خاص ـ حلب / أسعد الأسعد ـ إدلب
يقف محمد أمام إطارات السيارات بيدين باردتين، وهو يرتدي ملابس رثة متسخة وبيجاما رياضية لا تحميه من برد الشتاء، ينفخ فيهما وهو يعبئ الإطارات ويقيس درجة الهواء.
يشرح محمد معراوي البالغ من العمر 12 عاماً، لـ”963+”، سبب عمله في محل “كومجي سيارات”، في حي السليمانية في حلب، ويقول: “مضطر أنا للعمل منذ ثلاث سنوات مع والدي لتأمين احتياجاتنا الأساسية، ولا يمكنني العودة للدراسة لأن الظروف الاقتصادية صعبة للغاية”، بهذه الكلمات يشرح الطفل
ويعمل معراوي في هذا المجال في محل عمه منذ ثلاث سنوات، فعندما كان في التاسعة من عمره، ترك المدرسة، “لأن العمل هو الوحيد الذي يوفر لهم المال، بينما التعليم يحتاج لسنوات طويلة للحصول على وظيفة يجني منها المال”، ويضيف: “لو لم أكن مضطراً للعمل، لما تركت الدراسة”.
التوفيق بين العمل والدراسة
وللسبب ذاته، يعمل محمود جليلاتي، البالغ من العمر 12 عاماً، في جمع الخرداوات من الشوارع والحاويات بيدين صغيرتين ملأهما الغبار والأوساخ، لإعالة عائلته بعد أن التحق والده بالخدمة الاحتياطية مع القوات الحكومية.
ومحمود هو الولد الوحيد القادر على العمل من بين إخوته، فلديه شقيقان أحدهما يبلغ من العمر 8 سنوات وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، والآخر عمره 7 سنوات ولا يستطيع العمل بسبب صغر سنه وحاجته لإجراء عملية في أعضائه التناسلية.
وينطلق الطفل محمود بعد أن حرم من حقه في التعليم، بدأً من الظهيرة وحتى الساعة العاشرة مساءً، حيث يقوم بجمع الحديد والألومنيوم والكرتون والنايلون من الشوارع وحاويات القمامة في أحياء السكري والأنصاري والأعظمية والمارتيني والمرديان والأحياء الأخرى القريبة.
ويقول لـ”963+”، إنه يقوم يومياً ببيع ما يجمعه لأحد المحلات في حي السكري، بقيمة تقرب من خمسة وعشرين ألف ليرة سورية (نحو دولار ونصف)، من أجل مساعدة والدته في إدارة شؤون المنزل.
يعيش محمود في حي الطم في تل الزرازير، بالقرب من حي السكري، في منزل آجار بمبلغ شهري قدره 100 ألف ليرة سورية.
ويتمنى الطفل أن يجد عملاً آخر يمكنه من خلاله دعم عائلته ومواصلة دراسته في آن واحد، خاصة أن ترك الدراسة في الصف السادس.
وبحسب تقرير منظمة العمل الدولية (ILO)، فإن نسبة عمالة الأطفال في سوريا بلغت حوالي 3.5% في عام 2020. كما وحددت منظمة الأمم المتحدة يوم 12 يونيو/حزيران من كل عام، ليكون اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، وفي عام 2022 قامت برفع شعار “الحماية الاجتماعية الشاملة لإنهاء عمالة الأطفال” ولكنها بقي شعاراً فقط بالنسبة لأطفال سوريا وذلك لتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وخاصة في مناطق سيطرة الحكومة السورية، حيث يضطر أغلب أفراد العائلة للعمل لتأمين مستلزماتهم المعيشية.
أعمال تتطلب جهداً جسدياً
ويرتاد ورشة مجد عساني، لتصليح السيارات في حي السليمانية (46 عاماً)، العديد من الأطفال الصغار من مختلف الأعمار يومياً، طلباً للعمل وتعلم صيانة السيارات.
ويعمل لدى مجد ثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 17 عاماً، يقول لـ”963+” بأنه لا يشغلهم في الأعمال التي تتطلب جهداً جسدياً كبيراً حتى لا يؤثر ذلك على صحتهم الجسدية ولا يصابون بأي أذى، بحسب تعبيره.
