تعد محافظة دير الزور واحدة من أكثر المناطق السورية تعقيداً، حيث شهدت انقساماً حاداً بين ضفتي الفرات. خضعت مناطقها الغربية في السنوات الماضية لسيطرة قوات النظام السوري المخلوع، بينما أدارت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) شرقها، ما جعل المحافظة في قلب الصراعات التي عصفت بسوريا لسنوات طويلة. لكن مع الإعلان عن الاتفاق الأخير بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) الجنرال مظلوم عبدي، بدأت بوادر أمل تلوح في الأفق، حيث يرى الأهالي أنه قد يكون بداية لاستعادة الأمن والاستقرار وعودة الحياة الطبيعية إلى مناطقهم.
دير الزور والاتفاق
محمد الجاسم، 45 عاماً وهو أحد أبناء دير الزور، يقول لموقع “963+”: “لقد عانينا طويلاً من النزاعات المسلحة والانقسام. النزاع أثر بشكل كبير على حياتنا اليومية وتسبب في تهجير الكثير من العائلات، بما في ذلك عائلتي. نحن نعيش في حالة من الفوضى والقلق المستمر”.
ويضيف الجاسم: “هذا الاتفاق يمنحنا بصيص أمل بعودة المهجرين وتحسن الوضع الاقتصادي. نحن بحاجة إلى استعادة حركة التجارة والاقتصاد، وفتح الجسور بين ضفتي الفرات سيكون خطوة مهمة”.
من جهتها، تؤكد حسنة السالم 32 عاماً من دير الزور، أن “الوضع الإنساني في دير الزور كان صعباً للغاية، ونأمل أن يكون هذا الاتفاق بداية جديدة لنا جميعاً”.
وتضيف السالم لـ”963+”: “الناس هنا متفائلون بعض الشيء بعد سماعهم عن الاتفاق بين قسد والحكومة الجديدة. هناك شعور بأن الأمور قد تتحسن، وأننا قد نشهد فترة من الاستقرار. الكثيرون يتحدثون عن الأمل في العودة إلى ديارهم”.
علي الصالح، ناشط محلي من دير الزور، يرى أن “إعادة فتح الجسور بين ضفتي الفرات ستكون خطوة محورية في إعادة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها. الناس هنا بحاجة ماسة إلى الاستقرار بعد سنوات من الضغوط الأمنية والمعيشية”.
ويصف الصالح في حديث لـ”963+” وضع الأهالي في المنطقة فيقول: “يشعر الناس هنا بتفاؤل حذر بعد الإعلان عن الاتفاق بين قسد والحكومة. الكثيرون يأملون أن يؤدي ذلك لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.
ويضيف: “الضغط النفسي الذي عاشه السكان كان كبيرًا، ونحن بحاجة إلى السلام لنتمكن من إعادة بناء المجتمع. إذا تم تنفيذ هذا الاتفاق بشكل صحيح، يمكن أن يكون بداية جديدة للأمل في دير الزور”.
اقرأ أيضاً: احتفالات في عدة مناطق سورية بالاتفاق بين دمشق و “قسد” – 963+
فرحة السوريين بالاتفاق
ومع توقيع الاتفاق، شهدت مدن دير الزور والرقة والحسكة مسيرات شعبية حمل خلالها المواطنون الأعلام السورية، معبرين عن فرحتهم بهذه الخطوة التي قد تنهي سنوات طويلة من التوتر والانقسام.
ولم تقتصر ردود الفعل على دير الزور وحدها، بل سرعان ما امتدت إلى مختلف المناطق السورية، حيث خرجت مسيرات حاشدة احتفالًا بالاتفاق. ففي حمص، تجمعت الحشود في ساحة الساعة، رافعين الأعلام السورية ومرددين هتافات تؤكد على الوحدة الوطنية.
وفي حماة، شهدت ساحة العاصي احتفالات كبيرة، فيما أطلقت الأعيرة النارية تعبيراً عن الفرحة. أما في حلب، فقد تجمّع المئات أمام القلعة، حاملين الأعلام ومرددين الشعارات الداعية إلى التلاحم الوطني.
وشهدت مناطق الساحل السوري، مثل طرطوس واللاذقية، احتفالات مماثلة، وسط انتشار أمني لتنظيم التجمعات، فيما شهدت بعض المدن انتشاراً واسعاً للشرطة العسكرية لضمان الأمن خلال الاحتفالات.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تداول السوريون خريطة البلاد باللون الأخضر كرمز لوحدة سوريا وانتصار الثورة. وصف العديد منهم هذه اللحظة بـ”التاريخية”، معتبرين أن الاتفاق قلب الموازين وأعاد الأمل في بناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوناتها.
اقرأ أيضاً: ترحيب عربي ودولي باتفاق دمج “قسد” بالدولة السورية – 963+
نحو سوريا موحدة
وأمس الإثنين، وقع الشرع وعبدي، اتفاقاً يقضي باندماج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، ويؤكد على وحدة أراضي البلاد ورفض التقسيم.
وينص الاتفاق على دمج قوات سوريا الديموقراطية والمؤسسات التابعة لها ضمن هيكلية الدولة، بما فيها المطار في مدينة القامشلي وحقول النفط والغاز والمعابر الحدودية، إلى جانب التأكيد على وقف إطلاق النار وضمان عودة المهجرين إلى مدنهم وبلداتهم في كافة المناطق السورية.
وبموجب نص الاتفاق، أكدت قوات سوريا الديموقراطية على دعم الإدارة السورية الجديدة في محاربة “فلول الأسد”، بحسب مكتب الرئاسة السورية.
وأكد الاتفاق، على حق المجتمع الكردي في المواطنة والدستور وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية.
ولاقى الاتفاق ترحيب العديد من الدول، وقالت الخارجية السعودية في بيان، إن “المملكة ترحب بتوقيع الاتفاق الذي يقضي باندماج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة السورية”.
اقرأ أيضاً: مظلوم عبدي: نفكر بأن نكون جزءً من الإدارة السورية وإيران لا تدعمنا – 963+
آمال السوريين ومستقبل الاتفاق
رغم موجة الفرح العارمة التي اجتاحت البلاد بعد توقيع الاتفاق، تبقى تساؤلات كثيرة حول مدى التزام الأطراف المعنية بتنفيذ بنوده. يرى البعض أنه يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه بحاجة إلى متابعة حقيقية على الأرض لضمان نجاحه.
ويرى العديد من المحللين أن تطبيق هذا الاتفاق سيشكل اختباراً حقيقياً لمدى جدية الأطراف في إعادة بناء سوريا موحدة، بعيداً عن التجاذبات السياسية والعسكرية التي حكمت المشهد في السنوات الماضية.
ومع توقيع هذا الاتفاق، تدخل سوريا مرحلة جديدة تتطلب تعاوناً حقيقياً من جميع الأطراف. وبينما تأمل الجماهير أن يكون هذا الحدث نقطة تحول إيجابية، يبقى التنفيذ الفعلي هو العامل الحاسم في تحديد مدى نجاح هذه الخطوة في تحقيق الاستقرار والسلام المنشودين.
قد يكون هذا الاتفاق بداية لعهد جديد من الوحدة، يعيد لسوريا ملامحها التي فقدتها خلال سنوات الحرب، ويمهد الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقاً لجميع السوريين.