في خطوة لافتة نحو تحقيق العدالة، تعهدت لجنة تقصي الحقائق في سوريا، خلال مؤتمر صحافي عُقد عصر يوم الثلاثاء الماضي، بتقديم المسؤولين عن الانتهاكات التي شهدتها منطقة الساحل السوري إلى القضاء. جاء هذا الإعلان بعد أيام من اضطرابات أمنية عنيفة أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا، إثر هجوم شنّته فلول نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
مهلة زمنية محددة للتحقيقات
أوضحت اللجنة أن فترة عملها حُددت بثلاثين يوماً، مع إمكانية التمديد في بعض الحالات وفق ما أكده المتحدث باسم اللجنة، الدكتور ياسر الفرحان، مشيراً إلى أن “عمل اللجنة قد يمتد لأكثر من 30 يوماً في بعض الحالات إذا اقتضت الضرورة ذلك”.
وكان الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، قد أصدر يوم الأحد الماضي قراراً رئاسياً بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري. ووفقاً لبيان رسمي صادر عن الرئاسة السورية عبر حسابها على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، فإن اللجنة، المؤلفة من سبعة أعضاء، ستتولى مهام الكشف عن الأسباب والظروف التي أدت إلى وقوع الأحداث الأخيرة، بالإضافة إلى التحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها.
كما ستتولى اللجنة مسؤولية التحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش، على أن تقدم تقريرها النهائي إلى رئاسة الجمهورية خلال المهلة الزمنية المحددة.
اقرأ أيضاً: الشبكة السورية لحقوق الإنسان: قوات رديفة للأمن العام قتلت 396 شخصاً في الساحل – 963+
آليات التحقيق والتوثيق
في مؤتمرها الصحافي، أكدت اللجنة أنها وضعت “خطة للتواصل مع الشهود وأهالي الضحايا في الساحل”، مع ضمان “حماية خصوصية وأمن الشهود”. كما أشارت إلى أنها ستستخدم “الوسائل التقنية الحديثة في التعامل مع مقاطع الفيديو” التي توثق الانتهاكات.
ويأتي تشكيل لجنة تقصي الحقائق بعد تصاعد حدة الاعتراضات الدولية على ما جرى في الساحل السوري، حيث أبدت وزارات خارجية عدد من الدول الغربية قلقها إزاء الانتهاكات الأخيرة.
وترى أوساط سياسية أن القرار السياسي الذي اتخذه الشرع بتشكيل اللجنة يهدف إلى امتصاص موجة الغضب العارمة في الرأي العام، والابتعاد عن متاهات الدفاع السياسي عن صورة السلطة في دمشق. ولتحقيق ذلك، تم اختيار أعضاء اللجنة بعناية، إذ ضمت خمسة قضاة، ومحامٍ، وضابط شرطة برتبة عميد، مع تعيين أحد القضاة رئيساً لها.
“خطوة بالغة الأهمية”
في هذا السياق، أكدت كوثر دوكو، الرئيسة المشتركة لحزب سوريا المستقبل، أن تشكيل اللجنة يمثل خطوة بالغة الأهمية، مضيفة في حديثها لموقع “963+”: “المكونات والطوائف في سوريا عاشت، على مدار أكثر من نصف قرن، حالة من التغييب والإقصاء وإنكار الوجود، وهو ما أثر بشكل سلبي على الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها”.
وتابعت دوكو: “الآن، تعيش سوريا مرحلة حساسة جداً، تقف فيها البلاد عند مفترق طرق بين الظلام والنور، وتشكيل لجنة تقصي الحقائق يُعدّ مسألة مفصلية في تحقيق العدالة، لا سيما إذا نفّذت ما تعهّدت به بتقديم جميع المتورطين إلى القضاء ضمن المهلة المحددة”.
كما أشارت إلى أن تشكيل اللجنة تزامن مع توقيع اتفاق تاريخي بين قائد قوات سوريا الديموقراطية والإدارة الانتقالية الجديدة، معربة عن أملها في أن يمهد هذا الاتفاق الطريق نحو مصالحة وطنية شاملة.
اقرأ أيضاً: لجنة تقصي الحقائق تحضر لوائح للشهود في أحداث الساحل وتتعهد بحمايتهم – 963+
التزام اللجنة بمبدأ العدالة
شددت لجنة تقصي الحقائق على أن إعداد قائمة بالمتورطين المحتملين سيكون من أولوياتها، إلى جانب جهودها في توثيق وبناء ملفات الأدلة بكل شفافية. وتركز التحقيقات على الأحداث التي وقعت بين 6 و8 من الشهر الجاري، حيث أكدت اللجنة أن “لا أحد فوق القانون”، متعهدة بضمان عدم إفلات أي من الجناة من العقاب.
كما أعلنت اللجنة أنها ستقدم إحاطة أسبوعية وتنشر ما يتيسر من خلاصات التحقيق، بالإضافة إلى إعداد لوائح بالشهود المحتملين، مع توفير الحماية اللازمة لهم ضمن برنامج حماية الشهود.
من جانبه، أكد الحقوقي السوري إبراهيم عبدالرحمن أن الدساتير السورية لطالما نصّت على عدم التمييز بين المواطنين والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات، مشدداً على أن “أي اعتداء على الأشخاص أو الممتلكات يُعدّ عملاً غير قانوني”.
وأضاف عبدالرحمن، في حديثه لـ”963+”، أن القانون السوري يعتبر الانتهاكات المرتكبة على خلفية مذهبية أو عرقية من الجرائم الخطيرة التي تهدد الأمن والسلم الأهلي. وأكد أن اللجنة يجب أن تمارس عملها بحياد تام، وأن يكون القانون والدستور مرتكزها الرئيسي، بهدف تحقيق العدالة والردع العام.
وأشار إلى أن المدة المحددة لعمل اللجنة، والقابلة للتمديد، قد تتناسب مع فترة عمل النيابة العامة، بحيث تتولى الجهات القضائية لاحقاً مهمة المحاكمة والمساءلة.
وفي ختام حديثه، شدد عبدالرحمن على أهمية التوثيق الدقيق وسرية التحقيقات، لا سيما في ظل حالة الخوف والذعر التي يعيشها ذوو الضحايا وشهود العيان. كما دعا إلى ضرورة كشف الملابسات الحقيقية للأحداث، بما يضمن منع تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً، دون تعريض الشهود لأي مخاطر.
ويُنظر إلى تشكيل لجنة تقصي الحقائق بشأن أحداث الساحل السوري باعتباره اختباراً حقيقياً لقدرة السلطات الانتقالية على ترسيخ مبادئ العدالة والمساءلة، في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه البلاد.