بعد ثلاث سنوات من الانتظار الذي رافقه الفشل في لم شملها إلى ألمانيا، لتتم زواجها، تفكر ندى الشرع (26 عاماً)، بالسفر إلى ليبيا وسلوك طرق غير شرعية باتجاه ألمانيا لتصل إلى خطيبها.
وخلال تلك المدة، عانت “الشرع”، من أهالي حي الكاشف في مدينة درعا جنوبي سوريا، من ضغط نفسي وقلق رافقهما تكاليف مادية كبيرة حتى استكمال أوراق لم الشمل، التي لم تتم حتى الآن.
وتقول لـ”963+”، إنها خطبت لشاب من مدينة درعا يعيش في ألمانيا منذ ستة أعوام، وبعد الخطبة تم تثبيت عقد القران في الدوائر الحكومية، مع العلم أن خطيبها يملك إقامة دائمة في ألمانيا ويعمل في إحدى الشركات في العاصمة برلين ولديه سكن يؤهله للبدء بعمليات لم الشمل.
ودفع تأخر أوراق لم الشمل لأكثر من عام ونصف، بـ”الشرع”، للتفكير في فسخ الخطوبة، “لكن تعلقنا ببعض حال دون ذلك”، تقول الشابة.
وبعد مدة وصلت الموافقة على لم الشمل، وتطلب ذلك من “الشرع”، مقابلة في السفارة الألمانية في العاصمة الأردنية عمان، الأمر الذي يستدعي حجزاً عن طريق المنصة وبلغت تكلفة هذه الخطوة مئة دينار أردني.
وخضعت الشابة حينها، لامتحان كتابي في اللغة الألمانية وبقيت يومين في الأردن وعند العودة توجب عليها دفع مبلغ مئة دولار للحكومة السورية. وبعدها يتوجب عليها إجراء مقابلة شفهية، وفضلت أن تكون المقابلة في العاصمة اللبنانية بيروت ظناً منها أن التكلفة والدخول ستكون أسهل من الأردن، لكنها وجدت العكس، فقد دفعت مبلغ 135 دولار أميركي لسائق السيارة.
وتقدمت “الشرع” للامتحان الشفهي ولكنها لم تنجح، وتم تحديد موعد آخر بعد عدة أيام، “عدت إلى سوريا ثم ذهبت لتقديم الامتحان واستطعت تجاوزه واستكملت باقي الأوراق، ولا أزال أنتظر النتيجة والسفر منذ أكثر من عام”، تقول الشابة.
استنزاف مادي ومعنوي
تعاني الكثير من العائلات السورية، من إجراءات لم الشمل التي أصبحت تأخذ فترات طويلة،و تستنزفهم ماديا ومعنوياً، فبعد وصول أحد أفراد العائلة إلى أحد دول الاتحاد الأوروبي يتنفس باقي العائلة الصعداء لتأتي بعدها رحلة لم الشمل والتي تستغرق بعضها أكثر من عامين، فيما لا يكتب النجاح لبعضها الآخر.
وتقول مروة الحوراني 32 عاماً لـ”963+” إن الصعوبات الرئيسية التي تواجه العائلات في عمليات لم الشمل هي التنقل من سوريا إلى الأردن أو لبنان حيث توجد سفارات الدول الأوروبية.
وتضيف أن هذه التنقلات يترتب عليها “دفع أموال لوسائل النقل وأخرى للسماح لهم بدخول هذه الدول لإجراء المقابلات للعوائل أو الامتحان والمقابلة للإناث المخطوبات لأوروبا”.
وتشير “الحوراني” إلى أن الحكومة الأردنية ترفض دخول الأسر إلا عن طريق المنصة، وعليه فيجب دفع 100 دولار للمنصة والانتظار إلى حين وصول الموافقة للدخول إليها”.
وعلى من يريد إجراء المقابلة في لبنان دفع 60 دولار أميركي عن كل فرد، وتكلفة سيارة النقل 300 دولار ذهابا وإيابا أي ما يعادل نحو 4 ملايين وخمسمائة ألف ليرة سورية.
ونوهت إلى أن “بعض العائلات قامت ببيع مصاغ من الذهب أو الاستدانة، أو بيع أثاث المنزل ومنهم من يقوم ببيع سيارته أو منزله كما حصل مع أحد اقربائي الذي حصل على لم شمل له ولعائلته في هولندا من خلال ابنه الذي يبلغ من العمر 18 عاما فقام ببيع أثاث منزله وسيارته التي باعها بمبلغ 86 مليون ليرة”.
ويقوم السوريين بإرسال أطفالهم القاصرين إلى دول الاتحاد الأوروبي من أجل قيامهم بلم شمل العائلة بعد الحصول على حق اللجوء.
ويرافق انتظار تلك الإجراءات، بحسب الشابة، “تعب نفسي ومادي للعائلات التي ترغب في السفر والتخلص من الواقع المؤلم الذي يعيشه معظم السوريين في البلاد”.
