في خطوة وُصفت بـ”التاريخية”، ووسط ترحيب عام داخلياً وخارجياً، وقّع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، والقائد العام لقوات سوريا الديموقراطية الجنرال مظلوم عبدي، اتفاقاً يهدف إلى تحقيق وحدة سوريا واستقرارها، خطوة برزت معها تساؤلات كثيرة حول الدوافع خلف هذا الاتفاق في هذا التوقيت والتحديات أمامه؟
اتفاق من ثمانية بنود
وتضمن نص الاتفاق الموقّع بين الشرع وعبدي في العاشر من آذار/مارس الجاري في العاصمة السورية دمشق، ثمانية بنود منها، ‘‘دمج قوات سوريا الديموقراطية والمؤسسات التابعة لها ضمن هيكلية الدولة، بما فيها المطار في مدينة القامشلي وحقول النفط والغاز والمعابر الحدودية، إلى جانب التأكيد على وقف إطلاق النار وضمان عودة المهجرين’’.
وأكد الاتفاق، على حق المجتمع الكردي في المواطنة والدستور وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية، ودعم الإدارة السورية الجديدة في محاربة ‘‘فلول الأسد’’، وأسند البند الأخير للاتفاق مهمة تطبيقه في أجل لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
دوافع وأسباب الاتفاق
في تصريحات خاصة لموقع ‘‘+963’’، أكد مدير مركز ‘‘جي إس إم‘‘ للأبحاث والدراسات الدكتور آصف ملحم، المقيم في موسكو، على أن “محرك الاتفاق كان الضغط الأميركي والروسي نظراً للظروف الخطيرة التي يمر بها الساحل السوري، بعد ارتكاب انتهاكات ومجازر بحق الطائفة العلوية”.
وتابع ملحم، أن الاتفاق تم بعد دعوة روسيا والولايات المتحدة إلى مشاورات مغلقة في مجلس الأمن الدولي حول الوضع في الساحل السوري، مشيراً إلى أن ‘‘واشنطن وموسكو تدركان بأن القرار الدولي 2254 هو الغطاء القانوني الوحيد الذي يمكن الرجوع إليه لضبط الوضع في سوريا. حيث يوجد في هذا القرار بندان مهمان هما إنهاء الإرهاب في سوريا، وحدوث انتقال سياسي’’.
وأحد الأسباب الأخرى لتوقيع هذا الاتفاق وفق ملحم، هو إنهاء الدور التركي: ‘‘إخراج تركيا من الملف السوري تلتقي فيه مصالح العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين، وأهمهم: روسيا، الصين، الدول العربية، الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة’’.
من جانبه، وصف أستاذ الدراسات الدولية، شاهر الشاهر، المقيم في دمشق، الاتفاق بالفرصة التاريخية، وأوضح أن ‘‘الاتفاق أنهى أحد أكثر الملفات تعقيداً في شمال شرقي البلاد، والذي كان مصدر قلق على المستويين المحلي والدولي، خصوصاً بعد المجازر التي شهدها الساحل السوري’’.
وأضاف الشاهر، أن الدوافع وراء هذا الاتفاق هو الإرادة السورية لدى الشرع وعبدي بإنهاء الملفات العالقة وبناء سوريا موحدة كما أن الوساطة الغربية والدعم العربي والإقليمي للشرع ساهما في إنضاج الاتفاق، مؤكداً على أن ‘‘الاتفاق قطع الطريق أمام التدخلات الخارجية، وأمام التأويلات حول رغبة قسد بالانفصال والتقسيم’’.
اقرأ أيضاً: ترحيب أميركي وأممي وأوروبي باتفاق دمج “قسد” بالدولة السورية
تحديات ومخاوف
ورغم أن الاتفاق وفق محللين، بمثابة لحظة سياسية جديدة وفرصة لتجنيب البلاد خطر الانزلاق نحو موجة عنف جديدة، لكنه يواجه عدداً من التحديات التي قد تعيق تنفيذه. وفي هذا الصدد، يرى الشاهر، أن أبرز التحديات والعوائق أمام الاتفاق هو ملف المقاتلين غير السوريين.
وتساءل الشاهر أنه “كيف لـ”قسد” ذات التوجه العلماني أن تندمج في الجيش السوري الجديد الذي يضم مقاتلين أجانب ممن يتبنون فكراً جهادياً؟ مشيراً إلى أنه ‘‘على الإدارة السورية الجديدة أن تُنهي ملف المقاتلين الأجانب من أيغور وأوزباكستانيين وتركستانيين وغيرهم حتى لا يكون عائقاً أمام الاتفاق مع “قسد”، كونه ملف مقلق لجميع السوريين رغم محاولات إظهار الطمأنة’’.
وتابع أستاذ الدراسات الدولية، أنه ‘‘على قسد أيضاً أن تُخرج المقاتلين غير السوريين من صفوفها’’، موضحاً أن هناك تفاصيل أخرى يمكن أن تشكل تحديات أمام نجاح الاتفاق، مثل ‘‘شكل دمج قسد ومؤسساتها المدنية في الحكومة السورية هل سيكون ككتلة واحدة أم إعادة هيكلة’’.
اقرأ أيضاً: الساحل السوري.. بين ملاحقة فلول الأسد ومخاوف الانزلاق لحرب طائفية
ولفت الشاهر إلى أن ‘‘تجاوز هذه التحديات متوقف على الموقف الأميركي ومدى رغبته بإنجاح هذا الاتفاق، فهو من سيلعب دوراً كبيراً في دفع الأمور نحو تنفيذ الاتفاق بين قسد والإدارة السورية’’.
وكانت وكالة “رويترز”، قد نقلت عن مصادر قولها: إن “واشنطن شجّعت حلفاءها الأكراد على توقيع الاتفاق مع دمشق”، فيما قال مسؤول في “البنتاغون” إن قائد القيادة الوسطى الأميركية ساعد في دفع “قسد” نحو الاتفاق. وتوقعت المصادر، أن “يخفف الاتفاق من الضغط العسكري التركي على قسد”، وأكد مسؤول في الإدارة السورية الانتقالية أن دمشق ستعمل على معالجة القضايا العالقة بين قوات سوريا الديموقراطية وتركيا.
وفي هذا الصدد، نوه ملحم، إلى أن مخاوف عديدة ستُزال بعد هذا الاتفاق، ‘‘فتركيا التي تصّر دائماً على اعتبار قسد منظمة إرهابية، لا يمكن لها بعد اليوم أن تستند إلى هذه الحجة، لأن الإدارة الذاتية أصبحت جزءاً من الدولة السورية، وبالتالي الاعتداء على مناطق الإدارة الذاتية هو اعتداء على سيادة سوريا’’، مشيراً إلى أن الاتفاق إطاري عام، والعمل على التفاصيل سيستغرق بعض الوقت لتطبيقه.