وائل الأمين – خاص
خلال الأسبوع الأخير، شهدت سوريا عدة أحداث متسارعة، فمنذ هجمات “فلول الأسد” على عناصر الأمن العام في الساحل السوري، بدا المشهد وكأن سوريا دخلت في دوامة حرب جديدة أعادت للأذهان بداية الحرب السورية عام 2011، وكأن السيناريو يعيد نفسه، لكن الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديموقراطية (قسد) جاء كخلاص للعنف الذي يمكن أن يندلع في شمال شرقي سوريا.
اتفاق طال انتظاره
وُصف الاتفاق الذي تم توقيعه بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع والجنرال مظلوم عبدي قائد “قسد” مساء الإثنين بـ”التاريخي”، وهو ما فتح باب التساؤل حول توقيت هذا الاتفاق، وفي تصريحات خاصة لـ”963+” قال المحلل السياسي محمد هويدي المقيم في السعودية إن “توقيت الاتفاق جاء في وقت حساس جداً خاصة بعد أحداث الساحل الأخيرة وما شكلت من ضغوط دولية بحماية المدنيين، وهو ما يتطلب قوات مدربة بشكل كبير، وأيضاً تخفيف الضغط على الحكومة السورية التي عملت بشكل كثيف لتحسين ثورتها أمام المجتمع الدولي”.
وأضاف هويدي أن “هذا الاتفاق هو أهم من المؤتمر الوطني، حيث يؤكد بشكل غير مباشر على علمانية الدولة وحفظ حقوق جميع السوريين، ولا سيما أن مناطق سيطرة قسد والتي تمثل حوالي 30% من الأراضي السورية في شرقي الفرات وبعض الأراضي غرب النهر تحتوي على كثير من العرقيات كالعرب والأكراد والآشوريين والأيزيديين وغيرهم، وتلك المنطقة أيضاً تضم أكثر من 95% من احتياطي النفط السوري، وهو ما يخفف من العقبات الاقتصادية على السوريين في حال تم تطبيق هذا الاتفاق بحسب البنود”.
اقرأ أيضاً: ترحيب أميركي وأممي وأوروبي باتفاق دمج “قسد” بالدولة السورية – 963+
وبعد الحالة الضبابية التي خيمت على الأجواء السياسية في سوريا خاصةً بعد أحداث الساحل، وصف رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية بمركز العرب للدراسات الدكتور هاني الجمل والمقيم في مصر، الاتفاق بين الشرع و بـ”المهدئ”، وأضاف الجمل في تصريحات خاصة لـ”963+” أن “الاتفاق يعكس تحولاً جذرياً في اللاعبين الجدد داخل الأزمة السورية، حيث باتت الولايات المتحدة اللاعب الوحيد الذي يحدد مستقبل سوريا وهو ما ظهر بشكل كبير من خلال نقل عبدي إلى دمشق بمروحية أميركية، وهو مشهد دراماتيكي يؤكد أن واشنطن ليست مجرد راعٍ للاتفاق، بل هي القوة التي تديره بالكامل”.
وبين الجمل أن البند الأخير في الاتفاق والمتعلق بتشكيل لجان تنفيذية حتى نهاية العام يشير إلى “إعادة هيكلة تدريجية للدولة السورية وفق رؤية أميركية طويلة الأمد بجانب الاعتراف بقسد كجزء من الدولة السورية الجديدة ما قد يمهد لنظام حكم لا مركزي أو فيدرالي او اندماج ولكن بشروط ترضي الأكراد في شمال شرق سوريا”.
بر الأمان والاستقرار
يعتقد البعض أن سوريا قد وصلت إلى بر الأمان في هذا الاتفاق، لكن المحلل السياسي محمد هويدي قال إن “الوصول إلى بر الأمان في سوريا يحتاج لتوافق دولي، خاصة بين الدول ذات الاضطلاع في الملف السوري كروسيا والولايات المتحدة الأميركية وتركيا وغيرهم، لأن المشهد السوري معقد، ويحتاج إلى عدة توافقات خارجية قبل الداخلية لكي تصل البلاد إلى ما يحلم به السوريون”، مضيفاً أن هذا الاتفاق هو “خطوة جيدة يُبنى عليها في المستقبل لإعادة إنتاج دولة سورية تمثل جميع الأطياف والمكونات”.
وبين هويدي أن “بنود الاتفاق تضمن مشاركة كل المكونات في العملية السياسية دون النظر إلى خلفياتهم الدينية والعرقية، وذلك يعني أن سوريا تسير في الاتجاه الصحيح”، ورغم ذلك يتساءل السوريين عن آلية تنفيذ هذا الاتفاق خاصة وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية، ولا سيما في منطقة سد تشرين الملتهبة منذ سقوط نظام الأسد، والتعزيزات التركية إلى تلك المنطقة.
اقرأ أيضاً: القوات التركية تقصف محيط سد تشرين وتعلن مواصلة الهجمات شمالي سوريا – 963+
ويقول هويدي “إن آلية تنفيذ هذه البنود هو ما يمكن أن يثبت هذا الاتفاق، وكيف سيتم تنفيذ وقف إطلاق النار، ونعلم أن الحكومة السورية الجديدة تريد ذلك، لكن ماذا عن القوات التي تقاتل في سد تشرين والمدعومة من تركيا؟ هل ستمتثل لهذا القرار؟ ذلك ما يحدد الوصول إلى بر الأمان، خاصة الفصائل في الجيش الوطني السوري”.
ويتفق الدكتور هاني الجمل مع سابقه في أن تركيا قد تكون العقبة الوحيدة أمام التنفيذ، ويضيف الجمل لـ”963+” أن واشنطن “قد تمنح تركيا ضمانات أمنية لاحتواء أي تصعيد في مناطق الشمال والشرق السوري”، مرجحاً أن يكون الاتفاق “خطوة براغماتية لاحتواء تصعيد محتمل داخل سوريا في ظل عودة رجال نظام الأسد البائد لحمل السلاح وترقب موقف تنظيم داعش المصنف على قوائم الأمم المتحدة للإرهاب الذي لم يتحرك بالشكل المناسب مستغلًا حالة الارتباك في المشهد السياسي والانتظار إلى ما سوف تؤول إليه الأوضاع في التعاطي مع مخيم الهول وما سوف ينتج عنه”.
ويرى الجمل أن “الاتفاق هو شراء الوقت لكلا الطرفين دون نية حقيقية لتنفيذه بالكامل على المدى الطويل وقد تكون واشنطن قد فرضت هذا الاتفاق كجزء من ترتيباتها لإعادة رسم الخريطة السياسية في سوريا لكنها تدرك أن التناقضات العميقة قد تعيق تطبيقه لاحقاً، خاصة التباعد الفكري والحضاري بين الأكراد والسلطة القائمة في سوريا”.
ويرى مراقبون أنه بهذا الاتفاق أصبحت المقومات الأساسية لبناء دولة حديثة متاحة للسوريين، ومع اكتمال الحرية وتوحيد الأراضي السورية، بات مفتاح النهوض بيد الدولة السورية لاسيما مع وجود بعض التحالفات الخارجية التي تؤمن للحكومة السورية دعماً ومساندة في إعادة الإعمار وتوحيد الجهود لإعادة اللاجئين السوريين والعيش بسلام.