ويشير إلى أن الجميع يعمل لأسباب مختلفة، بناءً على طلب من أهلهم، سواء لتعلم المهنة أو لمساعدتهم مالياً، حيث يمكن للبعض أن يحصل على راتب يصل إلى 200 ألف ليرة سورية أسبوعياً إذا كان لديه خبرة مسبقة وكان يعمل منذ عمر صغير.
ولم يكن حال أطفال محافظة إدلب، شمال غربي سوريا، ببعيد عن جيرانهم في حلب، ولكن زاد منه القصف والنزوح المتكرر وارتفاع مستويات الفقر الشديد، إضافة لفقدان الأسر لمعيلها.
أطفال يعملون لمساعدة أسرهم مادياً
يعمل العديد من الأطفال في إدلب بمهن شاقة لتأمين بعض الأموال لعوائلهم التي تعتمد عليهم كمصدر رزق، خصوصاً في ظل الظروف المادية الصعبة التي يعيشونها.
أحمد الزين طفل من مدينة إدلب يبلغ عمره 9 سنوات، اضطر للذهاب مع والده إلى المنطقة الصناعية منذ أكثر من أربعة أشهر، حيث يعمل ضمن دكان لتصليح رافعات السيارات الصغيرة والتي تعد مهنة شاقة وصعبة على طفل بعمره، ويتقاضى بعض المال من رب العمل، ليعطيه إلى والده فيعينه على مصروف المنزل.
ولم يترك أحمد دراسته فهو في الصف الرابع، يقول لـ”963+”: “أجد صعوبة كبيرة في الدراسة والعمل معأ، ولكن أنا مضطر للعمل وحتى إن اضطررت لترك المدرسة بشكل كامل”.
والد الطفل أحمد يعمل في هذه المهنة منذ زمن بعيد، كصانع لدى صاحب الورشة، فهو يتقاضى أجراً بسيطاً لا يتعدى 5 دولارات أميركية في اليوم، لذلك يضطر لاصطحاب أولاده إلى سوق العمل لمساعدته في تأمين حاجيات العائلة.
ويعمل الطفل أحمد الزين ذو العشرة أعوام، مع والده في المنطقة الصناعية، ويواصل تعليمه في الصف الرابع إلى جانب العمل، بينما أخوه الأكبر في الصف التاسع ويعمل في أحد مطاعم المدينة.
يقول محمد الزين، والد الطفلين، لـ”963+”: “لا أستطيع تحمل تكاليف دراستهم بل إنني لا أتحمل أجور المعيشية للعائلة فهم يساعدونني من خلال أجورهم بالعمل. بالظروف المادية السيئة قتلت طفولتهم”.
أسباب التسرب المدرسي
ويشير وليد حمادي رئيس دائرة التوجيه الإداري بمديرية التربية والتعليم، التابعة لحكومة الإنقاذ، الجناح المدني لهيئة تحرير الشام، في مدينة إدلب، إلى أن أعداد كبيرة من الأطفال ما بين سن السادسة والثامنة عشر تزداد بشكل متسارع وتنضم للمتسربين من المدارس في شمال غربي سوريا، حيث بلغ عدد الأطفال المتسربين الذين التحقوا في المدارس وخرجوا منها 36 ألف طفل حسب آخر إحصائية للمديرية”.
ويذكر حمادي في حديثه لـ”963+”، أسباب التسرب: “هي نوعان عامة وخاصة، أما العامة فهي تتعلق بالبيئة المحفزة للأطفال منها تجهيز الأبنية والمدارس، أما الخاصة، فأهمها تدني المستوى المعيشي لعائلة الطفل”.
وأظهرت تقارير حديثة لمنظمة اليونيسيف، أن أكثر من 2.4 مليون طفل سوري لم يلتحقوا بالمدارس عام 2021، وأن أكثر من 1.6 مليون معرضون لخطر التسرب من التعليم باتجاه أسواق العمل، أو لأسباب تتصل بالحرب.