أكثر من 300 مرة قصفت إسرائيل الأراضي السورية منذ 30 كانون الثاني/يناير 2013. يبدو الرقم كبيراً ومزعجاً، أن تتعرض إلى هذا العدد الهائل من الاعتداءات دون القدرة على الرد الجدّي. فيما غياب الردّ، لا يمنع كثرة التبرير الإعلامي المبالغ به من جانب المُتعرِض للاعتداء، فتكون الحجّة، كما دوماً، إن الردّ هو بما قدمته وتقدمه سوريا من دعم لمحور المقاومة وفصائله المتنوعة.
لكنّ هذا المنطق، وإن كان يحمل بعض الصحة، لا يُقنع الكثيرين. فما فائدة الدعم إذا لم يكن قادراً على حماية سوريا من العدوان؟ وماذا يعني “الردّ” إذا لم يكن فعّالاً ورادعاً؟ إنّ استمرار إسرائيل في استهداف سوريا دون رادع يُثير العديد من التساؤلات فعلاً. فهل إن سوريا عاجزة عن الردّ حقيقة؟ أم أنّ هناك طرقاً أخرى يمكن أن تفيد بالغرض؟
من المؤكد أن سوريا تواجه تحديات كبيرة على مختلف الأصعدة. فهي تخوض حرباً أهلية منذ سنوات، وتواجه ضغوطاً دولية كبيرة، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها. لكن هذا لا يعني أن سوريا يجب أن تستسلم للعدوان الإسرائيلي. بل يجب عليها أن تبادر إلى اتخاذ خطوات جديّة لردع إسرائيل عن الاستمرار في استهدافها وأعمالها المؤذية.
ليس بالأسلحة وحدها تُحمى البلاد، بل بالسياسة والدبلوماسية كذلك. في عام 1982، يوم اجتاحت إسرائيل لبنان، تحمّس الجانب السوري لقيادة دفاع عسكري هناك. خلال يوم واحد، أبرزت المواجهة العسكرية الجوية السورية-الإسرائيلية فوق سماء البقاع اللبناني حقيقة دامغة. خسرت دمشق، في التاسع من شهر حزيران/يونيو، حوالي 90 طائرة من دون أن تتمكن من إسقاط طائرة حربية إسرائيلية واحدة. كانت تلك المعركة الجوية الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأكدت فيها المؤكد بأن التفوق الجويّ الإسرائيلي في الشرق الأوسط سيدوم لسنوات.. ولا يزال!
يمكن لتعزيز قدرات سوريا الدفاعية في المجال الجوي أن يفيد، ولكن أي دولة ستبيع أسلحة متطورة لدولة غير مستقرة يا ترى؟ وأي قوة عالمية لها مصلحة في إغضاب تل أبيب أصلاً؟ ما الضرر إذاً بالركون إلى السياسة، وإلى “الحليف” الدولي شبه الوحيد الحاضر على الأرض السورية وفي أجوائها؟ ما الضرر من استخدام الدبلوماسية والسياسة لردع تل أبيب عن طريق موسكو مثلاً؟
حتى الساعة، تبقى تل أبيب حليفة موسكو الأساسية في الشرق الأوسط، مهما تبدلت الظروف والجبهات والمعارك. لكن، ما المانع من إدخالها كشريك استراتيجي أكبر في صيانة وتشغيل مطارات سوريا مثلاً، فتحمي دمشق بالتالي هذه المطارات؟
إنّ الردّ السوري على العدوان الإسرائيلي ليس بالأمر السهل، لكنّه واجب وطني لا يمكن التخلّي عنه. فالسكوت عن العدوان لن يؤدّي إلاّ إلى المزيد من التمادي من قبل إسرائيل التي تسرح وتمرح في أجواء سوريا. فيما حماية المطارات السورية واجب وطني أساسي، كي لا تتعرض أرواح الناس في مطار دمشق وحلب وغيرهما للخطر، وكي لا تستمر دمشق بالتفرّج على انتهاك سيادتها بشكل شبه يومي.
من الواقعي القول إنّه ليس باستطاعة الحكومة السورية حماية أجواء دير الزور حيث تتواجد، بقوة، قوات الحرس الثوري الإيراني وفصائله المتعددة. المسافة بعيدة عن قلب سوريا، فيما مركزيتها الشديدة تجعلها قليلة التأثير على أطرافها وحدودها الطويلة. لا تنفع موسكو هناك بشيء، طالما تريد تل أبيب إفهام طهران أن العبث معها مكلف. لكن، لا مناص للدولة السورية من الركون إلى روسيا من أجل حماية مطاراتها ومقدراتها ومقرّاتها الأساسية.
من الثابت كذلك، أن الوجود الإيراني في سوريا يفتح شهية الجانب الإسرائيلي لتنفيذ عمليات اغتيالات وقصف جوي قاسٍ هناك. ردع سوريا للعدوان الإسرائيلي لا يكون بتوسيع نفوذ وتواجد إيران، بل في تقليصه واستبداله بالوجود الروسي، هذا طبعاً إن كان يهم الحكومة السورية جدياً التخفيف من وطأة العدوان الإسرائيلي وديمومته.
ليست سوريا وحدها في مواجهة العدوان الإسرائيلي على جميع الأحوال. بل هناك العديد من الدول العربية والإسلامية التي تؤيد حقّ سوريا في الدفاع عن نفسها. لكن التأييد هذا لا يفيد، عملياً، بشيء، لذا الركون لقوة دولية يبقى الخيار الأمثل لمنع قوة إقليمية من أن تواصل اعتداءاتها على جارتها، خاصة أن لا قدرة عسكرية جدية وواقعية لسوريا على ردع الأعمال العسكرية الإسرائيلية.
لا تنحصر فوائد التعاون مع روسيا في حماية مطارات سوريا من الغارات الإسرائيلية فحسب، بل تمتدّ لتشمل أبعاداً أوسع تُعزّز قدرات سوريا الدفاعية وتُساعدها على ردع العدوان الإسرائيلي بشكلٍ فعّال، إن لم يكن بشكل فوريّ.
بذلك، يمكن لروسيا أن ترى مصلحتها في حماية سوريا أكثر، فتشكل سداً سياسياً ودبلوماسياً أمام الأعمال الإسرائيلية، كما يمكنها أن تقدّم التدريب والدعم الفني للقوات السورية. لقد خدمت موسكو كحليف استراتيجيّ موثوق به، وداعم فعّال لسوريا في حربها ضدّ الإرهاب، ولن تتردّد، على الأرجح، في تقديم كلّ ما يلزم للتخفيف من وطأة العدوان الإسرائيلي وحماية سوريا من أيّ تهديدات خارجية، هذا طبعاً إن تمّ إغراؤها بتعزيز شراكتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع دمشق.