وتزداد الصعوبات النفسية بعد رفض المقابلة من قبل السفارة وإعادة الطلب مراراً والمقابلة أيضاً قد تصل لمرتين أو ثلاثة وربما أربعة، وقد يتم تغير مكان المقابلة من الأردن إلى لبنان وبالعكس، بحسب “الحوراني”.
رحلة الموت
بعد فشل بعض العائلات في إجراءات لم الشمل تتجه إلى السفر عبر الطرق غير الشرعية، سالكين البحار وغالبيتها تنطلق من ليبيا عبر البحر المتوسط وصولاً إلى دول الاتحاد الأوروبي، ومعظم هذه الرحلات لا يكتب لها النجاح وتكون ضحيتها آلاف الغرقى والذين لا تزال جثثهم في قاع البحر.
يروي خالد المصري 35 عاماً لـ”963+” قصة قريبته وابنتها اللتين أصبحتا ضحيتين للبحر، أثناء توجههما إلى إيطاليا سالكين البحر المتوسط بعد أن قصدوا ليبيا، لفشلهما في الحصول على لم الشمل.
ويقول “المصري”: “لم تكن راما المصري تتوقع أن يكون مصيرها الغرق مع ابنتها ذات الخمسة أعوام قبل الوصول إلى زوجها في دولة هولندا”.
وكانت راما ضمن القارب بيلوس الذي غرق قبالة السواحل اليونانية في حزيران/ يونيو من العام الماضي، وعلى متنه أكثر من 750 مهاجراً.
وبين المصري أن قريبته فشلت في الوصول إلى زوجها من خلال برنامج لم الشمل حيث رفض طلبها لمرتين وما كان أمامها خيار سوى الذهاب عن طريق البحر.
ويتابع، أن راما وطفلتها خرجوا من سوريا باتجاه ليبيا ودفعوا مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي للمهربين في رحلة كان مصيرها الغرق.
ويشير “المصري” إلى أن جثة راما وطفلتها مع أكثر من ستمائة مهاجر، أغلبهم من الجنسية السورية بقيت عالقة في القارب الذي غرق لأكثر من خمسة آلاف متر في قاع البحر.
إجراءات طويلة ومعقدة
وقال علي الجباوي، 39 عاماً، والمقيم ألمانيا، لـ”963+” إن معاناة اللاجئين تبدأ منذ وصولهم إلى دول الاتحاد الأوروبي حيث يبقون في الكامب لأكثر من سنة في انتظار قرار اللجوء.
وأضاف “الجباوي”، أنه بعد الحصول على الإقامة في أحد الدول الأوروبية يبدأ اللاجئ في رحلة لم الشمل لعائلته التي تركها خلفه في سوريا أو في إحدى دول اللجوء في الشرق الأوسط.
وأوضح أن عملية التسجيل في سفارات دول الاتحاد الأوروبي “صعبة جداً” مثل السفارات الموجودة في لبنان والأردن ومصر وأربيل وتركيا.
وحجز دور في إحدى هذه السفارات يتجاوز سبعة أشهر وتعتبر هذه المرحلة الأولى من مراحل تقديم لم الشمل في السفارة، بحسب “الجباوي”.
وتذمر الرجل من “ارتفاع التكاليف التي تترتب على العائلات عند الحجر، بالإضافة لدفع بعض العائلات رشاوى لموظفي بعض السفارات”.
وأردف أن على العائلات استخراج جوزات سفر لدى الحكومة السورية أو سفاراتها في الخارج وهذا مكلف على العائلات حيث تحتاج العائلة الموجودة في الأردن والمكونة من خمسة أفراد إلى مبلغ يتجاوز 1625 دولار أميركي ثمن جوزات فقط.
وتابع، أن ألمانيا تفرض على اللاجئين السوريين الحصول على جواز سفر من الحكومة السورية ولا يوجد سفارة في ألمانيا حيث يضطرون للذهاب إلى بلجيكا من أجل التقديم على جواز السفر.
وتبلغ تكلفة لم الشمل للعائلة الواحدة، “أكثر من سبعة آلاف دولار أميركي بين استخراج جوزات سفر والسفر للمقابلة في الأردن أو لبنان وسعر تذاكر الطيران”، بحسب “الجباوي”.
وبين “الجباوي” أن معاناة بعض العائلات تكمن في “رفض بعض الدول منح لم الشمل لأفراد العائلة ممن تجاوزوا سن الثامنة عشر كما هي القوانين في ألمانيا، بينما تقبل هولندا أفراد العائلة حتى سن الثانية عشر”.
وبحسب المركز الإحصائي الأوروبي (يورسات) تلقت دول الاتحاد الأوروبي في أيلول/ سبتمبر 2023، 4055 طلب لجوء لقاصرين غير مصحوبين بذويهم معظمهم من سوريا (1575) وأفغانستان (980).
وظل السوريون يشكلون أكبر مجموعة من الأشخاص الذين يطلبون اللجوء (19220 متقدمًا لأول مرة). حيث استقبلت ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا 67% من جميع طالبي اللجوء، بحسب ذات المركز.