم كذلك قتل مدنيين في هجمات جوية مُوجَّهة، ضمن نمط من الهجمات التركية بالطائرات المُسيَّرة قد ترقى إلى جرائم الحرب.
وأكدت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق أن الهجمات التركية في 5 تشرين الأول / أكتوبر الماضي على مناطق عدة في شمال شرق سوريا استهدفت بشكلٍ خاص البنية التحتية الأساسية ما أدى لحرمان المدنيين من الحصول على المياه والكهرباء، مشيرة في تقريرها الصادر اليوم إلى أن هذه الأعمال تعتبر “انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، فضلاً عن الهجمات المباشرة على الأعيان المدنية، التي قد تصل لجرائم حرب”.
وتتناسب الهجمات المشتبه بها بطائرات بدون طيار على شمال شرق سوريا التي وقعت في 20 حزيران/ يونيو و23 آب / أغسطس و23 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي مع نمط هجمات الطائرات بدون طيار التي تشنها القوات التركية، حيث لم تُقدم أي معلومات تشير إلى أن أياً من الضحايا قد شارك في الأعمال العدائية، مع وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن هذه الحوادث تشكل هجمات مباشرة على المدنيين، وفق تقرير اللجنة الأممية.
ووفق التقرير الأممي، قام الجيش التركي في نفس التوقيت بتسريع وتيرة العمليات ضد قوات “سوريا الديموقراطية” في شمال وشرق سوريا، رداً على هجوم في أنقرة خلال أكتوبر الماضي، تبنَّاه حزب “العمال الكردستاني”. وأدت الهجمات الجوية التركية ضد محطات الطاقة إلى حرمان مليون شخص من الماء والكهرباء طيلة أسابيع، وذلك في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.
وكثف تنظيم “داعش” من عملياته في وسط سوريا، ليس فقط تلك الموجهة ضد الأهداف العسكرية، بل كذلك ضد المدنيين في المناطق الحضرية، من خلال هجمات يُحتمل أن ترقى إلى جرائم حرب. وذكرت تقارير حديثة كذلك أن مدنيين كانوا يحاولون كسب قوت عيشهم من خلال النشاط المربح لجمع الكمأة، تعرضوا مجددا للقتل في المنطقة الصحراوية في وسط سوريا. وزادت حدة القتال بين القوات الأردنية ومهربي المخدرات على الحدود السورية – الأردنية، مع قتل وإصابة المدنيين العالقين في فخ هذه الاشتباكات، على ما جاء في تقرير اللجنة الأممية.
واتهمت اللجنة الحكومة السورية بالاستمرار في “ممارسة الاختفاء والتعذيب وسوء المعاملة بحق الأشخاص الذين تعتقلهم، وقامت اللجنة بتوثيق المزيد من الوفيات أثناء الاعتقال، بما في ذلك في سجن صيدنايا سيء الذكر. ومرت أربعة أشهر منذ أن أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا يطالب النظام السوري بمنع التعذيب وتدمير الأدلة، لكن السلطات السورية مازالت تستغل وتعيق جهود الأهالي للتأكد من مصير الأقارب المعتقلين، من خلال اللجوء إلى الابتزاز”.
وفي إدلب، واصلت “هيئة تحرير الشام”/جبهة النصرة سابقاً، ارتكاب أعمالٍ ترقى إلى التعذيب وسوء المعاملة والحرمان غير القانوني من الحرية، في ظل وجود تقارير تفيد بحالات إعدام بناء على أحكام موجزة مقترنة بتهم تشمل الشعوذة والزنى والقتل. وقامت العديد من المنظمات النسائية بتعليق الأنشطة بسبب التهديدات، ومنع التراخيص المطلوبة من طرف هيئة تحرير الشام أو تأخير إصدارها، بحسب ما جاء في تقرير لجنة الأمم المتحدة الذي تطرّق أيضاً للمناطق السورية الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعّوم من تركيا.
ففي المناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني السوري”، استمرت “أعمال التعذيب وسوء المعاملة في العديد من مرافق الاحتجاز. وواصلت بعض فصائل الجيش الوطني السوري مصادرة الأراضي ومحاصيل الزيتون التي تعود إلى أصحاب الأراضي المُتغيبين”، وفق ما جاء في التقرير.
وفي ظل كل هذه الأوضاع، يواجه السوريون مصاعب غير مسبوقة. ويظل 16.7 مليون شخص داخل سوريا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وهو الرقم الأعلى من نوعه منذ اندلاع الأزمة. وإن الانخفاض الحاد للموارد التي يتيحها المانحون قد أجبر الأمم المتحدة على تعليق المساعدة الغذائية المنتظمة إلى سوريا، مما جعل الملايين من الأفراد على حافة الجوع. ورغم ذلك، تظل عملية إيصال المساعدات حبيسة القرارات التعسفية للحكومة السورية ومتعثرة بسبب العقوبات، وفق ما جاء في تقرير لجنة الأمم المتحدة.
وستقوم لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا بتقديم تقريرها الأخير المُعد بموجب ولايتها إلى مجلس حقوق الإنسان في تاريخ 18 آذار/ مارس الجاري.